حلقة بيوت الاشباح مع العميد ركن بحري (معاش) معتصم عبدالله العجب، عكست وجه آخر لضباط قوات الشعب المسلحة، يعكس الانضباط والالتزام والمهنية. إلا ان هذه النماذج المشرفة للاسف تعرضوا للابعاد والاقصاء بعد ان وضعت الجبهة الاسلاموية يدها علي هذه المؤسسة. ولتعيد صياغتها من جديد علي شاكلتها المشوهة، لتخرج امساخ من نوعية البرهان وكباشي وعبدالخالق وياسر العطا وغيرهم من كبار (خبوب) ضباط القوات المسلحة! لدرجة اصبح فيها هؤلاء الضباط المزيفون من الهوان بمكان، ان يقودهم ويتحكم فيهم فاقد عسكري من نسخة آل دقلو، كل مؤهلاتهم هي تجاوز الاعرف والقيم العسكرية عند مواجهتهم الخصوم، اضافة الي استباحتهم البلاد بمواردها ومؤسساتها. اي هم كقادة وقوات همجية اكثر فاعلية في انجاز الاهداف غير الشرعية، وهذا عين ما احتاجه البشير سابقا، ويحتاجه خليفته البرهان راهنا! وحقيقة ما يعرضه ضباط المكون العسكري من مواقف وسلوكيات، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، ان هنالك حاجة ماسة ليس لاعادة هيكلة هذه المؤسسة، ولكن لاعادة صياغتها من الاساس. فهؤلاء الذين تغطي بدلاتهم الرسمية الوسيمة النياشين والاوسمة، ويتصدرون المشهد السلطوي والسياسي والعسكري، اثبتت الاحداث الاخيرة (التلاعب بازمة الشرق، الانقلاب العسكري، الخلايا الارهابية) انهم لا يمتون للوطن ولا الرجولة ولا الانسانية بصلة. فهؤلاء ومن اجل فرض سيطرتهم علي البلاد، بعد فشل مخطط فض الاعتصام الاجرامي، يسعون الآن لنشر الفوضي في البلاد، بتعريض امنها للخطر واقتصادها للانهيار والفترة الانتقالية لازمات تهدد بقاءها. والاسوأ من ذلك ان البرهان وشلته يلعبون بالنار، وعلي الاخص البرهان الذي يستغل مؤسسة الجيش لتمرير اهدافه السياسية، وهو يوظفها في تصفية حسابه مع شركاء الفترة الانتقالية، عبر ارسال كل رسائله السياسية الكيدية من منصة لقاءته مع ضباطها، وفي شؤون لا تمت للمؤسسة بصلة، وحتي اذا افترضنا ان هنالك صلة فوزير الدفاع هو الاقرب للعب هذا الدور! واذا جاز له ان يقدم خطاب سياسي مخالف لشركاءه، فقنوات السياسة هي الاولي. ولم يكتفِ البرهان بذلك، ولكنه من جانب آخر يرسل رسائل ذات تهديد مبطن للمؤسسة العسكرية وضباطها، من خلال دعمه وتاييده واستغلاله لقوات الدعم السريع وقائدها حميدتي! وهو ذات الامر الذي ينطبق علي سيطرته علي جهاز المخابرات واصراره علي امتلاكه نفوذ امني وعسكري! وبل لم يتورع عن السماح للحركات المسلحة بادخال قواتها للعاصمة، لتصبح تحت طوعه ورقابته، غض النظر عن خطورة ذلك علي سلامة المواطنين! اي البرهان شأنه شان البشير يصنع التناقضات بغرض الاستفادة منها، ولكن ما فات علي البرهان ان البشير كان اكثر منه شطارة في هذا الجانب، ولكنه خسر الرهان! ومع الغرور الذي يتملك البرهان بسبب قصور وعيه وتضخم وهمه، وبسبب تغوله علي معظم السلطات من غير وجه حق، اصبح يشعر وكأنه الحاكم بامره، ليعلن بكل عنجهية وجهل، انه وصي علي البلاد عبر آلية المؤسسة العسكرية ومساعدة الدعم السريع وجهاز الامن والشرطة، وانه سيسلم البلاد لحكومة منتخبة، تعيد انتاج السيساوية