يعد اتفاق السلام في السودان الذي وقع الأسبوع الماضي، بإنهاء الحرب المدمرة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق التي أودت بحياة مئات الآلاف من الناس، بيد أن الباحثين إدوارد توماس زميل في معهد ريفت فالي في كينيا وأليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في الولاياتالمتحدة يوضحان أن ثمناً كبيراً قد دفع للوصول إلى هذا الاتفاق في النهاية. كيف تحقق؟ جاء الاتفاق بعد مفاوضات بين الحكومة الانتقالية في السودان وائتلاف من قادة حركات التمرد في عاصمة جنوب السودان، جوبا. وتمثل النوايا الحسنة من الطرفين للتوصل إلى حل، نقطة القوة في هذا الاتفاق، لكن ضعفه يكمن في أن السودان يحاول تطبيق تجربة ديمقراطية طموحة وسط أزمات متداخلة ومن دون أي مساعدة دولية بطريقة عملية. في أغسطس 2019م اتفق الجيش وقادة مدنيين على العمل معاً ضمن حكومة انتقالية تنفيذاً للمطلب الرئيسي للمحتجين الذين أطاحوا بالحكم الاستبدادي للرئيس عمر البشير الذي استمر نحو 30 عاما. وكان في مقدمة أولويات هذه الحكومة إنهاء الحروب التي ظلت تُنهك وتدمر عدداً من الولايات الطرفية والحدودية في السودان. وكان المتمردون واثقين من أن الحكومة المدنية التي يقودها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مخلصة في الوصول إلى ذلك، ولكنهم لا يثقون بالقادة العسكريين وبشكل خاص "الفريق الأول" محمد حمدان دقلو، الملقب بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع. وتم التوصل إلى الاتفاق الأخير بعد مفاوضات سلام استغرقت نحو عام تقريبا. فرصة العمر وطبقا للتقرير الذي أعده الباحثان تعد الجبهة الثورية ، أوسع الجماعات المتمردة، لكنها تمثل تحالفاً هشاً. وعلى الرغم من أنها تشترك في العديد من الأهداف من المتظاهرين السلميين في الخرطوم إلا أن عناصرها يأتون من خلفيات مختلفة. تقاسم السلطة وبحسب نص الاتفاق فإن الحركات او حملة السلاح سيشاركون في الحكومة الانتقالية، فضلا عن انه سيدمج الآلاف من مقاتلي حركات التمرد في الجيش بعد اتفاق السلام، وقد خُصصت لهم مئات المناصب التشريعية والتنفيذية، التي سيديرونها حتى إجراء الانتخابات خلال ثلاث سنوات، كذلك يتيح عودة ملايين النازحين من جراء الحرب إلى بيوتهم. وسيمنح النظام الفيدرالي، الذي عدلت صياغته، المزيد من السلطات والصلاحيات للإدارات المحلية. وينص الاتفاق على أن يكون هناك إصلاح زراعي، وعلى تقديم المشتبه بارتكابهم جرائم إلى العدالة. ولا تعد هذه البنود جديدة، إذ سبق أن انهارت صيغ اتفاقات مماثلة خلال ال 15 عاماً الأخيرة. ما هو المختلف هذه المرة؟ ولكن هذه المرة مختلفة، فالاتفاق سوداني محض وجاء بعد مفاوضات بين سودانيين من دون أي مواعيد نهائية مفروضة من أطراف خارجية أو ضغوط ولي ذراع البعض للموافقة على الاتفاق. ويدرك الطرفان أن هذا الاتفاق يجب أن يعمل وإلا فإن عموم التجربة الديمقراطية ستفشل. اعتراضات تعارض اثنتان من الحركات المتمردة الاتفاق، ولكن من المرجح أنهما ستغيران رأيهما. فأحد قادة التمرد الذي لم يوقع على الاتفاق بعد، هو عبد العزيز الحلو من الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان. ويصر الحلو على مطالبه بالعلمانية وحق تقرير المصير للنوبة ولا يوافق على تنازلات من أجل التوصل إلى صفقة توافق في هذا الصدد. بيد أن رئيس الوزراء حمدوك يتمتع بعلاقة طيبة مع الحلو وقد تعهدا معاً بمواصلة المحادثات. أما المعارض الثاني فهو عبد الواحد