دولة تشاد قبل استقلالها كانت تعرف بالسودان الفرنسي وكان الكثيرون يفدون منها للعمل موسمياً أو لفترات قد تطول أو تقصر بمشروع الجزيرة وغيره من المشاريع الزراعية والمناطق الاخرى وكان يقال عن هؤلاء أحيانا وسط البسطاء انهم اتوا من فرنسا ولا يقال انهم اتوا من السودان الفرنسي. ويوجد تداخل حدودي وقبلي بين السودان وتشاد وتوجد قبائل مشتركة بين الدولتين بنسب مختلفة وبعض الأسر يكون جزء منها في تشاد وجزء آخر بالسودان واستوطن هؤلاء هنا وأقاموا بصورة دائمة مع التواصل مع اهلهم هناك. وقبل نحو اربعين عاماً أو أكثر ذهب طلبة بالصف النهائي بالمرحله الثانوية لاستخراج شهادة جنسية سودانية لكل منهم قبل ان يجلسوا لامتحان الشهادة السودانية وتم استثناء واحد منهم لم يمنح شهاده جنسية رغم انه مولود في السودان حيث تقيم أسرته وطلب منه أن يثبت انه سوداني وليس تشادياً وبعد أخذ ورد منح شهادة الجنسية وكتم غيظه وأسرها في نفسه وبعد أن أكمل دراسته الجامعية قرر مغادرة السودان وذهب لتشاد حيث جزوره وجدوده واستقر هناك ونال الجنسية التشادية واصطدم عندما اراد ان يعمل هناك بأنه يجيد اللغة الانجليزية ولا يلم باللغة الفرنسية التي يتم التعامل بها في مكاتب الدولة والتعاملات الرسمية وذهب لفرنسا وتعلم اللغة الفرنسية واجادها وعاد لتشاد وعمل بها موظفاً مرموقاً وارتقى حتى اعتلى موقعاً دستورياً رفيعاً قبل وفاته رحمه الله . وان دولاً في غرب افريقيا تتم معاملاتها الرسمية باللغة الفرنسية مثل تشاد والسنغال وافريقيا الوسطى وغينيا وتوجد دول أخرى في غرب افريقيا يكون التعامل فيها والاهتمام باللغة الانجليزية مثل نيجيريا وغانا وكان الرئيس المفكر كوامي نكروما من المجيدين للغة الانجليزية و قد درس ببريطانيا وامريكا وكان صديقه سكيتوري رئيس غينيا يتحدث باللغة الفرنسية وكان نقابياً عماليا ًوكان بين الرئيسين حاجز لغة وعند الاطاحه بالرئيس نكروما بانقلاب عسكري في عام 1966م وذهابه لكوناكري عاصمة غنيا في طريقه لأُروبا طيب سيكيتوي خاطره وقال إن دستور غينيا لو كان يسمح له فإنه يمكن أن يتنازل عن الرئاسة في غينيا ليتولاها بدلاً عنه نكروما الذي نزلت عليه كلماته برداً وسلاماً وشكره عليها.. وبالنسبة للرئيس الراحل ادريس ديبي فقد كان يلقى خطاباته في بعض المناسبات التي يزور فيها السودان باللغة الفرنسية وتتم ترجمتها ترجمة فورية وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي أجريت مقابلة صحفية مع أحد قدامى المعلمين بدارفور وذكر انه كان يعمل ناظراً بمدرسة مجلسية (صغرى) في احدى القرى القريبة من الجنينة بغرب دارفور وأتاه مرة في عام 1954م والد ادريس ديبي من تشاد على ظهر بعير وبرفقته ابنه ادريس الذي كان صغيراً في سنه وطلب منه إلحاقه بالمدرسة واستجاب لطلبه لصلة القربى بينهما وأسكن ابنه معه وأكمل ادريس ديبي دراسته بالمرحلة الصغري ومدتها ثلاثة أعوام وهذا يعني انه تعلم القراءة والكتابة ويتحدث بالعربي وتاريخ دخوله للمدرسة يشير لأنه من مواليد عام 1947م تقريباً أي أنه رحل عن الدنيا وهو في نحو الرابعه والسبعين من عمره تزيد أو تنقص قليلاً وليس ثمانية وستين عاماً كما نشر لانه لايمكن أن يكون قد أدخل المدرسة الصغرى وعمره عاماً واحداً. وبعد استقلال دولة تشاد تعاقب عليها عدد من الرؤساء هم تمبلباي وجوكوني عويدي وحسين هبري وادريس ديبي . وحدثت مناوشات في المناطق الحدودية الغربية بين السودان وتشاد في ستينيات القرن الماضي على عهد تمبلباي هناك والسيد الصادق المهدي هنا وذهب الأمير عبد الله عبد الرحمن عبد الله وزير الداخلية وقتئذ على رأس وفد لغرب دارفور للوقوف على الأوضاع على الطبيعة وخاطبه أحد المواطنين قائلاً له ولمن معه لا تحملوا هماً (وتمبل الهوان دا نحنا قادرين عليه) … وعندما كان الملك ادريس السنوسي يحكم ليبيا كانت الاوضاع هادئة على الحدود مع كافة الجيران وبعد الانقلاب