قد يتبادر إلى ذهن القارئ من قراءة عنوان المقال أن مصطلح"الجفاف العاطفي"يرتبط فقط بالحياة الزوجية، ولكنه أوسع وأشمل..يشمل كل العلاقات الإنسانية..والعلاقات الإنسانية قائمة على كتلة من المشاعر والعواطف-والمكونات الأولية للإنسان عبارة عن جسد وروح تشكلان قناة أساسية للتواصل بين الجنس البشري يؤثر بها ويتأثر. ويمكن تعريف"الجفاف العاطفي"بأنه نقص حاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد؟!!وإحدى المشكلات النفسية والاجتماعية المتفاقمة في المجتمعات. وفي مجتمعنا السوداني عندنا أزمة مفاهيم مجتمعية كثيرة؟!!إحدى هذه الأزمات:"الجفاف العاطفي"نجد في تركيبة المجتمع السوداني صحراء قاحلة من الجفاف العاطفي؟!!عندنا بخل في التعبير عن مشاعرنا تجاه الآخرين..بل حتى في العلاقة الحميمية"الزوجية"لأن مفهوم الزواج عندنا مازال رغم التقدم العلمي والتكنولجي مازال يتم بطريقة كلاسيكية"تقليدية"نمطية؟!يتم لمجرد الزواج"العادي"أي يكون نتيجة لضغوط أو نظرة اجتماعية..خاصة بالنسبة للحلقة الأقوى في هذا الإطار"المرأة"حيث هناك ايضاً أزمة "الهيمنة الذكورية" المجتمعية؟!بالتالي سيعيش فراغا عاطفيا "فراغ روحي"بالتالي يعيش حياة عادية مملة؟!!لذلك طبيعي أن تظل الصحراء الجافة"العاطفية"تمتد وتتمدد..بامتداد تعاقب الأجيال،حبوباتنا وأمهاتنا في الماضي أداروا بيوتهن..بدبلوماسية وصبر ورضاء وسعادة..لكنها كانت سعادة"باردة"محنطة خالية من العواطف؟!! حياة"مجرد تأدية واجبات"باردة العاطفة والمشاعر بين الزوجين..أو أفراد الأسرة؟!! "إلا من رحم ربي". الحب-عاطفة..كلمة حلوة تُعبر عن كل ما هو جميل وممتع..ويجدها كل إنسان في قلبه الطبيعي..فكلمات الحب الهامسة..ولمسات الأبوة الحانية..وقبلات الأم الدافئة..تلعب دوراً فعالاً وملموساً في تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صحية نفسية متوازنة وتكبر معهم هذه الاحاسيس والمشاعر الطيبة وتصبح سلوكهم وديدنهم في كل حياتهم ويكونوا روادا وزعماء في المجتمع. مدى وجود التعبيرعن الحُبّ بين أفراد الأسرة؟هل تُعبرعن الحُبّ/لزوجتك/زوجك/أولادكم لا نختلف أن الحب موجود،ولكن التعبير عنه مفقود؟!!والسؤال المحوري:هل التعبير عن الحب واقع ملموس بين الزوجين.. وبين أفراد الأسرة ككل؟!"أين الاحتضان، القبلات، الهمس الاحتواء، لو سمحت،مُدهش،السلام عليكم،أحبك،الحنان". للأسف تجد الكثير من بيوتنا ومجتمعنا السوداني..يعيش في صحراء قاحلة من الجفاف العاطفي؟!!يختفي بين أفرادها "عبارات الحب الهامسة والعواطف الجياشة؟!!.لماذا نجد دوما جفاف وبخل في التعبير عن العواطف والمشاعر.. وجفاف في العبارات والردود مع الآخرين؟!بل غالباً ما يصحبها صوت عال بالمنزل بين الأزواج،وبين الآباء وأولادهم؟!!وكم من مشكلات أسرية.. قامت بسبب الكلمات الجارحة،والتلوث اللفظي والغضب"والتفاهات" لا تستحق؟! وقد تؤدي ببعض الأسر إلى قطع الأرحام والطلاق،والتفكك الأسري،بل ربما تمتد للقتل؟!!