شهدت مقابر فاروق بالخرطوم قبل أيام جمعا كبيرا من المشيعين جاء لوداع الراحل فتح الرحمن ابراهيم شيلا المعروف ب (فتحي شيلا) وكان ذلك الجمع الذي كانت فيه الدولة وحزبها الوطني برموزها وطائفة الختمية بطقوسها ومراسمها ومن رافقوا الراحل في رحلته السياسية الاتحادية والنقابية التربوية وآخرون كثر دليلا على ان الراحل العزيز قد ترك علامات على الطريق.. وهي علامات خير وصدق وحسن ادراك وعمل في مرحلة حياتية لم تخلُ من الصعوبات والتحديات. عند قبره وهو يودع في مثواه الاخير عصر ذلك اليوم وعند طي صيوان مأتمه بداره قيل عنه الكثير من الشهادات والاعتراف له بحسن الاداء والخلو والعشرة مع الانحياز لما كان يراه وانتهت به اليه تجربته في العمل السياسي. شيلا كان عضوا بارزا في الحزب الاتحادي الديمقراطي ومقربا من زعيمه الميرغني الكبير وكذلك في التجمع الوطني الديمقراطي الكيان الحزبي المعارض في الخارج ولكن حضوره الى الداخل في عام 2003م مع السيد احمد الميرغني الذي كانت له مواقف مبدئية وطنية تختلف عن مواقف التجمع المعارض.. وكان يقول ان موقعه كرئيس مجلس سيادة في وقت سابق يخرجه من الدائرة الحزبية ومواقفها الضيقة، جعل من قرار شيلا بالعودة قرارا حكيما حزبيا وطائفيا ووطنيا اذ هو لم يكن وحده من مشى على ذلك الطريق وانما الميرغني الشقيق ونائب زعيم الحزب ومن ثم لم يصبه أذىً. وجاءت التطورات الاخرى في مسيرة الراحل فتحي شيلا ومن اكثرها بريقا ولمعانا كان انضمامه الى الحزب الحاكم وممارسته دورا كبيرا فيه دليلا وشاهدا آخر على ان شيلا كان صاحب قراره ويفعل ذلك بصدقية وحسن نية بعيدا عن الخصومات والحساسيات بين الرموز الحزبية وهي كثيرة ولها حضورها ووجودها في الساحة السياسية السودانية. فالراحل فتحي - رحمه الله - عندما جاء الى المؤتمر الوطني والدولة بمختلف مؤسساتها بما فيها المجلس الوطني (البرلمان) كما ذكر رئيسه الاستاذ احمد ابراهيم الطاهر في تأبينه للفقيد ذلك المساء، جاء بكل خبرته السياسية والادارية والحزبية وغيرها.. وقد تجلى ذلك - كما قال الاستاذ احمد ابراهيم الطاهر وهو مسئول كبير في حزب المؤتمر الوطني - في عمل شيلا ودعمه ودفعه لمرشح الحزب لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2010 الرئيس البشير وذلك في الوقت الذي كان فيه لحزبه السابق مرشحه للرئاسة وهو السيد حاتم السر الذي بكى على الراحل وابنه هو الآخر..! لقد انتقل شيلا الى الوطني بكلياته.. غير ان حسن سلوكه ومعاملته مع زملائه السابقين في الطائفة والحزب (الأصل) جعلت هؤلاء يخفُون لوداعه الاخير ويذكرون فضائله ويتلون على قبره ما يقولون ويفعلون في مثل تلك المناسبات والاحوال .. بل ان من يمثلون السيد زعيم الطائفة والحزب قد كانوا حاضرين اسوة بغيرهم كما قلنا.. وفي مقدمتهم السيد رئيس الجمهورية ونائبه الاول وغيرهما. ورب قائل: ان الحزب والطائفة قد لحقا بالراحل شيلا متفاهمين ومتعاونين سياسيا وتنفيذيا مع الدولة وحزبهما ما يسر المهمة - اي مهمة وداع شيلا على النحو الذي تم.. غير انه وفي الحالين يظل قرار الراحل فتحي شيلا بالعودة مع السيد احمد الميرغني وانضمامه لحزب المؤتمر الوطني بعد ذلك في غاية الحكمة و بعد النظر والشجاعة والانحياز للمصلحة العامة قبل الخاصة والحزبية. ألا رحم الله الراحل فتحي ابراهيم شيلا وعزى اهله ووطنه وعارفي فضله فيه.. فقد رحل وترك خلفه علاماتٍ على الطريق يتعين الوقوف عندها.. وهي كثيرة..