في عام 1971 زار فريق (البنج بونج ) الأمريكي الذي شارك في دورة الألعاب الأسيوية باليابانالصين وربما لأول زيارة لوفد أمريكي كبير إلى الصين في فترة كانت العلاقات الأمريكيةالصينية تشهد فتوراً بل وتدهوراً خاصة بعد أحداث الثورة الثقافية الصينية في منتصف الستينيات من القرن الماضي و التي شهدت تشدداً صينياً بعد دعوة الرئيس ماوتوسي تونج لإجتثاث الطبقة البرجوازية في الصين ، وكان الفريق الأمريكي قد تلقى الدعوة من نظيره الصينيي في طوكيو، وطلب الفريق إذناً من السفارة الأمريكية في اليابان وجاءت الموافقة سريعة بعد اتصالات مع واشنطن، ويعتقد أن مهندس هذه الزيارة التي عرفت باسم ( دبلوماسية البنج بونج) هو د. هنري كيسنجر الذي كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي خلال فترة الرئيس نيكسون، الذي أصبح وزيراً للخارجية بعدها وعاصر كل من نيكسون وجيرارد فورد بعد استقالة نيكسون عام 1974 على خلفية فضيحة وترجيت الشهيرة. استقبل الزعيم الصيني شيوان لاي فريق ( البنج بونج ) الأمريكي في قصر الشعب تكريماً له، ونتج عن هذا الحدث الذي إعتبر نقطة تحول في تاريخ العلاقات الصينيةالأمريكية زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى الصين وكان ذلك إيذاناً ببداية الترتيب لتوازنات جديدة في العلاقات الدولية، وأن الصين قد أصبحت رقماً مؤثراً في العلاقة بين القطبين الأمريكي والسوفيتي. الدكتورة مريم المهدي تجيد لعبة كرة المضرب ( التنس ) وهي عضو راتب في نادي التنس السوداني مثل والدها الراحل الصادق المهدي وأعتقد أنها مارست هذه الرياضة خلال زيارتها المتكررة إلى القاهرة مع والدها أو منفردة ، إذ إن المرحوم الصادق المهدي رئيس وزراء السودان الأسبق ظل يمارس هذه الرياضة بإنتظام أينما حل في السودان أو المنافي التي أجبرته على البقاء خارج السودان ، والواقع أن زيارة مريم المنصورة إلى القاهرة وهي تحمل هذا الإرث الأسري والتاريخي لأسرة المهدي، وإن كانت تأتي لحضور اجتماع في جامعة الدول العربية ، إلا أن الحفاوة والتكريم الذي قوبلت به ومقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي لها تمثل اختراقاً جديداً في علاقات البلدين وربما نهجاً يساهم في تغيير الصورة والانطباع التقليدي للعلاقة بين حزب الأمة ( حزب إستقلال السودان عن مصر) ومصر، خاصة وأن وزيرة الخارجية صرحت " سعدت بالرؤية المصرية حول أهمية العلاقات بين البلدين والتي تتجاوز الكلمات وترتقي إلى أفعال جادة ". في إعتقادي مثلما غيرت دبلوماسية ( البنج بونج) مسار العلاقات الأمريكيةالصينية إلى يومنا هذا حيث أصبحت الشركات الأمريكية أكبر مستثمر في الصين اليوم، فإن روح رياضة ( كرة المضرب) التي تجيدها وزيرة الخارجية هي التي سوف تحدد مسار العلاقات السودانية المصرية في المستقبل وتفكيك وحلحلة الملفات الشائكة بين البلدين بروح رياضية متزنة تحقق دفعاً جديداً لهذه العلاقة الاستراتيجية بثوابتها الراسخة العميقة، ولا شك أن وزيرة الخارجية تعلم من خلال خبرتها الرياضية أن المصريين بارعون في كرة المضرب ولهم فيها صولات وجولات وبطولات عالمية ونجومية أمثال إسماعيل الشافعي والمعجزة المعاصرة ميار شريف وهذا يعني أن هناك كيمياء جديدة في العلاقات السودانية المصرية خرجت من حالة الشد والجذب القديمة. لم يكن مصادفة أن تزور الدكتورة مريم المهدي القاهرة كأول محطة خارجية لها لدولة ذات ثقل ووزن إقليمي ودولي بعد زيارة جوبا، فهذه الزيارة كانت سوف تأتي في كل الأحوال وإن وفرت اجتماعات الجامعة العربية فرصة مواتية لها الآن ، فقد بات حزب الأمة يدرك منذ وقت طويل أن القاهرة تحظى بتقدير إقليمي وعربي مهم خاصة في هذه المرحلة التي تمر بها الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسي ، ولا بد أن وزيرة الخارجية تعلم أن مصر بها أكبر تجمع للسودانيين بالخارج وهو رقم يتجاوز كل عدد المغتربين خارج السودان ، كما أن حركة السفر والتجارة والمصالح ضخمة ومتبادلة وأن مصر هي الوجهة الأولى للسودانيين وهذا ثابت من خلال حركة السفر براً وجواً ، لكل ذلك كانت هذه الزيارة وما صدر عنها من خلال تصريحات وزيرة الحارجية والوزير المصري سامح شكري يمثل أرضية لا بد أن يتم البناء عليها خاصة في الملفات الحساسة التي ترتبط بالأمن القومي للبلدين وفي مقدمتها قضية التنسيق الكامل في موضوع سد النهضة وتعزيز المشروعات المشتركة المرتبطة بالبنى التحتية مثل الطرق والنقل البري والسكك الحديدية والربط الكهربائي الذي تعتبر مصر رائدة فيه وتمتلك فائضاً كهربائياً كبيراً مقارنة بالسودان، وفي هذه المرحلة ل ابد من تنحية الملفات الخلافية فالزمن كفيل بحلها في ظل علاقة ذات بعد استراتيجي طويل الأمد. الدكتورة مريم المهدي متحدثة ممتازة وتمتلك قدرات حوارية متقدمة ولها دراية وثقافة سياسية عالية بحكم النشأة والخبرة الطويلة ، كما أنها مستمعة تحترم لغة الحوار وتتمتع بأدب الحوار وتعبر عن أفكارها بحماس ووضوح متزن ، فهل تستفيد حكومة حمدوك التي تتجاذبها اتجاهات قد تبدو متناقضة من هذا النهج الدبلوماسي الجديد.