محمد نور من حركة تحرير السودان في دارفور، الذي يعد معارضاً دائماً لمحاولات الاتفاق السابقة، بيد أن هذا الاتفاق يلبي مطلبه الأساسي إذا طبق ولن يمكنه الاستمرار في اعتراضاته. عقبة قائمة الإرهاب وهنا يكمن الخطر الحقيقي. فالسودان يعاني من انهيار اقتصادي سببه سوء إدارة حكومة البشير وضاعفه تفشي كوفيد-19 والفيضانات الآن، ويحتاج إلى شيء أساسي واحد لتحقيق استقرار اقتصادي. فالولاياتالمتحدة تصنف السودان بوصفه "دولة راعية للإرهاب" منذ عام 1993، وحتى إزالة هذا التصنيف يظل السودان مقيداً بالعقوبات الاقتصادية. لقد توقف السودان عن دعم الإرهاب منذ نحو 20 عاما، بيد أن واشنطن تريد شيئا مقابل رفع العقوبات. وعندما قام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بزيارة قصيرة للسودان الشهر الماضي، كان في مقدمة أولوياته الضغط على السودان للاعتراف بإسرائيل. وقد رد حمدوك بأن حكومة منتخبة هي فقط من تمتلك مثل هذا التفويض. حض وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في لقاء مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الشهر الماضي السودان على الاعتراف بإسرائيل. ويأتي اتفاق السلام بثمن باهظ، فهو يعد بتوفير تمويل تنموي لإعادة إعمار المناطق الريفية المدمرة والمساعدة في عودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم. ويعد بتوسيع نطاق الخدمات الصحية والمدارس والجامعات. كما أن دمج المتمردين بالجيش الوطني سيكلف أموالاً أيضا. ويضاف إلى كل ذلك تمويلات الطوارئ المطلوبة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتجنب أزمة إنسانية تلوح في الأفق. وحتى اعتراف واشنطن رسميا بأن السودان ليس "دولة راعية للإرهاب"، لن يكون هناك تخفيف لدين البلاد وتظل المعاناة من قلة الاستثمارات الأجنبية. فالسودانيون الذين أسقطوا ديكتاتوراً ووقعوا اتفاق سلام بأنفسهم ومن دون دعم خارجي، يشعرون بأن على بقية العالم الخارجي أن يمنحهم، على الأقل، فرصة. تواريخ أساسية 1956 حصل السودان على استقلاله، وبعد مرور 27 عاماً على هذا التاريخ طبقت فيه قوانين الشريعة الإسلامية. :1989 جاء عمر البشير إلى السلطة في انقلاب عسكري :2003 بدأ النزاع في دارفور بعد اتهام المتمردين للحكومة بتفضيل جماعات عربية، ما قاد لاحقا إلى أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة. :2005 توقيع اتفاق سلام أنهى الحرب الطويلة الأمد بين الشمال والجنوب، وقاد إلى انفصال جنوب السودان واستقلاله بعد ست سنوات. :2011 بدأ النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بعد أن وجد المتمردون الذين قاتلوا مع السودانيين الجنوبيين أنهم اصبحوا تابعين للشمال بعد انفصال الجنوب. إبريل 2019: أطاح الجيش بالرئيس عمر البشير بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه سبتمبر 2019: شكلت حكومة جديدة برئاسة عبد الله حمدوك، كجزء من اتفاق لتقاسم السلطة بين الجيش وممثلين مدنيين عن الجماعات المعارضة لمدة ثلاث سنوات. أغسطس 2020: الحكومة السودانية الانتقالية توقع اتفاق سلام مع خمس جماعات متمردة. وظل المتمردون يقاتلون في ظروف صعبة في حروب دموية في الولايات الطرفية النائية في السودان. وقد همشتهم الحكومات السابقة فلم تتشكل لديهم أي خبرات بالممارسات السياسية المدنية. لذا كانت ثقة المتمردين بالطبقة السياسية المدنية بطيئة في تشكلها – حتى عندما منحت ثورة عام 2019 فرصة العمر لإجراء تحول في السودان.