٭ في أمسية حزينة من أماسي أغسطس 1891م رحل الشاعر المصري صلاح عبد الصبور في هدوء وسرعة، ومع دموع قراء شعره ومشاهدي مسرحياته اختلطت همسات هنا وهناك.. بأن صلاح قتلته كلمة.. كلمة قالها أحد أصدقائه في تلك الأمسية اللعينة. ٭ الهمسات كانت ترقد على شيء من الحقيقة، فمثل صلاح عبد الصبور تقتله الكلمة، فهو لم يكن شاعراً وحسب وإنما كان شاعراً وصاحب فلسفة وصاحب قضية. ٭ كتب في كتابه «حياتي في الشعر» عن الفلسفة «حين قال سقراط اعرف نفسك تحول مسار الإنسانية، إذ سعى هذا الفيلسوف الى تفتيت الذرة الكونية الكبرى المسماه بالإنسان الذي يتكون من تناغم احدها ما نسميه بالمجتمع ومن حركتها ما نطلق عليه اسم التاريخ ومن لحظات نشوتها ما نعرفه بالفن. ٭ ونذر صلاح عبد الصبور نفسه لخدمة هذه الذرة الكونية (الانسان) بهذا الفهم الفلسفي.. وعن لحظات نشوة الانسان ارتاد عوالم جديدة في التعبير وقاد معركة الشعر الحديث نثراً وشعراً. ٭ أهتم صلاح عبد الصبور بالكلمة والانسان والمعرفة والموت وغاص في حياة الفلاسفة والمتصوفة كثيراً واثبت محطات الغوص هذه في كتابه (حياتي في الشعر) وضح كيف بدأ كتابة الشعر وكيف جاءت بداياته مع الرمز والسريالية.. (وكتبت بضعة موضوعات سريالية وصلت بها بين المحاضرة والمحاضرة الى صديقي القديم فاروق خورشيد الذي كان يتقدمني بصف دراسي ثم اصابني اليأس من هذه اللعبة فكففت عن الشعر) وقال انه حاول القصة وعاد للشعر مرة أخرى عام 1591 محاولاً الانعتاق من القافية الموحدة والوزن الموحد وجاءت القصيدة انعتاق: رباه ما هذه الليلة الباردة نجومها آفلة جامدة وريحها معولة شاردة اسير في طريقي قفر من الرفيق الوك لحن لوعة ممزق العروق ٭ ويقول صلاح عبد الصبور عن قصيدة انعتاق..( كانت صرخة غاضبة بائسة تعبر عن فجيعتي في كل ما أدخرته أو املته من زاد ورؤى وتشوق الى أفق جديد.. ما هو هذا الافق الجديد؟ لست ادري.. توقفت المرحلة التي انتجت فيها ديواني الاول (الناس في بلادي) كنت في ذاك الوقت قد تخرجت في الجامعة وعملت وأصبت رزقاً من بطاقات المعاشات والمرتبات وبدأت أخبر الحياة بحق وسألت نفسي عندئذ أسئلة كان علىَّ أن أعرف اجابتها أو أكف عن الشعر. 1/ ما جدوى الحياة؟ 2/ ما جدوى الحب؟ 3/ ما جدوى الفن؟ ٭ قال في احدى الاجابات على السؤال الثالث والتي شكلت موقفه من الابداع ومن الكلمة.. ألم يقل جل جلالها الكلمة قال ( ان الفنانين والفئرات هم أكثر الكائنات إستشعاراً للخطر ولكن الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتلقي بنفسها في البحر هرباً من السفينة الغارقة، أما الفنانون يظلون يقرعون الاجراس ويصرخون بملء الفم حتى ينقذوا السفينة أو يغرقوا معها).. رحم الله صلاح عبد الصبور. أواصل مع تحياتي وشكري