استخلصت من مغزي مقالة البروفيسور (وولتر راسل ميد) هذا العنوان أعلاه بينما عنوان مقالته التي نشرتها مجلة الشؤون الخارجية (عدد شهري يناير/فبراير 2021)، هو: (نهاية حقبة الويلسونية: لماذا فشلت سياسة الليبرالية الدولية؟) والويلسونية مشتقة من اسم الرئيس الأمريكي ، ويدرو ويلسون (مارس1913-مارس 1921) والمراد بسياسة الليبرالية الدولية التي فشلت ،وفق رؤية الكاتب، هي قواعد النظام العالمي الذي اقترحه الرئيس ويلسون على مؤتمر السلام في باريس( 1919 -1920) الذي أعقب الحرب العالمية الأولى حيث تبنى المؤتمرون مقترح ويلسون بإنشاء منظمة دولية هي (عصبة الأمم) لترعى السلم العالمي وتمنع وقوع حرب كتلك . لكن رفض الكونقرس الأمريكي المصادقة على الانضمام لعصبة الأمم وبالتالي عدم انضمام أمريكا لعضويتها ،أضعفها فلم تقو على منع حرب كانت أكثر تدميراً هي الحرب العالمية الثانية (سبتمبر 1939- سبتمبر 1945). ونشير في البدء إلى القول إن البروفسور كاتب المقالة، من المحافظين فهو صاحب عمود في الجريدة المحافظة (زا وول استريت جيرنال) كما أنه (زميل رئيس) أو إن شئت(زميل أقدم) في معهد هوستن وهو مركز بحث هام من مراكز المحافظين في أمريكا، ولذا لزم التنويه بوضع ذلك في الاعتبار عند تقدير خلاصاته المعارضة للتيار الليبرالي التحرري على العموم (والتحرري إضافة من عندي للاختلاف في استخدام كلمة ليبرالي بين ضفتي الأطلسي حتى أنها تبدو كأنها تعني الشيء ونقيضه فمعناها الكلاسيكي الذي ظل يحتفي باقتصاد السوق ويمنع القوانين الحمائية ويرفض الضرائب الباهظة على دنيا المال والأعمال على طريقة المحافظين في بريطانيا والأحرار الديمقراطيين لا يعني ذات الشيء في أمريكا فالليبرالي قريب من الاشتراكي في الاقتصاد فهو يعظم دوراً أكبر لتدخلها لحماية الطبقات الفقيرة كما أنه نصير لحريات أكبر في الشأن الاجتماعي. ونظام ويلسون نظام اقترحه ويلسون أراد له أن يكون بديلاً لنظام توازن القوى الذي كان سائداً في أوروبا بحيث تقوم منظمة عالمية تتمتع بعضوية كافة الدول، تحكم العلاقات الدولية عبر وكالات ونظم وقوانين ترعى التعاون الدولي وتمنع قيام الحروب . قام المؤتمرون بالموافقة على قيام تلك المنظمة الدولية والتي قامت بالفعل ولأول مرة في التأريخ هي عصبة الأمم . وكما قلنا لم يصادق الكونقرس الأمريكي عليها وبالتالي لم تكن أمريكا عضواً فيها. يقول الكاتب إنه وأثناء الحرب العالمية الثانية تأسف كثير من الأمريكيين على سياسة العزلة التي انتهجتها بلادهم قبل الحرب وعلى رفضهم الانضمام لعصبة الأمم لأن ذلك الرفض أدى لقيام منظمة ضعيفة تفتقر لدعم الدولة التي بدا جليا أنها قد حلت محل بريطانياوفرنسا كأقوى دولة في العالم هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، فلم تنجح المنظمة الوليدة في درء حرب كانت أكثر دماراً هي الحرب العالمية الثانية التي اندلعت وفي ظرف عقدين فقط من الزمان من اندلاع الحرب الأولى. ويقول السيد ميد إن الرئيس ويدرو ويلسون مات كسيف البال يقتات على الحسرات بسبب عدم تحقيق حلمه الليبرالي في عالم بلا حروب ينظم علاقاته التعاون والقانون بعيدا عن الاحتراب. غير أن أمريكا بعد دمار الحرب الثانية تبنت رؤيته للعلاقات الدولية فقامت بتأسيس منظمة الأممالمتحدة عبر ميثاق ينظم دورها في الحفاظ على السلام العالمي وأسست مؤسسات مالية داعمة لذلك هي مؤسسات برايتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) ومحكمة العدل الدولية ولاحقاً منظمة التجارة الدولية. ويصف الكاتب الرئيس ويلسون بعد ذلك بأنه