الخرطوم: محمد صديق أحمد: مازال الأمل معقوداً على تبوؤ السودان لمكانه الطليعي في الإنتاج الزراعي بشقيه عبر تسخير كم الموارد الطبيعية والبشرية التي يتمتع بها وقل اجتماعها في بلد واحد، الأمر الذي حدا بالجميع لترشيحه لأن يكون سلة غذاء العالم، بيد أن واقع الحال الزراعي بالسودان ينأى عن تلكم المقولة أميالا وأميالاً رغم أنف الجهود المتتالية التي ظلت تبذلها الحكومة في سبيل تحقيق ذلكم الهدف السامي، حيث بدأت بالبرنامج الثلاثي للاقتصاد السوداني مطلع تسعينيات القرن الماضي الذي أصبح عشريا وربع قرني، ومن ثم جاءت النفرة الزراعية بلونيها الأخضر والأبيض، ولم يجن منها الناس شيئاً، ليظهر إلى حيز الوجود البرنامج التنفيذي للنهضة الزراعية الذي انطلقت مسيرته في عام 2007م، والذي باعتراف والجين في القطاع الزراعي أن وثيقة البرنامج من حيث النظرية لا غبار ولا مأخذ عليها، بل ان بعض المزارعين أقر بشهود بعض الإنجازات للمشروع. لاسيما على صعيد تأسيس البنى التحتية كما هو الحال في ولاية القضارف أكبر رقاع الزراعة المطرية بشقيها التقليدي والآلي. فبإجماع زمرة المستطلعين بواسطة «الصحافة» من مسؤولي الاتحادات الزراعية أبانوا أن النهضة الزراعية في حالة موات سريري الآن، وطالبوا بمراجعة أدائها وإعادة النظر في تطبيقها حتى يتسنى الوصول إلى الهدف المنشود بارتقاء السودان لمكانه الطليعي في الإنتاج الزراعي، حيث بدأت بعض الإشراقات التي كشفت عن امتدادات للرقعة الزراعية بالبلاد بواسطة رؤوس أموال أجنبية بحسب وزير الزراعة الاتحادي الدكتور عبد الحليم المتعافي الذي بشر أمس الأول بوصول ما يربو عن «850» مليون دولار للاستثمار الزراعي بالبلاد من دول صديقة وشقيقة منها مشروع بالقرب من الدبة بالولاية الشمالية بمقدار «100» مليون دولار، ومشروع بنهر النيل بتمويل لبناني بأكثر من «200» مليون دولار، وآخر بغرب أم درمان ب «22» مليون دولار، بجانب دخول الصين لزراعة خمسة آلاف فدان بمشروع الرهد، علاوة على إقامة القطريين مشروعاً زراعيا بنمرة «10» بالقرب من أبو حمد بتكلفة «220» مليون دولار، والأتراك بواقع «200» مليون دولار، بالإضافة لمشروع سعودي لإنتاج الأعلاف بحلفا الجديدة وولاية شمال كردفان. وأوضح المتعافي أن السودان موعود بزيادة في الإنتاج الرأسي في الزيوت والذرة الرفيعة والأعلاف والفول المصري فبعد كل هذه الجهود هل تفلح الدولة في إعداد خطوات تنظيم لبرنامج النهضة الزراعية الذي محضته دفعاً سياسياً ومالياً كبيراً، أم ستترك أمرها على ما هي عليه؟ يقول نائب رئيس اتحاد مزارعي القضارف عبد المجيد علي التوم إن مشروع النهضة الزراعية قدم كثيراً من الإنجازات في بداياته حيث أسهم في تأسيس الطرق الزراعية وتوفير المعينات الزراعية، لاسيما على صعيد التقانة والمبيدات، بيد أنها لم تقو على مواصلة المسيرة بذات نفس البداية، فانهارت الردميات والمزلقانات التي أنشأتها حيث كان يتوجب تعهدها بالصيانة والمراقبة، وهذا ما لم يحدث بحسب عبد المجيد الذي أوضح أن كثرة الضغط عليها من قبل الآليات عجلت بانهيارها وافتقادها فعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل تأسيسها، الأمر الذي ينم عن ضياع الجهد المادي و المالي الذي بذل في تأسيس الردميات والمزلقانات سدًى، وواصل عبد المجيد قائلاً: الآن توقف العمل تماماً من قبل النهضة الزراعية، ومزارعو القضارف يعانون الأمرين في سبيل الحصول على مبيدات الحشائش التي صارت في عداد العدم، وإن وجدت فأسعارها مرتفعة لا قبل للغالبية العظمى من المزارعين بمقابلة تكاليفها حيث وصل سعر برميل المبيد (24D) عشرة آلاف جنيه. وعن الموسم الزراعي وسيره يقول عبد المجيد: بالرغم من تباشير الإنتاج