ظروف بتعدي أغنية (ظروف بتعدي ماتهموا للأيام) الناظر إلى عباراتها وكلماتها يتخيلها وكأنها عتاب رقيق بين الشاعر ومحبوبته لما فيها من معاني العتاب الرقيق والنصح بجانب الامثلة والحكم التي تدعو للتمسك بجماليات الحياة والإيمان بما تسطره الأقدار بكل رضاء وطيب خاطر ويؤكد الشاعر ذلك عندما يقول (جمال الدنيا في لهفة سرور وجمال – في فرح الخواطر الطيبة في الآمال) خاصة وأن الشاعرالكبير الراحل المقيم عوض جبريل معروف برومانسيته الرقيقة وكلماته الحانية فهو الكاتب (شفت التوب ومالاقاني أجمل منو) و(حبيبي تغنوا لوشفتو) و(الشغل بالي أنا بريدو) و (لي حبيب شاغل بالي) …إلخ فلذلك يعلق بذهننا بصورة وطبيعية جداً بأن قصيدة جبريل تلك من القصائد الغرامية أو الغزلية الحانية التي تتتسيد معظم أعماله إلا أن تلك القصيد كتبها في بيته الذي جرفته السيول والامطار بالثورة الحارة (11) قبل سنين خلت فقال لزوجته ظروف( بتعدي ماتهتموا للأيام). إنهيار وأشعار وبما أن عوض جبريل كان يعمل في مجال البناء والتشييد إلا أنه كان هنالك تصدعا في جوانب منزله فنصحته زوجته عدة مرات أن يقوم بترميم وصيانة المنزل، إلا أنه كان مشغولاً بالبروفات والتسجيلات الجديدة واللقاءات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية، فأهمل المنزل كثيرا ولكن جاء ذات يوم بعد أن هطلت أمطار غزيرة عقبتها سيول جارفة بمناطق الثورات المختلفة ليأتي إلى منزله ويجد أن السيول والامطار قد جرفته تماما وحولته الى منطقة مدمرة بالكامل، ووجد زوجته في قمة غضبها وعنفوانها لإهمال زوجها للمنزل، وهي التي نصحته عدة مرات بصيانته . بجانب انه يستطيع فعل ذلك وبكل سهولة حينها جلس عوض جبريل في تل الكارثة ضاربة بهمومه عرض البحر ومواسيا زوجته، في محنتهم وبعد ذلك وعدها بأنه سيشيده على أفضل وامتن طريقة وفي أقرب فترة ممكنة . وحاول ان يخفف عليها ويهدئ من روعها ، فعوض جبريل يحب زوجته حبا جما لا يخفيه من أي شخص فهو القائل في زوجته (لو تعاين ليها تملأ ود عينك – ولو تعاين ليك ربنا يعينك – في الجمال معدوم البساويها – ومن زمن مشتاق قلبي هاويها). ولكن في هذه المرة وعلى حطام المنزل قال لها (ما تهتموا للأيام ظروف بتعدي – طبيعة الدنيا زي الموج تجيب وتودي ماتهتموا للايام) نزعة صوفية إيمانية قابل عوض جبريل موضوع انهيار منزله بكل صبر وايمان ولم يجزع ولم يضجر وكان يقول لزوجته وأبنائه عباس وأسامة (سبيل الزول عشان يفتح طريق يا دوب – يكون زادو البيشيلو معاهو شوق مشبوب – يضوق المرة ويتوشح بصبر أيوب) كان يوصيها بالصبر وتقبل مايريده الله فعوض إنسان مؤمن يثق في ربه ويثق في مقدراته الخاصة بصورة منقطعة النظير، ومن ثقته العالية جدا بنفسه انه كتب نصا وهو في بواكير شبابه في الثامنة عشر من عمره فصعد مباشرة وقدمه للفنانة الكبيرة التي كانت تتسيد الساحة في ذلك الوقت الفنانة فاطمة الحاج فكانت تلك اللحظة ميلاد اغنية (استحق صدك لاني حبيبتك حبيبي) ،، بعد ذلك الموقف الصعب من تهديم منزله وتشتيت ابنائه الصغار في العراء قال لزوجته بكل ثقة وجدية ان هذا المنزل تحطم بسبب الفن والفنانين وانا سأبنيه فقط غدا او بعد غد بسبب الفن والفنانين والشعر فقالت له زوجته إذا أردت أن تنبي من الغد فسأحضر لك المعاول ومعدات البناء فقال لها ، لا أحضري لي ورقة وقلم فقط ، وبالفعل جاءت زوجته بالورقة والقلم فامسكهما وأكمل قصيدة ظروف بتعدي ما تهتموا للأيام وهو في قمة تل حطام منزله. ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت بعد ان فرغ جبريل من قصيدته في وقت وجيز قام بتقديمها للفنان كمال ترباس الذي قال احس بان النص جاءني ملحناً لما فيهو من جرس موسيقي عال وتناقس في الابيات وتعبير صادق وجاذب لأبعد الحدود، بعد ذلك عكف ترباس في تجويد الاغنية وتحفيظها للفرقة فكان جبريل يشارك معهم في البروفة ويحاول معهم ضبط مخارج الحروف وتبديل بعض الاشياء الطفيفة حتى ينساب اللحن بل سهولة بعد ذلك بلغت الاغنية مرحلة النضج واصبحت جاهزة للتقديم. وقتها صادف وان حضر وزير الثقافة والاعلام بحكومة مايو اسماعيل الحاج موسى آخر بروفة لتلك الاغنية فقال لعوض جبريل الذي كان قد ابتدر الاغنية ظروف بتعدي ماتهتمي للايام فقال له الوزيرمن تخاطب في تلك الاغنية فحكى له قصة الاغنية فقال له لذلك اخاطب زوجتي واواسيها واقول لها لاتهتمي للايام فقال اسماعيل الحاج موسي دعنا نجعل البيت الاول ماتهتموا للايام بدلا من عبارة لاتهتمي التي تعتبر مجازا مرسلا لزوجتك فقط ونحن نريدها لكل الشعب السوداني فوافق جبريل وكتبها ماتهتموا للايام ثم انفرد الوزير بعوض جبريل يعرب عن اعجابه بجزالة المفردات وصدق المشاعر الجياشة في الاغنية وجمال اللحن ، لذلك قال الوزير لعوض كم تكلفة بناء منزلك فقال 75 جنيها فدفع الوزير المبلغ كاملا كهدية لجبريل من الوزارة فذهب عوض لزوجته هاشا وباشا وقال لها سنشيد المنزل بالاسمنت المسلح بدلا من الطين فقالت له كيف ذلك فقال لها الم اقل ان المنزل هذا تهدّم بسبب الفن وسنبنيه ونعمره ايضا بالفن فقالت له زوجته نعم صدقت فقال لها (مصير الزول حياتو يا ما فيها يشوف -وفي دنيانا بتلاقي الفرح والخوف وماتهتموا للايام .