صباح يوم الثلاثاء الماضي أول ايام عيد الأضحي المبارك رحل عن دنيانا علم من أعلام الحركة الإسلامية بالسودان وأول أمين عام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان الأستاذ محمد خير عبد القادر الذي رحل في صمت بعد حياة حافلة بالعطاء في العمل العام فكريا وثقافيا وتنظيميا. تولى الفقيد منصب أول أمين عام لجماعة الإخوان المسلمين بعد مؤتمر العيد الشهير في العام 1954م، ولعل من لطائف الموافقات أن يرحل هو نفسه في العيد، وقد كان المؤتمر لحظة فارقة في مسار الحركة الإسلامية الوليدة آنذاك في السودان، فقد نشأت الحركة الإسلامية في اربعينيات القرن الماضي بمدرسة حنتوب الثانوية علي يد مجموعة من الطلاب الأفذاذ برئاسة المرحوم بابكر كرار، ولكنها لم تكن تعمل باسم الإخوان المسلمين، بل كانت تتسمى باسم حركة التحرير الإسلامي، وقد ذكر بعض رواد تلك الفترة أن الشيوعيين هم من أطلق عليهم اسم الإخوان المسلمين، ولكن حركة التحرير الإسلامي بعد ذلك التقت بفكر الإمام حسن البنا وكتابات سيد قطب والمودودي وعرفت منهج الإخوان المسلمين والتزمت به، غير أن مجموعة بابكر كرار كانت تصر على أن هذه المجموعة لا علاقة لها عضويا بجماعة الإخوان المسلمين بمصر، ولذلك فلا داعي لتسميتها بالإخوان المسلمين، وقد أخبرني الدكتور يوسف حسن سعيد وهو من رواد تلك الفترة أن سبب رفض الارتباط العضوي بجماعة الإخوان المسلمين بمصر كان احترازا من ضرب الحركة الوليدة، لأن الجماعة الأم في مصر كانت آنذاك قد بدأت تتلقى الضربات من النظام الناصري، وفي ظل هذا الجدل المحتدم حول تسمية الحركة الوليدة وارتباطها بالحركة الأم قام مؤتمر العيد وتمخض عن الاتفاق على العمل باسم الإخوان المسلمين وانتخاب الأستاذ محمد خير عبد القادر أميناً عاماً. مما حدا بمجموعة بابكر كرار الانسحاب من المؤتمر والجماعة وشكلوا فيما بعد الجماعة الإسلامية التي تحولت فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي، وكان ممن خرج مع بابكر كرار كل من عبد الله زكريا، وعبد الله محمد أحمد، وميرغني النصري.. وآخرون. تولى الأستاذ محمد خير عبد القادر منصب الأمين العام للجماعة وعمره لم يتجاوز الثلاثين عاما، وكذلك كان معظم أعضاء اول أمانة عامة في الجماعة، وكان العمل في عام التأسيس شاقا إذ أسسوا جبهة الدستور الإسلامي كواجهة سياسية للتبشير بالدستور الإسلامي قبيل الاستقلال برئاسة الأستاذ عمر بخيت العوض، وملأ شباب الإخوان المسلمين وجبهة الدستور الإسلامي الساحة نشاطا وحيوية، واستطاعوا أن يجوبوا كل أنحاء السودان تبشيرا بفكرتهم الوليدة آنذاك. غير أن الأستاذ محمد خير عبد القادر لم يستمر في منصبه طويلا إذ سرعان ما استقال بعد عام واحد، ليخلفه الرشيد الطاهر بكر الذي اعتقل أوائل أيام حكم عبود في العام 1959م لاتهامه في التخطيط لانقلاب عسكري ضد عبود، مما يدل على أن التفكير الانقلابي سرى سريعا في جسد الحركة الوليدة، وأعقبه بعد ذلك الدكتور حسن الترابي الذي استطاع أن يخطط انقلابا عسكريا كامل الدسم نجح في استلام السلطة بعد محاولة الرشيد الطاهر بكر بثلاثين عاما بالتمام والكمال. رحم الله الأستاذ محمد خير عبد القادر، فقد كان مهموما بالعمل الفكري والثقافي رغم تركه تنظيميا لجماعة الإخوان المسلمين، وأثرى المكتبة السودانية بعدد من الكتب التاريخية والفكرية، جزاه الله خيرا.