إياك أن تعتقد بأن هنالك سياسي مجرد من ذاتيه ويعمل فقط لمصلحة المواطن، وهذا بالفهم السياسي الصحيح لا يقدح في نزاهة السياسي، ذلك لأن السياسة هي وظيفته التي يأكل منها عيش والتي يحقق فيها ذاتيته وشخصيته، تماماً كالطبيب الذي يأكل من مهنة الطب ويعيش عليها، وكالصحفي الذي يأكل من كتاباته وتحليلاته واطلالاته في الشاشات الفضائية! السياسي الذي يدعي التجرد التام عن أي مصلحة ذاتية هو سياسي منافق، وإن شئت الدقة هو حرامي أو على أحسن تقدير مشروع حرامي، لان السياسي لا يكون سياسي إلا إذا وظّٓف كل نشاطه السياسي ليخدم مستقبله السياسي، وهنا تكمن المفارقة والخدعة! كذلك المواطن، فالمواطن لا يكون مواطناً صالحاً إلا إذا طالب بكافة حقوقه وقام بأداء واجباته، فالمواطن بطبيعة الحال لا يقوم بواجباته إلا إذا حصل على حقوقه! المواطنة في نهاية الأمر هي (حزمة حقوق) تقابلها (حزمة واجبات)! المواطن الذي يتنازل عن حقوقه هو مواطن فاسد، وإن قام بأداء كافة واجباته، لأن من يرضى بالظلم فهو ظالم لنفسه ولغيره بإسهامه في خلق ثقافة الظلم، ولا عزاء للسذج! كلما احتد النزاع والصراع بين المواطن والسياسي وكلما انخفضت معدلات الثقة بينهما، كلما عرف كل طرف حقوقه وواجباته وتمسك بها، وكلما تحسنت أوضاع البلاد بالمحصلة! والعكس صحيح كلما ارتفعت معدلات الثقة بين المواطن والسياسي كلما تدهورت أوضاع البلاد، لذلك اقتضت الحكمة في الدول المتقدمة على منع السياسي بحكم الدستور من استخدام الدين شعاراً للترويج لاجندته، لان في ذلك اضفاء قداسة زائفة على السياسي، وبالتالي فتح باب الفساد على مصراعيه! الدولة ببساطة هي: أعطني حقوقي وإلا خرجت إلى الشارع أو حملت السلاح أو بحثت عن وطن آخر! هذا ليس تشاؤم بقدر ما هو دعوة للتفاؤل ومحاولة للاسهام في بناء دلة على أسس موضوعية وعقلانية سليمة بعيداً عن العاطفة والبكائيات التي لن تبني دولة!