٭ في شمال مكة.. غار في قمة جبل.. بعيد من الناس بعيد عن الضوضاء والضجيج، جبل حراء هو أفضل مكان للخلوة والتأمل والتفكر. ٭ إلى ذلك الغار القائم على قمة الجبل كان محمد بن عبد الله يذهب كلما مر الحول وجاء رمضان.. يذهب منقطعاً للتفكير والتأمل، مكتفياً بالقليل من الطعام والشراب.. باحثاً عن الحق وحده.. لأن الذي كان يراه في حياة مكة كل يوم ليس هو الحق الذي يبحث عنه. ٭ وتمر أعوام ومحمد بن عبد الله يذهب إلى غار حراء يتفكر بتأمل فتمتلئ نفسه بالحق وتزداد امتلاءً حتى بلغ الاربعين من عمره. ٭ وأذن الله لشمس الاسلام أن تشرق ولتاريخه الطويل أن يبدأ، وكانت نقطة البداية من رمضان. ٭ كان محمد بن عبد الله في الغار وقد اخذته موجة نعاس، ولكنه أحس بمن يوقظه ويناديه.. اقرأ.. وكانت اجابته ما أنا بقارئ، فأخذه جبريل وضمه إليه بقوة ثم قال له اقرأ للمرة الثانية.. قال له ما أنا بقارئ فيأخذه جبريل ويضمه اليه ثالثة حتى كاد يخنقه قائلاً: اقرأ.. قال محمد بن عبد الله وقد خشى تكرار الضم وماذا اقرأ؟ وتتنزل آيات الله الكريمة قرآناً عظيماً: «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم». ٭ وفي رمضان بدأت لحظة الميلاد الاولى لعقيدة ملأت الدنيا حقاً وعدلاً وسلاماً.. بدأت بشعار اقرأ، اليست القراءة هي الوسيلة الاولى للعلم الذي يدعو للايمان. ٭ رمضان المفردة.. تعني الرمض وهي شدة حرارة الشمس، والرمضاء هي الحرارة الشديدة، ويضرب المثل بالقول كالمستجير من الرمضاء بالنار في حالة الخيبة المركبة. ٭ يقال إن العرب عندما أرادوا تسمية الشهور.. سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر في ذلك الحين الحر الشديد فسمى رمضان.. وأخذ رمضان ترتيبه بين الشهور القمرية التي يختلف موقعها صيفاً وشتاءً تبعاً لدوران السنة الشمسية، فيتخلف موقعه من فصول العام ولكنه ظل محتفظاً بالاسم حتى وإن جاء في الشتاء. ٭ ويظل شهر التفكر والتأمل.. والتفكر والتأمل يدعوان الى الزهد الذي من صوره الصيام فيرتمض جوف الصائمين من حرارة الجوع والعطش، كما ترتمض رمال الصحراء من حرارة الشمس، ويتأمل الصائمون الزهاد حال الجوعى والعطشى لتتسع دائرة الرحمة. ٭ في هذا الشهر العظيم الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس.. هلا استشعرنا معانيه واصطحبنا قصته وسمونا بالتفكير في أمر إدارة شؤون الناس، وعملنا على إخماد تلك الرمضاء الحارقة التي ترمض في جوف الجائعين والعطشى على مدى أيام الحول. ٭ علينا أن نخلق من هذا الشهر العظيم محطة ذات أنوار حمراء من أجل الإحساس بالآخرين، وكل عام وأنتم بخير والوطن تغمره الكفاية ويسوده العدل. هذا مع تحياتي وشكري.