لقد استبشرنا خيرا بقيام مجمع الفقه الإسلامي بالسودان ليعالج لنا ما يجد من قضايا، بدلا من أن نلتمس الحلول عند الآخرين. وكنا نأمل أن تكون هذه المؤسسة الفتية المثل والقدوة في المؤسسية الإسلامية وحسن الإدارة، ولكن ما أن تقبل تباشير رمضان حتى نرى عجبا، ومثل ذلك البيان الذي حملته الصحف عن تحري رؤية هلال رمضان التي قررت إدارة المجمع أنها ستكون يوم الثلاثاء. وتقرأ البيان فتتوه في البيداء، إذ أنه بعد أن أقرَّ «وتدل الحسابات الفلكية الدقيقة بأن رؤية الهلال في ذلك اليوم ستكون غير ممكنة بالعين المجردة أو باستخدام التلسكوب في جميع أجزاء قارتي آسيا واوربا ومعظم أجزاء إفريقيا»، وبدلا من أن يجيب البيان أنه بناءً على هذه الحقيقة فلن يرى الهلال إلا مساء الأربعاء، يسوح البيان في أرجاء الأرض من المغرب غربا إلى باكستان شرقا وعمان جنوبا، ثم يفاجئك بأنه سيتم تحري الرؤية يوم الثلاثاء. وهذا التوهان في البيداء أحسبه مقصودا لكيلا ينتبه القارئ الى أن هذا مخالف لقرارات مجلس المجمع وخروج على المؤسسية. أليس من المدهش أن أول البيان يقول إن الرؤية مستحيلة يوم الثلاثاء وآخره يقول إن المجمع سيتحرى الرؤية يوم الثلاثاء، علما بأن مجلس المجمع في اجتماعه الثاني عشر المنعقد مساء الثلاثاء 22 شعبان 1420 الموافق 30 سبتمبر 1999 أصدر القرار 1«12/21» وتم نشره في العدد الأول لمجلة المجمع عام 1422ه والذي ورد في فقرتيه الثالثة والرابعة ما يلي: 3 في حالة عدم إمكان الرؤية وفق الحساب الفلكي فلا يدعى المسلمون لتحريها، وينبغي على اللجان المعنية بإثبات الرؤية ألا تجتمع ابتداءً لاستقبال أية شهادة أو أخبار عنها. 4 إذا أعلنت دولة ثبوت الرؤية بشهادة وكان الحساب ينفي إمكان الرؤية في تلك الليلة لاستحالته فلكيا، فإن ذلك الإعلان مردود وتلك الشهادة لا تعتمد. وهذا القرار حسب علمي مازال ساري المفعول ولم ينقضه مجلس المجمع في أي اجتماع لاحق، أليست دعوة إدارة المجمع لتحري رؤية الهلال يوم الثلاثاء خروجاً على الفقرة الثالثة من هذا القرار؟ إن ما حصل هذا العام ليس استثناءً، وإنما هو ما درجت عليه إدارة المجمع وبإصرار غريب حتى وإن خالفت الرؤية المزعومة الحقائق الكونية التي ترى بالعين المجردة، ففي 3 أكتوبر 2005م كان هناك كسوف كلي للشمس سمي كسوف السودان لأن أطول فترة للكسوف كانت في السودان، ونقلت وسائل الإعلام للعالم كله القمر وهو يجتاز قرص الشمس في الواحدة والنصف منتصف النهار، ورغم ذلك قبلت إدارة المجمع مزاعم من قال إنه رأى الهلال مساء وأعلنت 6 أكتوبر أول أيام رمضان؟أليس هذا كفر بنعمة العقل إن لم نقل إنه استهتار بفريضة الصوم؟ والآن يكرر نفس الخطأ فالحسابات الفلكية تحدد وقت الاقتران بأنه في الساعة الواحدة وتسع وعشرين دقيقة ظهر الأربعاء 8 سبتمبر، مما يعني استحالة رؤية الهلال مساء الأربعاء، وهذه معلومة نُشرت في الصحف السودانية، ورغم ذلك يعلن المجمع أنه سيتحرى الرؤية مساء الأربعاء؟ أحسب أنه آن الأوان لوضع حد لتجاوز إدارة المجمع لقرارات مجلسه، ونحتاج لقرارات «رمضانية» تعيد الأمر لمجراه الصحيح؟واتوجه بنداء إلى السيد رئيس الجمهورية المسؤول شرعاً عن مسلمي السودان إن كانت إدارة المجمع تبوء كل عام بإثم أن يصوم أهل السودان يوماً من شعبان زوراً بأنه يوم من رمضان وأن يفطر أهل السودان يوماً من رمضان بأنه أول يوم من شوال، فنربأ بالرئيس أن يشاركهم ذلك الوزر، ونلتمس أن يتخذ لنا القرار الحاسم بأن تمتثل إدارة المجمع لقرارات مجلسه، أو أن يولي علينا في المجمع مَنْ يمتثل للمؤسسية؟ ألا هل بلغت اللهم فاشهد.