بغض النظر عن سياساته الداخلية وقناعاته الايدولوجية، يعد بين أكثر صناع العالم الحديث تأثيراً. ثم يعمد إلى القول إن فكرة منظمة تضم كافة الدول لم تكن أمريكية خالصة فقيصر روسيا الاسكندر الأول سبق فكرة ويلسون في تأسيس عصبة الأمم قبل مائة عام عندما اقترح على مؤتمر فيينا ضرورة إيجاد مثل تلك المنظمة. وفي زمان ويلسون تهيأ المناخ للفكرة وقوي الإاعتقاد بأن نظم الحكم الديمقراطية تسهم في الحفاظ على السلام العالمي أكثر من الملكيات المطلقة الميالة لإشعال الحروب، غدا ذلك الاعتقاد قناعة لقطاعات واسعة من المتعلمين الأمريكيين والبريطانيين. لذلك جاءت مساهمة ويلسون في تجميع تلك الأفكار والقناعات في برنامج محدد المعالم يبنى على قواعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تقوم بإنقاذها منظمة دولية. جدد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية الحلم الأمريكي فتأسست لتحقيق ذلك منظمة الأممالمتحدة على أمل أن يحتكم العالم كله لنصوص ميثاقها وأن تكون أداته لدرء مخاطر الحروب وتحقيق السلام العالمي إلا أن قيام الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية عرقل تحقيق حلم ويلسون القديم في إنهاء سياسة توازن القوى بأن قامت كتلة جديدة في العالم مصادمة وغير خاضعة. فأصبح السلام العالمي خاضعاً من جديد لتوازن القوى متمثلاً في القطبية الثنائية بين معسكرين ،حيث اصطفت غرب أوروبا خلف الولاياتالمتحدة فتأسس حلف شمال الأطلسي العسكري (الناتو) بينما اصطفت دول في شرق ووسط أوروبا خلف الاتحاد السوفيتي فتأسست كتلة عسكرية في مواجهة تلك هي حلف وارسو. وتبخر الحلم بانتشار أنظمة برلمانية في العالم إلى الحد الذي جعل أمريكا في سبيل التصدي لتمدد النفوذ الشيوعي لإقامة ودعم نظم عسكرية وديكتاتورية (أي في العالم الثالث) . وعندما سقط جدار برلين وسقط الاتحاد السوفيتي في العقد الأخير من القرن العشرين عاود الحلم القديم واشنطن بعودة حكم القانون والديمقراطيات وحرية السوق واحترام حقوق الإنسان أخيرا وحان موعد تحقيق حلم ويدرو ويلسون . هكذا ظن بوش الأب لدرجة أن أطلق مبتهجاً ، على الوضع الجديد،عبارة النظام الدولي الجديد وتبعه بيل كلينتون. يقول ميد، الحقيقة الساطعة في عالم السياسة اليوم، إن هذا الجهد النبيل في إقامة نظام عالمي كالموصوف سلفاً، قد فشل وأن الحقبة القادمة من التأريخ الإنساني لن تكون على خط الويلسونية. ستتواصل مساعي الدول لتحقيق ذلك لأن الواجب يحتم عليها العمل من أجل ذلك المسعى وسيواصل نشطاء حقوق الإنسان مساعيهم لتحقيقها أيضاً ، لكن الحلم بنظام عالمي مبني على قانون يضمن السلم بين الدول ويضمن قيام نظم ديمقراطية في داخلها ، يتضاءل أكثر فأكثر بين قادة العالم. يقول إن إقرار هذه الحقيقة لا يعني الترحيب بها. وإن محللين ضمن حملة بايدن الرئاسية يحلمون باستئناف نظرية ويلسون وتحقيقها وهو يتمنى لهم النجاح لكنه يرى ذلك أمراً بات بعيد المنال. ويقر بأن بعض تأثيرات الويلسونية ستبقى ضمن سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية لبعض الوقت لكن أيام السعد لتطبيقها التي صاحبت نهاية الحرب الباردة من المستبعد أن تعود في القريب العاجل. وكمقدمة لتشريح النظام العالمي الذي وضع لبناته الأولى الرئيس الأمريكي ويدرو ويلسون ، أشار إلى أنه كان تتويجاً لفكرة بدأت في التبلور منذ معاهدة ويستفاليا في العام 1648 التي أعقبت حرب الثلاثين الدينية. وقال إن الإمبراطورية الرومانية المقدسة ضمت أجزاء واسعة من أوروبا من هامبورغ شمالا وحتى ميلانو