الكلمات عندما تنطلق مثل الرصاص تُصيب مباشرة ولا تسطيع أن توقفها؟!!انها العبارات والكلمات القاسية والجافة؟!! أنها الجفاف العاطفي!!!أين التعبير عن مشاعرنا..لأزواجنا-لأبنائنا-لوالدينا-أقاربنا..وغيرهم؟ من المؤسف أننا نسمع كثيراً من ذوي الاستشارات الأسرية:أمي لا تحبني؛ وإنها لا تعلمني إلا بصوتٍ عالٍ، ولا تقبلني،وأخرى:زوجي لا يحبني،والدي لا يحبني؟!. حينما يتضجر البعض على تقبيل الأبناء-ويراهُ طريقاً لإفسادهم،عندما يرى البعض أن الكلمة الطيبة والرفق، واللين،"تدليل"فقد كان لنا في مدرسة "محمد صلى الله عليه وسلم-الكثير من اللمسات والنفحات الطيبة في هذا السياق:جاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله عليه السلام فرآه يُقبل الحسن بن علي فقال الأقرع:أتُقبلوُن صبيانكم؟!! فقال رسول الله"نعم" فقال الأقرع:إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم قط، فقال له رسول الله:"من لا يَرحم لا يُرحم"، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل الصغار ويُقبل الخدم وزوجاته، ويقول عليه السلام"مهلاً يا عائشة! إن الله يُحب الرفق في الأمر كله"وقد كان عموما ضحاكاً بساماً ممازحاً في بيته مع زوجاته..وأصحابه-ألم يعلمنا عليه السلام أن الكلمة الطيبة صدقة؟!! والأقربون أولى بالمعروف؟! "خيركم خيركم لأهله"-وكان يقول-لمعاذ-"والله أني أحبك" إن الكلمات الجارحة،والعصبية الزائدة، وتلبية الاحتياجات بتضجر ونفور، والجفاف العاطفي من أهم الأسباب التي تُؤدي إلى شعور الأبناء/الأزواج/بالفراغ العاطفي،الذي ينتج عنه الاكتئاب، والملل،وانحرافات-سلوكية وعاطفية، وكيف يطلب الآباء من الأبناء برَّهم في الكبروهم لا يجدون الكلمة الطيبة منهم؟!! فلنتدارك الأمر أخوتي:ونتداوِى!!قبل أن يتفاقم الأمر؛من خلال استخدام الوسائل والفنيَّات التي تلطف جو الأسرة،وتطفئ وقود الغضب والملل،ومن هذه الوسائل: الأب والأم:أنتما قدوة؛فلا عيب في إظهار المحبة والتحبُب والاهتمام بينكما بالشكل اللائق أمام الأبناء..ليتطبعوا على ذلك-كما أن إظهار اهتمامكم بوالديكم وبرّهم،وتربية أبنائكم على الاهتمام بهم-من أهم أسباب التراحم بين أفراد العائلة. التربية على(لوسمحت،من فضلك،شكراً،هل تحتاج إلى مساعدة،أنت رائع،جزاك الله خيراً،سامحني)من خلال القدوة، الممارسة العملية أمامهم. والمكافأة"التربية أفعال لا تلقين فقط إلقاء السلام والتحية عند الخروج من البيت والعودة إليه والاستيقاظ من النوم،والذهاب للنوم،والدعاء للأبناء والأزواج على مسمع منهم. لمسة الأبوية الحانية..والطبطبة على أكتافهم،والقبلات-أثناء اليوم وما قبل النوم-والاقتراب أكثر منهم-نصادقهم ونحتويهم ونتحدث معهم ونمازحهم ونحاورهم،والحوار الأسري مهم..حتى لا يبحثوا من يحتويهم ويسمعهم في الخارج وهذا له مآلاته وتبعاته الكارثية؟!!. إشاعة روح المدح والثناء وتأطير هذه الثقافة بين أفراد الأسرة-مهم جداً،فالزوج والأولاد يحبون المدح..