الذين يعرفون الترتيبات الأمنية التي كان يحيط بها الرئيس التشادي الراحل ادريس دبي نفسه، لا شك قد ادهشتهم الطريقة التي اعلن انه قد قتل بها.. فالرجل الذي قضي اكثر من عقدين من عمر نظامه الشمولي القابض في مواجهات مسلحة.. جراء الانتفاضات المسلحة ضد نظامه.. كان ولا شك يتحسب لمثل هذا اليوم تحديدا.. لذا كان يحيط نفسه بتأمين عالي الدقة.. يبدأ من اختيار افراد محل ثقة مطلقة اولا.. يتم اختيارهم بعناية فائقة، ثم تدريبهم بكفاءة عالية، مرورا بدعم تقني عال.. تستصحب كل اجهزة الكشف والرصد والمراقبة و التفتيش.. شاركت في كل ذلك اجهزة استخبارات اكثر من دولة غربية ربطتها مصالح بنظام دبي.. وانتهاءً بالتدخل المباشر إن دعا الحال.. وقد حدث من قبل وفي وضح النهار.. وبعد كل هذا فان الرئيس القتيل، والذي كان قد اعتاد على مثل هذه (الطلعات) إلى المناطق الملتهبة خلال مواجهاته المتتالية مع خصومه، كانت تسبقه تحضيرات عالية الدقة ايضا.. تسبق وصول خيمته، ناهيك عن وصوله هو.. لذا سيظل السؤال مطروحا بشدة، هل يعقل انه وبعد كل تلك الترتيبات التأمينية التي تحيط بالرجل.، فان مجرد قذيفة طائشة هي التي قتلته..؟ ام ان تلك الترتيبات عالية الدقة.. كانت في المقابل في حاجة إلى ترتيبات اعلى دقة لتخترق الجدار الفولاذي الذي كان يحيط بالرئيس..؟! فان كان الامر كذلك، فمن يقف وراء ذلك..؟! هل ستجد هذه الاسئلة اجابات ام انها ستظل معلقة.. كما ظلت معلقة.. اسئلة اخرى مشابهة.. انطلقت عقب استشهاد الدكتور خليل ابراهيم، مؤسس وقائد حركة العدل والمساواة، تبحث عن اجابات، من قتل خليل وكيف قتله بتلك الدقة العالية؛ التي استهدفته من بين كل من حوله..؟ امر مقتل دبي يبدو شبيها بمقتل خليل.. هنا ايضا لم يعلن عن ضحية اخرى او ضحايا اخرين، رغم ان (رجال الرئيس) كانوا يحيطون به احاطة السوار بالمعصم..! كما أن احدا لم يعلن حتى الآن مسئوليته عن مقتل الرئيس..! السؤال الذي تطرحه هذه الظروف الملتبسة لحادث مقتل الرئيس دبي هو، هل الذي شهدته العاصمة التشادية انجمينا منذ الاحد المنصرم وحتي ظهيرة الامس، كان حدثا واحدا بدأ بمقتل الرئيس يوم الاحد، ثم الاجهاز على نظامه بالثلاثاء..؟ ام ثمة حدثين منفصلين، الاول هو مقتل الرئيس، ثم قدرت جهة ما أن اختفاء دبي من المشهد السياسي هو فرصة مواتية للعبور بالبلاد بسلاسة الى مشهد جديد.. وذلك بالقضاء على كل المؤسسات السياسية للنظام القديم، فجاء ما يمكن اعتباره انقلاب قصر بامتياز؟! وأيا كانت الحقيقة، التي تبدو عصية على الاحاطة حتى الان، فسواء كانت جهة ما قد خططت لكل ما حدث، او أن جهة ما قد قررت الاستثمار في ما حدث، او أن جهة ما قد اختطفت المشهد كله عقب ما حدث، فالنتيجة واحدة، غاب دبي اولا.. وهدأ صوت الرصاص ثانيا.. واصبحت هناك فرصة مواتية لتسوية سياسية.. ورغم اعلان المعارضة الرئيسة رفضها لما حدث واعتبرته امتدادا لنظام القمع القديم، الا أن مراقبين وثيقي الصلة بالمشهد التشادي، يرون في اعلان المعارضة موقفا تفاوضيا، اكثر منه موقف سياسيا لا رجعة عنه.. ويعزز هذه الفرضية امران، الاول حقيقة غياب ادريس دبي عن المشهد، والثاني تلك الصلة التي تربط الرئيس الجديد، بالفصيل الرئيسي المسلح في المعارضة التشادية.. فقادة المعارضة هم (أخوال) محمد ادريس ديبي، وهذه الصلة في تشاد، مثلها مثل كل دول العالم الثالث، لها اعتبارات كبيرة، ويمكنها ان تفتح كثيرا من الابواب المغلقة..! والحال كذلك.. فثمة من يرى أن الامر في انجمينا ستتم ادارته بحكمة، بتكاتف كل اصحاب المصلحة، مما سيقطع الطريق على اية مخاوف من انعكاسات سالبة على الاقليم.. ربما!!