جنوبا في إيطاليا وشملت كل فرنسا وبولندا وقننت للتجارة والاقتصاد بين تلك المكونات بل واهتمت بحقوق الإنسان مثلما فعل الاتحاد الأوروبي لاحقاً. يقول: صحيح إنها لم ترسل بعثات لواشنطن للتحقيق في ممارسات الحكومة الأمريكية إزاء الهنود الحمر والسود الأفارقة لأن حقوق الإنسان شعار يطبق على الدول الأضعف منذ ذلك الزمان وحتى الآن. يريد القول إن الاتحاد الأوروبي انبنى على إرث امتد منذ حروبات نابليون في بداية القرن التاسع عشر وبالتالي فإن طرح ويلسون كان تجديدا لما كان وسداً لثغرات فيه .( هذا التحليل يناقض رؤية هنري كيسنجر في سفره الضخم (الدبلوماسية) الذي يؤكد فيه أن فكرة ويلسون نابعة من خصوصية موقع الولاياتالمتحدة الجغرافي التي لا تعرف توازن القوى ، حيث أنها محمية بالمحيطات وحولها دول ضعيفة لا تخشى بأسها بينما فرض تجاور الدول الأوروبية الجغرافي والتنافس بينها والاعتبارات المذهبية والعرقية المؤدية لإشعال الحروب، إلى اعتماد سياسة توازن القوى كضرورة. وقال إن القادة الأوربيين قد قابلوا فكرة ويلسون بالاستغراب واعتبروها فكرة ساذجة تنم عن قلة الخبرة!) وينفي السيد ميد أي مثالية لويلسون أنتجت الويلسونية المفضية لقيام علاقات دولية علي قواعد وأسس قانونية وأخلاقية تحترمها كافة الدول، بل ويرجعها لعقيدة دينية عنصرية تعلي من شأن الأنقلو سكسونية الهيقيلية: فوالد الرجل رجل دين معروف منتم للكنيسة المشيخية أحد فروع حركة الإصلاح الديني البروتستانتية في تيار (جون كالفن) الذي يرى أن الإنسان مسير وأن الله قد خلق البشر خيرين وأشرارا هكذا لا فكاكا لهم من ذلك حتى الممات . والعنصرية الأنقلوساكسون ادعت لنفسها مهمة رسالية قاصرة عليها فهي الوحيدة المؤهلة لتقود خطى البشرية في الألفية التي تسبق عودة السيد المسيح الثانية التي ستتميز بالتطور والسلام والرخاء . فقط أحلت هذه الحتمية الأنقلوساكسونية باطنية هيقل الغيبية بحتميةمدنية بشرية باعتبار أن الليبرالية هي التي ستحكم وتقود خطى البشرية حتى نهاية التاريخ إلى الخير والرخاء على خطى الحداثة. يقول إن الرئيس ويلسون قد رأى في هزيمة الإمبراطورية النمساوية-المجرية والدولة العثمانية وروسيا في الحرب الأوليى أن أوان عصبة الأمم (الحلقة الأخيرة في مسلسل التاريخ البشري) قد حل. ويضيف أن ساسة أمريكيين قد رأوا في هزيمة اليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية تصديقاً مشابها وكذلك فعل من جاءوا بعدهم في سقوط الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي انتصاراً نهائياً لليبرالية العالمية. (تذكروا هنا مقالة وكتاب فرانسيس فوكاياما) يقول لكن كما في رياح أوليس في الأسطورة الإغريقية القديمة، والتي عصفت به وبرجاله بعيدا وعلى عكس المشتهى فإن تلك الرياح المعاكسة تكتسب اليوم قوى جديدة تجعل كل من يحاول إحياء أشرعة الويلسونية ، عليه أن يعرف عراقيل وعقبات تلك الإعادة وأكثرها وضوحاً عودة الايدولوجية الشعبوية فبلاد كالصينوروسيا وتلك الصغيرة الأخرى المتحالفة معها ترى في الويلسونية ، وهي محقة في تلك الرؤية، تهديداً حقيقياً لأوضاعها وترتيباتها الداخلية الخاصة. كذلك تكنولوجيا المعلومات التي كانت تراها الويلسونية سلاحاً يجعل حكم العالم أكثر يسرا ويجعل السياسة أكثر عقلانية أصبحت عكس ذلك. ومن ثمراتها الانترنت الذي يمكن بواسطته نشر القيم الديمقراطية كما يمكن في ذات الوقت، استخدامه لخدمة الديكتاتوريات والشعبوية. كذلك فإن انتشار الأسلحة النووية وغيرها يعزز استقلالية الدول ويجعل أي تدخلات عسكرية في أراضيها