أذكر جيدا يوم الخامس من مايو من العام 2006 .. حيث كانت أبصار السودان والعالم شاخصة نحو ابوجا .. العاصمة النيجيرية الجديدة .. انتظارا لتوقيع حركات دارفور المسلحة على ما عرفت لاحقا باتفاقية ابوجا لسلام دارفور .. كانت الولاياتالمتحدة بثقلها هناك .. عبر مبعوثها روبرت زوليك .. كانت حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل ابراهيم لا تشغل حيزا كبيرا من اهتمام العالم آنذاك .. لسببين .. الأول لضعف تأثيرها على الأرض .. ثم التوجه الإسلامي الذي يحكم مواقفها .. بقي هناك القائد مني اركو مناوي والقائد عبد الواحد محمد نور .. وساعات التوقيع تقترب .. كان فرس الرهان هو عبد الواحد نور .. ولكن .. وفجأة رفض عبد الواحد التوقيع .. فيما وقع مناوي .. فلم يكن حتى بعض ( الكبار ) في الخرطوم سعيدين بذلك .. مما أربك حسابات كثيرة كانت تراهن عليه .. ومنذ ذلك اليوم ظلت مواقف عبد الواحد المرتبكة والمربكة تتقدمه في كل خطوة ..! ثم جاء التحضير لمفاوضات الدوحة والتي انتهت بما عرفت بإتفاقية سلام دارفور .. والذى أذكره جيدا ذلك الإعلان الذي أصدره عبد الواحد نور متضمنا شروطه للتفاوض .. فقد اشترط وقف اعمال العنف في دارفور .. وتفكيك المعسكرات وإعادة النازحين الى قراهم .. وإعادة اللاجئين الى بلادهم .. وتعويض هؤلاء واولئك عن سنوات الحرب .. وتعمير ما دمرته الحرب .. فكتبت يومها .. إذا كان عبد الواحد يطلب من الحكومة أن تفعل كل ذلك .. فعلى ماذا سيفاوضها إذن .. بل إذا نجحت الحكومة في تحقيق كل ذلك .. فما الذي سيجبرها على التفاوض مع عبد الواحد أو مع غيره ..؟! كان ذلك قبل سنوات طويلة .. كانت الإنقاذ تسيطر فيها على مفاصل الدولة وكان البعض يجد العذر لعبد الواحد لجهة أن الإنقاذ لم تكن حريصة على تنفيذ الاتفاقيات وأنها كانت معتادة على نقض المواثيق والعهود .. كما قال ابل الير يوما .. واصما بذلك كل الشمال.. ولكن المفاجأة التي أربكت ربما حتى من كانوا يجدون العذر لعبد الواحد .. أن الزلزال السياسي الذي ضرب السودان .. وأسقط نظام الإنقاذ .. وأسس نظاما سياسيا جديدا .. لم يهز شعرة في مفرق عبد الواحد .. ولم يغير مواقفه .. بل ظل متمترسا عندها .. رافضا مبدأ التفاوض .. وله في ذلك في كل يوم شروط جديدة ..! آخر شروط عبد الواحد ما تناقلته الوسائط أمس منسوبا لأحد قيادات حركة تحرير السودان .. نقرأ منه .. ( رهنت حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور قبولها الدخول في توقيع سلام مع الحكومة السودانية بحل جميع المليشيات المسلحة، فيما قطعت بعدم اعترافها بأي جهة عسكرية غير مؤسستي القوات المسلحة والشرطة .. وانتقد القيادي آدم عبد العزيز الحاج القيادي بالحركة في تصريح خاص للمندرة نيوز لجوء الحركات والمليشيات المسلحة لفرض السلام بقوة السلاح، وطالب الجهات المسؤولة بالدولة بضرورة حل جميع المليشيات المسلحة وإدراجها هي والحركات تحت مظلة القوات النظامية عبر عملية الترتيبات الأمنية وتسهيل عودة النازحين والمواطنين الفارين من مناطقهم بدارفور) .. ولعل هذا الشرط لم يكن عبد الواحد نور اول من طرحه .. بل طالبت وتطالب به كل القوى السياسية الفاعلة في السودان .. منذ نجاح ثورة ديسمبر .. ثم كانت المطالبة الأبرز من الحركة الشعبية شمال بقيادة الفريق عبد العزيز الحلو .. التي تطالب بتوحيد كل الجيوش تحت إمرة قومية واحدة .. بما فيها الجيش الشعبي .. ! ولكن الفرق بين الحلو وعبد الواحد .. أن الأول تقدم خطوة الى الأمام .. موقعا على إعلان المبادئ .. الذي فتح الطريق للتفاوض .. لتصبح الحركة بعد ذلك جزءا من الترتيبات .. لتتحمل مسئوليتها في إنفاذ مطلوبات الاستقرار والسلام والوحدة والتنمية .. فمتى يدرك عبد الواحد أنه يجب أن يكون .. هو الآخر .. داخل مربع الفعل .. مساهما بحركته في إنفاذ مطلوبات تأسيس الدولة السودانية الجديدة .. لا معتكفا برفضه .. طارحا كل يوم شروطا جديدة ..؟!