العسكري الذي حدث في ليبيا في الأول من شهر سبتمبر عام 1969م وايلولة الرئاسة والسلطة والقيادة للشاب معمر القذافي الذي كان آنئذ في السابعة والعشرين من عمره ومنذ بداياته الاولى كان مندفعاً وممتلئاً بالحماس الدافق وكانت له طموحات زعاميه (نابليونية بونابرتية) وساعده في ذلك ان ليبيا دوله غنية واستغل هذه الاموال وصرف منها صرف من لا يخشى الفقر وأخذ يتدخل في الشؤون الداخلية لكثير من الدول. وتشاد المجاورة لليبيا كانت وما زالت فيها صراعات قبلية حول السلطة وقد تحدث مرات تحالفات في بعض المنعطفات بين بعضهم. والقبائل المتصارعة حول السلطة هي القرعان والزغاوة والعرب والبرقو وقبائل جنوبتشاد ومنهم السارا وطيلة فترة حكمه كان القذافي يتدخل تدخلاً سافراً في تشاد ويدعم طرفاً ضد الطرف أو الأطراف الأخرى وبسببه حدثت فتن كثيرة وأدخلت كميات كبيرة من السلاح في تشاد وكانت فرنسا تولي تشاد ومواردها ومعادنها ونفطها وكافة ثوراتها اهتمامها ولا يمكن أن تفرط فيها ومؤخراً اخذت تبدي عدم رضاها من حليفها الرئيس ادريس ديبي الذي ظلت تدعمه طوال ثلاثين عاماً وسبب عدم رضاها انه أخذ يفتح قنوات للتعاون ويسعى لتوطيد علاقاته مع روسيا والصين .. وظلت دارفور تتأثر بما يدور في ليبيا وتشاد ودخلها مقاتلون ولاجئون كثيرون كانوا عند الضرورة يبيعون اسلحتهم ولذلك تسربت اسلحة كثيرة وانتشرت في دارفور بطريقة عشوائية. وللحركات الدارفورية الحاملة للسلاح علاقات وتحالفات في ليبيا وتشاد وغيرهما. ولعل من بين حملة السلاح هؤلاء من ارتضى أن يكون اجيراً عند غيره في الخارج هنا وهناك. (واقول اجير تخفيفاً ولا اقول انه من المرتزقة) . والصراعات في ذينك البلدين ظلت لها انعكاسات في دارفور ولا ريب أن مقتل ورحيل الرئيس ادريس ديبي ستكون له تداعيات وانعكاسات في دارفور وستحدث إعادة تركيب وترتيب في المشهد السياسي الدارفوري الذي ينعكس بالضرورة على المشهد العام في الوطن. وعند بداية عهد الانقاذ كانت الهتافات تعلو (سنقود العالم أجمع) وأعلنوا انهم ساهموا مساهمة فعالة في تغيير نظام الحكم في اثيوبيا واسقاط منقستو واحلال ملس زناوي محله في رئاسة اثيوبيا وزيناوي الذي زعموا انهم ساهموا في تنصيبه رئيساً هو الذي فكر ودبر وخطط لقيام سد النهضة بالتعاون والتضامن والتمويل الخارجي وفي عهده بدأت عملية التنفيذ وكادت تكتمل قبل وفاته … واعلن قادة الانقاذ انهم ساهموا في تنصيب اسياسي افورقي رئيساً لارتريا وعندما تسربت اخبار عن سعيهم لتغييره انقلب عليهم وساند معارضيهم وفتح لهم ابواب اسمرا… وادعى قادة الانقاذ انهم اطاحوا بالرئيس التشادي حسين هبري ونصبوا ادريس ديبي في مكانه رئيساً لتشاد . وحدثت بعد ذلك خلافات بينهم وبين ادريس ديبي ادت لمساهمتهم في قيام حركة انقلابية فاشلة ضده وحاول هو بعد ذلك ان ينتقم ويرد لهم الصاع صاعين برعايته وتمويله لعملية الذراع الطويلة التي نفذتها حركة العدل والمساواة والرئيس ادريس ديبي كان يدرك أن تلك الحركة حتى لو وصلت للقيادة العامة ورئاسة الجمهورية فإنها غير مهيأة لحكم السودان لمدة ثلاثة أيام لأن الحكم وإدارة الدولة تحتاج لمقومات كثيرة وسند قاعدة شعبية عريضة في كل ارجاء القطر وتعاون وتحالف سياسي عريض.وادريس ديبي كان يهدف فقط من تلك الحملة لنصر اعلامي وهزيمة معنوية لنظام الانقاذ. وان العمليتين اللتين حدثتا في تشاد والسودان لم يستفد منهما البلدان شيئاً وليس فيهما بطولة ولكن فيهما حماقة وتكبد البلدان خسائر فادحة في الانفس والاموال. وتحسنت العلاقات بعد ذلك بين النظامين الحاكمين في البلدين وبين الرئيس ادريس ديبي ونظيره في السودان. والواجب اخذ الدروس والعبر والعظات من تلك التجارب……. وبعد رحيل الرئيس ادريس ديبي عن الدنيا وغيابه الابدي عن المشهد السياسي على مستوى تشاد وعلى المستوى الاقليمي ودول الجوار لاسيما السودان وبالاخص دارفور يطل سؤال ثم ماذا بعد ؟ !