برقعة كبيرة من أراضي القضارف إلا أن ثمة مناطق خرجت تماماً من دائرة الإنتاج بالمنطقة الغربية في المقرح وحريرة وأبو جناح جراء تأثرها بقلة الأمطار، وأعرب عن تخوف جموع مزارعي القضارف من رفع الدعم عن المحروقات، وطالب بأن تعامل محروقات القطاع الزراعي بصفة خاصة. وعلى صعيد الاتحاد العام لمزارعي السودان يقول نائب رئيسه غريق كمبال إن برنامج النهضة الزراعية كوثيقة ممتاز جداً وسكب واضعوها عصارة فكرهم فيها ليكون على يديها المخرج من الأزمة الزراعية، بيد أنها كممارسة - والحديث لغريق - الآن في حالة موت سريري وليس لها أي دور في تقديرهم، ويضيف قائلاً: من الأجدر بالدولة حلها والاستعاضة عنها بأية آلية أخرى تتبنى تنفيذ وثيقتها جيدة الطبخ ، وأضاف غريق أن الإشكالية في الكادر البشري المنفذ لبرنامج النهضة الزراعية. وعن الموسم الزراعي يقول غريق حتى الآن ما زالت الأمطار تواصل الهطول بالقطاع المطري بصورة جيدة حيث تمكن المزارعون من توسيع رقعة الزراعة قبل أن يكشف عن فجوة في توفير المبيدات الزراعية الأمر الذي قاد إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، وزاد أن كثيرا من المزارعين وجدوا أنفسهم مضطرين للجوء لأساليب تمويل مجحفة من شاكلة الكسر والكفتلي اللذين أضحيا صيغا للتمويل المضر بالمنتجين الزراعيين حيث تمثل أقصر الطرق للوقوع تحت مصيدة الإعسار الزراعي وختم بأن الوضع في القطاع المروي حتى الآن أفضل حالا من القطاع المطري . وعلى صعيد الخبراء يقول البروفيسور عصام بوب إن مشروع النهضة الزراعية شعار أخضر كبير رفعته الدولة ووفرت له الدعم السياسي والمالي اللازم لتنفيذه بغية تحقيق أهدافه المنشودة وأنه بحسب الإستراتيجية القومية الشاملة كان من المفترض أن يتبوأ القطاع الزراعي المقام الأول بين القطاعات الاقتصادية الأخرى من واقع الإمكانيات والموارد المتاحة غير أنه اختفى أي أثر للقطاع الزراعي فعوضا عن تقدمه وازدهاره رجع القهقرى بالرغم من توالي إصدار القرارات وابتداع البرامج الإسعافية حيث جاءت النهضة الزراعية على قفا النفرة الزراعية بلونيها الخضراء والبيضاء التي لم يجن منهما الشعب شيئا يذكر ولم تكن محصلة النهضة أفضل حالا من سابقتيها، حيث واصل القطاع الزراعي التداعي فتراجعت عجلة الإنتاج وخرجت بؤر كبيرة من دائرة النشاط الزراعي بسبب ضعف السياسات وقلة الإمكانيات التي لم تقو النهضة الزراعية على توفيرها ، الأمر الذي قاد إلى اتساع الحاجة للاستيراد لسد فجوة الاستهلاك المحلي من المنتجات الزراعية الأساسية التي يفترض أن يكون للسودان اليد الطولى في مد غيره بها بعد تحقيق اكتفائه الذاتي منها ، ويواصل بوب فعوضا عن استيراد السلع الغذائية الكمالية أو غير الضرورية بات السودان يستورد سلعا رئيسة في ظل النهضة الزراعية على رأس تلك السلع القمح الذي اقتطع مساحة مقدرة من تلك التي كانت تشغلها الذرة. ويواصل بوب بأنه لا يلوح في الأفق مؤشر لاحتمال تناقص قلة المستورد من الإنتاج الزراعي رغم التصريحات الكثيرة التي تملأ الأجهزة الإعلامية والأسافير ، غير أن الحقيقة الناصعة التي لا مراء فيها أن القطاع الزراعي في حالة تدهور مستمر. وختم بوب إفادته إلينا بألا معلومات واضحة عن حجم الأموال التي تم صرفها في تنفيذ برنامجي النفرة والنهضة غير أن المؤكد أنها أموال طائلة إن أحسن استغلالها بالصورة المثلى لساهمت في إعادة ماء الحياة للقطاع الزراعي الذي سيظل العمود الفقري للاقتصاد السوداني رغم أنف تدفق النفط واستخراج الذهب . يذكر أن الأمين العام للنهضة الزراعية عبد الجبار حسين ذكر عقب مرور ثلاث سنوات على انطلاقة البرنامج أن الحكومة خصصت ما يناهز الخمسة مليارات من الجنيهات وتحديدا 4.8 مليون جنيه.