استناداً لدواع إنسانية أو غيرها أمراً محفوفاً بمخاطر حرب نووية مدمرة. يقول: الدول مثل الصينوروسيا والهند وتركيا تتقدم اقتصاديا وتكنولوجياً بما يعزز استقلالها وطرائقها في الحياة ويجعل الحلم بتبنيها للويلسونية حلماً عسير التحقق. يقول: لقد رأينا في خلال عهدة أوباما الثانية وفترة ترامب كيف تمكنت الصينوروسياً عبر الأممالمتحدة من منع أمريكا والاتحاد الأوروبي من التدخل في الحرب الأهلية في سوريا. وتخلص المقالة استناداً الى ما تقدم إلى أن السياسة الدولية تتجه بعيداً عن ليبرالية ويدرو ويلسون وربما إلى سياسات معادية لها. وتقول إن منظمات مثل حلف الناتو ومنظمة التجارة الدولية والأممالمتحدة ستبقى فقط لاعتبارات بيروقراطية وحسب وستكون أقل قدرة على القيام بواجباتها وأقل رغبة فضلا عن أن تقوم بالتصدي لتحديات جديدة . في هذا الاثناء سيتشكل النظام الدولي على يد الدول المتباعدة والمناوئة لليبرالية الويلسونية . ذلك لا يعني اشتعال تصادم حضارات ولكن يعني أن المنظمات الدولية يتوجب عليها استيعاب مدى أوسع من الرؤى والقيم أكثر مما كان في الماضي. ويرى أنه يتوجب على إدارة بايدن التعاون مع العالم في مجالات بعينها لا تثير الحساسيات مثل السعي معها لمنع غسيل الأموال والتهرب من الضرائب ويتعين عليها دعم الأقليات الدينية والعرقية وإتاحة فرص التعليم لها ولن تعترض الدول الأخرى على مثل هذا التدخل الذي لا يحمل أجندة خفية للإضرار بها. وبعد…. صحيح أن مرجعية الانقلوساكسونية مركزية عرقية أوروبية إذ أن فلسفة هيقل التاريخية اعتبرت أن جميع حضارات الشرق ،الصينية والهندية والفارسية ،قد تجمدت وعقمت ولم تعد تقوى على التقدم وأن الحضارة الغربية المستمدة من إرث الإصلاحي المسيحي (البروتستانتي) هي الأقدر على قيادة التأريخ البشري نحو السلام والخير والنماء. لكن ذلك لا يعد سبباً لرفضها فالجزئية الخاصة فيها بالحكم الرشيدالقائم على اختيار الناس وعلى التداول السلمي على السلطة ، تراث مشترك دوت به صيحات تردد صداها على مدار التأريخ في حضارات عديدة تتوق إلى ذلك سيما وقد تبين أنها النظام الأمثل الذي يحمي كرامة الإنسان. ولا بد للإنصاف الإقرار بأن التجربة الغربية هي التي رسخت أقدامه وجعلته وصفة وحيدة تليق بالإنسانية وعليه فالردة للشعبوية والفاشية والعنصرية والاستبداد هو نقيض ذلك وينبغي أن تقاوم فضلاً عن كونها لن تقوى على جعل النظام الدولي نظاماً متعدداً يصلح بديلاً للنظام القائم حالياً الذي شاخ والذي هو بالفعل بحاجة لتعديل يجعله صالحاً لدعم التعاون وحفظ السلام في اطار الإخاء الإنساني. وعلى كل فإنه يحمد للبروفيسور ميد الإقرار بضرورة توسيع مواعين النظام الدولي القائم رغم أن رؤاه تجيء في إطار الاستقطاب الحاد الذي يشهده الغرب حالياً بين المحافظين والتحرريين ورغم أنه خلاف لا يخرج عن إطار مرجعية واحدة هي المركزية الإثنية الأوروبية وأيضاً رغم أنه يحمل معنى الشماتة بفشل الويلسونية التحررية الليبرالية وأن نتيجة فشلها ستكون بالضرورة تسنم الشوفونية والشعبوية والعنصرية مقصورة القيادة الدولية. إلا أن هذا الإقرار مفيد في البحث عن أسباب ذلك الفشل والذي نراه في أن النظام الدولي لا يقوم أصلاً على ديمقراطية تحترم كل الثقافات وتستوعبها لكنه قام على هيمنة خطها المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية على مقاسهم وإلا كيف تظل الدول الخمس المنتصرة في تلك الحرب تملك وحدها حق الاعتراض (النقض) تحمي به نفسها ومصالحها في العالم وحرمان بقية العضوية التي وصلت حتى الآن 193 