ما زال الوضع المعيشي عصياً رغم إجراء الإصلاح الذي تتبناه الدولة ممثلة في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لأكثر من عامين مرت من ثورة ديسمبر، بل وصلت إلى حد كبير من وتيرة التعقيد خاصة مع التصاعد الذي تشهده الأسعار يوماً تلو الآخر، ولأكثر من محاولة لبسط الهدوء والاستقرار والحد من الغلاء وتأثيراته على معاش الناس زادت الدولة في العام الماضي أجور العاملين بنسبة 568%، لكن سرعان ما ساعد ذلك في ارتفاع معدلات التضخم بصورة مخيفة، الآن بعد تلك التجربة قررت دولة مجلس الوزراء تقديم منحة شهرية قيمتها 10 مليار جنيه لكل العاملين بالدولة، غير خاضعة للضرائب، تُخصص النسبة الأعلى للدرجات الأدنى، وذلك لمقابلة الظروف الاقتصادية الحالية اعتباراً من يوليو 2021م، غير أن مسؤولين في القطاع الاقتصادي ومحللين اقتصاديين يرون أن المنحة هذه ستلحق مزيداً من التضخم وستزيد من حجم المعاناة التي أثرت بشكل كبير على معيشة المواطنين. منحة شهرية وكان في بداية يوليو الماضي في هذا العام عقد مجلس الوزراء اجتماعاً مغلقاً استعرض فيه الأوضاع العامة، وسبل مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد، وأصدر المجلس خلال اجتماعه مجموعة من القرارات المرتبطة بأولويات الحكومة الانتقالية الخمس المُعلنة، وضمن هذه القرارات في المجال الاقتصادي، والتي شملت التأكيد على استمرار الدعم الحكومي للدواء وغاز الطبخ والكهرباء والدقيق، والبدء الفوري في حملات فرض الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار، مع مُصادرة وتسليم الذهب المُهرّب والعملات المُصادرة لبنك السودان المركزي، والبدء فوراً في إدخال مليون أسرة تحت مظلة التأمين الصحي بتمويل من وزارة المالية وديوان الزكاة، إضافة إلى تقديم منحة شهرية قيمتها 10 مليار جنيه لكل العاملين بالدولة، غير خاضعة للضرائب، تُخصص النسبة الأعلى للدرجات الأدنى، وذلك لمقابلة الظروف الاقتصادية الحالية اعتباراً من يوليو 2021م، كما أمن الاجتماع على البدء الفوري في تفعيل الجمعيات التعاونية الإنتاجية والاستهلاكية، ومراجعة الهيكل الراتبي لإزالة تشوهاته، وتطبيق الهيكل الراتبي الجديد ببداية السنة المالية الجديدة 2022م. إرضاء الشارع فيما يعتقد عضو اللجنة التأسيسية للتحالف الاقتصادي، حسام الدين حسن، أن تكون المنحة بذات الأثر بعد زيادة الأجور في العام الماضي بنسبة 568% وهي المزيد من التضخم وكانت قد تحدثت عنه وزيرة المالية هبة بحيث أنه أنتج تشوهات هيكلية وبالتالي هم الآن ليسو قادرين على دفع الأجور ولجأوا لطباعة العملة فبالتالي إذا كانت هذه ال10 مليارات وهي 10 تريليون بالقديم شهرياً قد تكون مصيبة، لكن إذا عملت على تغطية الأشهر الستة القادمة بمعدل 2 تريليون غير خاضعة للضريبة هذه معناها زيادة في التضخم وبالتالي سيتجهون بها إلى السوق وستخلق طلباً عالياً علاوة على السياسات بعد ارتفاع التضخم والتحرير والجمارك وبالتالي سيصبح أثرها تضخمي كبير جداً، وعن مصادر المنحة قال ل(اليوم التالي): لم نعرف عنها شيئاً والغرب لا يمكن أن يعطيك مبالغ وأنت تقدمها مرتبات للاستهلاك، وأعتقد أن الحكومة ليست حريصة على المحافظة على التضخم، لكن حريصة على إرضاء الشارع وهذا نفس نهج النظام السابق، وأتوقع أن يكون هذا ما تسير عليه هذه الحكومة، وأفتكر أن هذا تخبط والتفاف حول المعارك الحقيقية التي تناولها في المؤتمر الاقتصادي فيما يتعلق بدعم الإنتاج وتغيير العملة ودخول الشركات الحكومية في مجال الإنتاج والاستيراد لضبط الاضطراب الذي سيحدث في السلع الأساسية والتي سترفع عنها الجمارك حالياً والتي ستصبح جماركها مخفضة أو صفرية وبالتالي سيؤثر ذلك على تجار السلع، وأشار إلى أن معظم الحلول موجودة في موقع المؤتمر الاقتصادي وبقدر ما تأخرت الحكومة في تنفيذ توصيات المؤتمر الاقتصادي ستفاقم من مشكلاتها، وأعرب عن أمله في أن تكون الفترة الانتقالية متسقة اجتماعياً واقتصادياً وذات اتساع سياسي. حقنة مخدرة …. وفي هذا الصدد يقول المحلل الاقتصادي والأكاديمي بروفيسور عصام الدين عبد الوهاب بوب: لابد أولاً من تعريف ماذا نقصد بتقديم منحة شهرية قيمتها (10) مليار جنيه لكل العاملين بالدولة، غير خاضعة للضرائب هذه تُخصص النسبة الأعلى فيها للدرجات الأدنى، عدة تساؤلات طرحها بروف بوب هل هي منحة أم علاوة دائمة تضاف للرواتب..؟ وتعجب قائلاً: هذا يعني أنها علاوة غلاء معيشة أي دعم للعاملين، وماذا عن باقي الشعب السوداني..؟ وهل تشكل شريحة العاملين في الدولة القسم الأكبر من الشعب الذي يحتاج لدعم استهلاكه الضروري من السلع، وقال بروف عصام الدين عبر إفادته ل(اليوم التالي) إن المبلغ في حد ذاته لن يكون كبيراً وبالتالي لا يغطي العجز الهائل في حجم الدخل للموظف واحتياجاته اليومية، وأعتبر أن هذا ليس دعماً وإنما حقنة مخدرة تعطيهم المبرر لطباعة مزيد من الأموال وضخها ككتلة نقدية هائلة. مشاريع إنمائية …. بحسب ما يراه المحلل الاقتصادي، محمد النيل، فإن الدولة لديها مصادر دخل متعددة في الداخل وأهمها الجمارك وضرائب القيمة المضافة زائداً على ذلك الأموال الضخمة المستردة عبر لجنة التفكيك من رموز نظام الحكم البائد، ويعتقد عبر حديثه ل(اليوم التالي) أنها أموال طائلة إذا أحسنت الدولة إدارتها ستوفي بالوعود التي أطلقتها الحكومة الحالية بعد الاجتماع الأخير، وأضاف: عادة عندما تتم زيادة المرتبات ينتج عن ذلك زيادة في التضخم، وتابع: إذا لم يلي ذلك زيادة في الإنتاج فلن يكون لتلك فائدة ملموسة على حياة الناس، لكنه يرى أنه من الأفضل ضخ تلك الأموال في إنشاء مشاريع إنمائية تخلق مزيداً من فرص العمل وزيادة الإنتاج التي تسهم في خفض المعاناة المعيشية. اليوم التالي