سجل الرئيس التركي أردوغان زيارةً لك، فما هي طبيعة العلاقة التي تجمعكما؟ أولًا، كنتُ أتوقَّع زيارة أردوغان لي، لأني زرتُهُ، قبل شهر ونصف، وحملتُ أخبارًا من السودان بلَّغتها له، وهذه زيارته الثالثة للسودان، وفي الأولى كان أردوغان وقتها عضوًا في حزب الرفاه، وكان ذلك في العام 1988م، والثانية في العام 2006م عندما كان رئيسًا للوزراء، وهذه زيارته الثالثة، ولكن الأولى بصفته رئيسًا للجمهورية، وقد كان لنا فضل كبير في زيارته الأولى، ومنذ أن تعرَّفت عليه تابعتُ عمله وتحركاته في حزب الرفاه، وطلبت من رئيس الحزب وقتها أن يهتمَّ به لأن لهُ مستقبلاً كبيراً، ولم يحدث أن تحدثنا أنا وأردوغان وبيغوفيتش في أمر إلا وكنا مُتَّفقين بنسبة أكبر من 70%. وعندما كنتُ في تركيا كانت لي علاقات بالجماعات الإسلامية والمُتصوِّفة واصطحبت أردوغان وعرفتهُ بهم، وقد تنبَّأت لهُ بأنهُ سيكون رئيسًا للبلدية، وعندما زرتهُ في السجن قلت لهُ: مرحبًا برئيس وزراء تركيا السابق، فقال لي: تضحك عليّ؟ قلت لهُ: لا، وستكون رئيسًا للجمهورية وستكون قائدًا إسلاميًا. وأنا أزور تركيا سنويًا ونطلب المساعدة للسودان. وزيارتهُ الآن هي انعكاس للعلاقة القديمة الطويلة منذ العام 1977م، وكنت صديقًا شخصيًا له، وقد علمت بأنهُ سيزورني قبل ساعتين من حضوره، ولأوَّل مرة أرى الإجراءات الأمنية مُشدَّدة هكذا، وقد قال لي أردوغان "أنت الرجل الثالث في حياة أردوغان"، وتحدَّثنا في كل شيء، عن تركيا، السودان والعالم العربي، ولدينا اتفاقٌ فكريٌّ منذ الخمسينيات. بعد الزيارة، توقعاتك للعلاقة بين البلدين؟ العلاقة بين تركيا والسودان، لم تكن بالمستوى المطلوب، ولكن بعد زيارة أردوغان سيختلف الأمر كثيرًا، وسيحتلُّ السودان مكانةً عاليةً، لأن أردوغان وعد بمساعدات ضخمة، وهذه الأيام تاريخية لنهضة السودان وليتقدَّم ويأخذ مكانهُ المُناسب بين الدول الإسلامية والعربية. لماذا كانت العلاقات دون المستوى؟ لأسباب كثيرة تتعلَّق بقوانين الاستثمار، وقوانين تحويل العملة، ولست مختصًا كثيرًا في هذا الجانب، حتى أُحدِّدَ المُعوِّقات والأسباب. صدرتْ بعض ردود الفعل المناوئة والساخرة من بعض دول الجوار من زيارة أردوغان للسودان، لماذا برأيك؟ بالتأكيد خوفًا، ولتوقعهم بأن السودان سيتغير. سابقًا كان السودان مساندًا، متآخيًا، والآن سيكون ندًا لهذه الدول، وأردوغان قال إن الأموال والأسلحة لا تُحدِّد ولا تُقرِّر مستقبل الشعوب، بل يحدده المنهاج والإيمان الراسخ والنية في التقدُّم، والواقع الآن أن هناك أزمة كما كانت سابقًا في حرب إسرائيل ضد مصر، وعندما تتأزم الأمور والأوضاع في العالم العربي هناك أمل، فالسودان يتصدَّر لحل هذه المشكلات. ما هي طبيعة العلاقة التي جمعت بينك وبيغوفيتش وأردوغان؟ هي صداقة قديمة، ونادرة، واستمرت علاقتي ببيغوفيتش حتى قبل وفاته بثلاث سنوات. بخلاف علاقة الصداقة، ما الذي يجمعكم؟ نحن فكَّرْنا تفكيرًا جماعيًا وكوَّنا تنظيمًا اسمهُ الجماعة الإسلامية، في أواخر العام 1965م، وكان تنظيمًا سريًا للمسلمين، وبعدها سعينا لتأسيس التنظيم لكل دول أوروبا الشرقية، ثم علاقة الحزب، وقد كان أردوغان يأتي في كل مرة إلى سراييفو، وكان يأتينا دعم من الدول الإسلامية وقد أدى دورًا كبيرًا في ترجيح كفَّتنا في قضية البوسنة، وكانت هي القضية الوحيدة التي توافق عليها كل المسلمين ما عدا ثلاثة أشخاص: حسني مبارك، حافظ الأسد، وزين العابدين بن علي. ما دور جمعية الصداقة في تعزيز العلاقات بين البلدين؟ الجمعية قامت بأدوار كبيرة، وينبغي أن يكون هناك دورٌ أكبر من مجلس الصداقة ومن السفارة، وبصورة أفضل مما تتعامل به الآن، ونأمل أن تكون العلاقات قويَّة ومُتحسِّنة، وقد تحدثت من قبل مع الرئيس عمر البشير، والرئيس أردوغان بأننا بحاجة ل(10) ملايين تركي في السودان، صحيح أن هناك بعض العقبات كاستجلاب المواد الأولية لبعض الصناعات؛ لكن الآن سيكون هناك بنكٌ مُشتركٌ بين البلدين يتم التعامل فيه بالجنيه السوداني، والليرة التركية، ولو أن الأتراك دخلوا إلى السودان منذ وقت أطول ما كان لينفصل الجنوب وكان سيتغير تاريخ السودان. لماذا لم يكن لينفصل جنوب السودان؟ لأن الأتراك كانوا سيدخلون في كل الأماكن، والانفصال لم يكن هناك سبب واضح له، إلا كونه تحريضاً من الولاياتالمتحدة، وتم الانفصال عبر تقرير المصير، ولكن مع وجود الأتراك ستكون هناك تنمية في كل مكان. كيف تنظر لدور تركيا في الأزمة الخليجية؟ دخول تركيا لقطر أوقف حرباً واحتلالاً كان يمكن أن يحدث لقطر، مجيء أردوغان حل كثيراً من المشكلات. غابت تركيا لوقتٍ طويل عن الانفتاح تجاه إفريقيا، لماذا؟ العثمانيون دخلوا قارة إفريقيا، وعندما أتى كمال أتاتورك، وهو علماني، قطع تلك العلاقة، والآن تركيا تُعيد هذه العلاقات من جديد، والأتراك يعتقدون أن السودان هو بوابة إفريقيا سواء للتجارة، أو الاقتصاد أو الدين، أو أيّ شيء آخر، وهذا الاعتقاد صحيح. تستأثر التجربة التركية بجاذبية في الجوار الإقليمي، فما هي أسباب نجاحها؟ التجربة التركية قامت على أشياء متعددة، كتوحيد الناس ديمقراطيًا، وتجميعهم على دستور ومبدأ واحد، حاربوا فيه الفساد. ما مدى قابلية استنساخ ها في السودان؟ التجربة التركية قابلة للاستنساخ في السودان وممكنة، ويمكن القول إن السودان أول دولة بحاجة للتجربة التركية، وأوضاع البلدين متشابهة، ووجود تركيا في أوروبا ساعدها على الاستفادة من حضارتها وبدأوا يصنعون ويُصدّرون للدول الأوروبية، والسودان الآن كل الدول المجاورة له بحاجة إليه، وهناك ثماني أو تسع دول مُعتمدة على السودان. كيف تُقيِّم تجربة الحركة الإسلامية في السودان؟ أنا انضممت للحركة الإسلامية في العام 1955م، وتابعت، وقرأت وانضممت لمعظم الحركات العالمية، تابعت الجماعة الإسلامية في الهند، الجماعة الإسلامية في العراق أو الإخوان المسلمين، وفي لبنانوتركيا، ومصر، والحقيقة أن الحركة الإسلامية لا تنقصها المقومات ولا تعوقها الفكرة ولا النظام الأساسي، ولا اللوائح، ينقصها النشاط والتغلب على العقبات، الزمن بطبيعته متحرك بسرعة، لكن طريقة ربطه في الحركات الإسلامية غير مناسبة لذلك تجاوزها العالم. ألا تعتقد أن الحركة أصابها الجمود وعدم التجديد؟ للأسف لا يُوجد تطوُّر وهناك جمود، كانت الحركة الإسلامية أيام أكتوبر ونميري قوية، والآن لا بأس بها، وكان من المفترض أن تكون أفضل بكثير، والحركة الإسلامية لو أُتيحت لها الحرية الكاملة في العمل لنهضت نهوضاً لم يكن ليكون مُتاحًا لأيّ حركة أخرى، وسابقًا كان كل المسؤولين عن الحركات الإسلامية في العالم سودانيِّين، في كلٍّ من أمريكا، كندا، وسط أوروبا، شرق أوروبا، المجر، بلغاريا، باكستان، الصين، الفلبين. هل هناك تواصلٌ بينك وبين الإسلاميين هنا؟ نعم، بالتأكيد هناك تواصل، لكنِّي جئت للسودان بصورة نهائية، كان ذلك في العام 2000م، وكُنتُ مُرهقًا، حرب البوسنة، وقيام الدولة، كنت أنا الأساس فيها. تواريك عن الأنظار كان عائدًا لأسباب صحية؟ نعم أسباب صحية، وأسباب أخرى. يرى البعض أن هناك اختلافَ مرجعيةٍ بين أردوغان والترابي، ما حقيقة ذلك؟ لا ليس صحيحًا، وأردوغان يكنُّ كثيرًا من الحُبِّ والودِّ للترابي، من قبْل الخلاف ووقوع المُفاصلة، وعندما كنتُ أزور أردوغان، وقبل موت الترابي كان يسألني عنه، وعن أسباب الخلاف. أردوغان مرجعيته الترابي إن لم تكن 100% فبدرجة كبيرة، يُضاف لذلك نشأة أردوغان وتخرّجه على يد معلمين وفقهاء في تركيا. الدول التي كانت فاعلة في المشرق العربي، باتت ساحة للصراع الدولي والإقليمي، كيف تنظر لدور السودان في ظلِّ هذه الصراعات؟ السودان هو حجر الزاوية الأساسي في المُتغيّرات التي تحدث، السودان الآن لم ينحَزْ لأيّ جهة ظاهريًا، على الأقل في هذه الصراعات، ومؤسفة هذه الصراعات والأزمات وما نشب أخيرًا بين دول الخليج، والسودان يمتلك المؤهلات لجمع المسلمين والعرب، والداعية الإسلامي السوداني مُفضَّلٌ في كُلِّ الدول الإفريقية، وكثيرٌ من الدول تريد أن تُقلِّدَ السودان، عمومًا السودان لديه القابلية للتحرك في الوقت المُناسب وقد حان دورهُ الآن، وزيارة أردوغان لها معانٍ كثيرة، وسينطلق ليكون لهُ دور كبير في توحيد العالم الإسلامي والقدس.