في شخصه، وان تتطلب ذلك تغيير قوانين اللعبة، وبما فيها الالتفاف علي الوثيقة الدستورية التي يفترض انها حاكمة للفترة الانتقالية، وذلك عبر تزوير الشركاء، واجبار حمدوك علي قبول الامر الواقع، بعد فرض الحصار الاقتصادي وتبعاته علي حكومته والبلاد ككل. والحال، ان البرهان وهو يحاول ارتداء اكثر من قبعة، اصبح يقع في تناقضات مضحكة تثير السخرية والرثاء، علي فقر مخططاته التآمرية وقدراته القيادية، قبل ان تفضح نواياه وما يضمره لهذه البلاد من ترتيب فوضي تفضي لاستبداد مستدام! ولذلك فهو يلعب علي كل الحبال، حيث يستغل منصبه العسكري سياسيا والسياسي عسكريا، من اجل فرض مسار واحد للدولة السودانية يتحكم فيه بصورة استبدادية، مع توافر حاضنة مدنية مطيعة، لتحسين مظهره داخليا وواجهته خارجيا. وللاسف من يانسنون في نفسهم الكفاءة كتنظيمات وافراد، للعب هكذا دور قذر، متوافرون وجاهزون لتقديم الخدمات، كنماذج مبارك المهدي والتوم هجو ومني اركو مناوي ومسار، وباختصار كل من ينتمي للحرية والتغيير النسخة المزيفة. المهم، البرهان يكرس جهده للحلول محل البشير، ولكن بشخصية اكثر رداءة، ولذا استغل منصبه السياسي لتعطيل ترسيخ تجربة سياسية ناضجة قادرة علي تاسيس دولة حديثة ومن ثمًّ وضعها علي الطريق الصحيح! ويستغل منصبه العسكري لقطع الطريق علي بناء مؤسسة عسكرية احترافية بعقيدة وطنية. ويتعمد التعدي علي حقوق المكون المدني لاظهاره بمظهر العجز والضعف، بما ينسحب علي صورة الحكومة والدولة المدنية، كهدف استراتيجي تسعي له الثورة والثوار. ولكن المؤكد ان شخصية متعددة الاوجه والمواقف والالسن مثل البرهان، ما كان لها ان تجد كل هذه المساحة لتتحرك فيها، لو لم تجد مكون مدني متهافت علي السلطة، وشخصية كرئيس الوزراء تفتقر للخبرة السياسية، وتتعامل مع المنصب السياسي، كعلة اقتصادية يتوفر لها حل في نموذج محدد من الخيارات، وكذلك قوي اقليمية داعمة للثورات المضادة، وبقايا نظام تهدد الثورة كل مكتسباتهم المغتصبة. وما يجب التاكيد عليه منعا ل(اللبس) والاصطياد في الماء العكر وفتح بازار المزايدات، انه ليس هنالك اشكالية للمدنيين مع العسكريين، او تضارب بين المدنية والمؤسسة العسكرية، بل هي محط فخر طالما التزمت حدود دورها المرسوم، ولكن المشكلة يصنعها من يختطف هذه المؤسسة، من بين قادتها، ويحرفها عن مهامها، بتوريطها في شؤون السلطة وامور السياسة، وما يعقب ذلك من خسران يطال السلطة والسياسة والدولة، وقبل ذلك القوات المسلحة نفسها، من اضرار معنوية ومادية يصعب جبرها. واخيرا افضل خيار للحل ان تنحاز المؤسسة العسكرية للثورة وشبابها، وتقوم بعزل قيادتها ومحاسبتهم عسيرا علي مرمطتهم سمعة المؤسسة العسكرية وسمعة البلاد، وان تؤدي دورها المنصوص عليه دستوريا، وان تلتزم استنكار اي انقلاب باسم القوات المسلحة، وتصحيح اي خطأ ينحو في ذات الاتجاه. وهو ما اكد عليه احد ضباطها المحترمين، الذي رد الاعتبار للمؤسسة وضباطها، وفرض الاحترام علي كل وطني غيور علي شعبه وقواته المسلحة، وهو الضابط معتصم عبدالله العجب في الحوار المذكور اعلاه. ودمتم في رعاية الله.