دولة . الإصلاح المطلوب هو إصلاح منظمة الأممالمتحدة وجعل السلطة العليا للجمعية العامة حيث يتمتع كل عضو بصوت واحد فيها وأن يوسع مجلس الأمن كذراع تنفيذي ينفذ قرارات الجمعية العامة ولا ينفرد بإصدار القرارات دونها وأن تصبح عضويته على أساس القارات لا الدول وبالتساوي على أن يتمتع جميع الأعضاء بحق النقض أو يلغى . لابأس بجعل شرط عضوية الأممالمتحدة التزام الدولة العضو بالديمقراطية كنظام للحكم فيها والتداول السلمي على السلطة وأن تترك قواعد السلوك والمنظومات الأخلاقية وفقاً للسياقات الثقافية لكل بلد ولكل ثقافة مع الالتزام بما تتفق عليه البشرية من حقوق الإنسان كالحريات الطبيعية ذلك لأن جل الدراسات لظاهرة الشعبوية والشوفونية مردها إلى العامل الثقافي وأنه أهم أسبابها ذلك لتخوف المجتمعات حتى في الدول الغربية من فكرة الحكومة العالمية التي تعمد إلى إعادة تعريفات الأسرة وتفرض أطراً محددة لمجمل الحياة الاجتماعية وفق ليبرالية لا تحدها الحدود تلامس الإباحية أو قل (حداثة متطرفة) تناقض الموروثات ومنظومات المجتمعات الأخلاقية . وجدير بالإشارة أن شعوراً متنامياً لدى قادة الرأي في الغرب وفي الولاياتالمتحدة تحديداً بدأ يتنامى بأن حقبة جديدة في العلاقات الدولية متعددة المراكز بدت تطل برأسها وأنه يلزم الإعداد لها كي لا تفلت ريادة أمريكا من اليد ، مما يحتم إعادة النظر في سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية لاستعادة دورها الذي اعتراه الضعف في السنوات الأخيرة أو بابتكار وسائل جديدة لذلك . وتربط بعض الدراسات بتراجع دور الولاياتالمتحدة إلى ما أسميناه بالاستقطاب الحاد ويرون أن سببه هو ما يطلقون عليه، حرب الثقافة التي تدور رحاها بين المحافظين والتحرريين بشأن الاجهاض والشذوذ الجنسي وزواج المثليين والجنس الثالث وقد أدى ذلك لانتشار نظرية المؤامرة ورفض نتائج الانتخابات واقتحام مبنى الكونقرس الأمريكي أول هذا العام لمنع المصادقة عليى نتائج الانتخابات. وقد ترتب على هذه الحرب الثقافية منذ فوز الرئيس أوباما أن أصبح الصراع حزبياً محضاً في الكونقرس وترتب على ذلك تعطيل التشريعات مما جعل البلاد تحكم بالقرارات التنفيذية مما أثار مخاوف الحلفاء بشأن الاتفاقيات مع أمريكا حيث أصبحت قصيرة الأجل تعتمد على عهدة الرئيس كالاتفاق النووي مع ايران واتفاقات المناخ في باريس وغيرها والتي ألغاها ترامب في أول يوم لحكمه وأعاد بعضها بايدن في أول يوم في حكمه أيضاً. لكن تظل الحلول المقترحة لأدواء النظام العالمي مرتكزة هي الأخرى على المرجعية الغربية وحدها المؤسسة له ابتداءً. فقد انتظمت مقالات عدد (مارس أبريل 2021 ) لمجلة الشؤون الخارجية التي نشرت موضوع هذه المقالة ، ضرورة إعادة النظر في النظام الدولي القائم من زوايا مختلفة سياسية واقتصادية فقد كتبت آن ماريا اسلوطر وغردون لافورج، مقالة تحمل عنوان افتحوا هذا النظام .. لكن بإضافة منظمات ومؤسسات أهلية كبرى كمؤسسة بيل قيتز وقافي وغيرها أو باستحداث إدارة جديدة في الأممالمتحدة للتنسيق معها أي بما يظل معه العالم الآخر الفسيح خارج دائرة الفعل والمشاركة .. إن التعدد المطلوب الذي ينبغي أن يعقب الفشل الذي تناولته هذه المقالة، مقالة السيد ميد ، هو أن يتم وفق القناعة بالتخلص من الهيمنة التي تفرض على الشعوب الضعيفة مفاهيم وقواعد مستلهمة من تأريخ قارة واحدة هي أوروبا وامتداداتها في العالم الجديد الذي صنعته والإفادة من تجارب ثقافات وحضارات الشعوب الأخرى وإشراكها في صناعة المستقبل في كنف السلام والاحترام المتبادل.