وخاصة الزوجين لأنهم غدوة لأبنائهم..وهذا أهم ما يلطف الجو ويجمّله ويعطي جواً مفعماً من الحب. لقد خلق الله الرجل بطبيعة وخصائص تختلف عن المرأة-وخلق المرأة بطبيعة وخصائص تختلف عن الرجل..وهذا التباين يحتاج لعملية تلقيح وتلاقح "تلقيح روحي" اندماج في الآخر" احتواء كل طرف للآخر..فالرجل يجب أن يحتوي المرأة"بالحب،الأمان،يحفزها بالكلمات الحلوة،المنعمة-ويتغزل في:فكرها،حديثها،لبسها،وعطرها،وطبخها، "لأن المرأة كما يقولون تحب"بأذنها"والمرأة تصبر على جوع البطن ولكن لا تصبر على جوع العاطفة؟!!والمرأة ايضاً يجب أن تحتوي الرجل"بالحب والحنان،والدعم والثناء-على كل ما ينجزه ويفعله من إبداع"وهذا الدعم المعنوي واحتواء كل طرف للآخر بهذا المفهوم الوجداني الحميمي..يمثل عاملا مهما جداً..فهو بمثابة"البطارية"التي تشحن عقولنا ومشاعرنا وأرواحنا..وتمنحها طاقة وروحا معنوية عالية تدفعنا للعطاء أكثر والإخلاص والتجويد في أعمالنا.. وحياتنا الإنسانية وتكسبها صفة "الديمومة" ونعيش حياة سعيدة وبصحة نفسية؟!! . إخوتي الكرام: إن أسوأ الصفات في الإنسانية هي صفة البخل ويكون أسوأ عندما يكون في أمر يتعلق بحياة الإنسان وروحه بل في كلمات طيبة وعاطفيه ومحببة!!لا تكلفك أو تخسّرك شيئاً-بل ترفعك قدراً في الدنيا قبل الآخرة..فلا تبخل على أفراد أسرتك ثم الآخرين بهذا الكلام الطيب والعاطفي.. وأجعله سلوكك في الحياة تعطي وتتعاطى معه-وقال عليه السلام:"أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم"وبهذه السلوكيات الطيبة نصدر مجتمعا حضاريا وراقيا لأن المجتمعات تقاس حضارتها بسلوكيات مجتمعها.. والمجتمع هو منظومة بشرية سلوكية.. وسلوك"الجفاف العاطفي"سبب تأخر الأسر والمجتمعات الإنسانية. ختاماً:لا تقل الأمر صعب،وقد تعودنا على هذا المفهوم"الخاطئ":لا تُصّعب الأمور فتبدو لك صعبة..مازال المفتاح بيدك-والحل رهن إشارتك..تحتاج فقط أن تتدرب،تتعود،تروض نفسك-"العلم بالتعلم"حتى تصبح العبارات الرقيقة وكلمات الحب سلوكاً معتاداً-ونجعلها قاموس حياتنا الأسري "روحي،حبيبي،حبيبتي،حبايبي،ياعسل،يامبدع"وتصبح بمرور الأيام عادة من العادات التي تمارسها يوميا بلا تكلف!!بل ستجدها تسبق لسانك؟!!هذه مجموعة رسائل"Massage"مفتوحة"ثقيلة"حاولت أن ألقي بها في بركة"العاطفة"الساكنة لعلها تحدث حراكا للمياه الراكضة؟! فتعيد لها حرارتها وتتكثف سُحباً فتمطر وتمطر على صحراء"الجفاف العاطفي"القاحلة..فتحولها لمساحات خضراء تتدفق سنابله وسنابله"عاطفة فياضة بالحب والمشاعر"نحن قد نختلف في الطباع وسُلم الأولويات.. ولكن كلنا كبشر نشترك في إحتياجاتنا "للعاطفة"أن العواطف تؤثر في النبات "دراسة"فما بالك بالنفوس..وتوجه الكثير من سلوكياتنا،بل تدير منازلنا ومؤسساتنا "المستقيمة"شئنا أم أبينا لذلك يجب أن نهتم بالعاطفة كسلوك نحركها ونتعاطى معها."وروح الإنسان تتشكل بسلوكياته"!!.