أنهى نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، زيارة إلى تركيا مؤخرا على رأس وفد وزاري اقتصادي، اتفاقيات عدة وقعت، الا ان اللافت في الامر هو الزيارة نفسها، اذ ظلت خرطوم ما بعد سقوط البشير اقرب للحلف الخليجي المناهض لقطروتركيا؛ بل ان دقلو نفسه يعد واحدا من اقوى رجال تلك المحاور في الحكومة الانتقالية، بحكم علاقاته الممتدة منذ ما قبل سقوط البشير ابان حرب اليمن، مقابل حالة الجفوة غير المعلنة مع البلدان ذات الطابع الاسلامي وكذا كان الحال مع الدوحة. لكن سرعان ما تغيرت المواقف وزار حميدتي الدوحة ولم يطل الامر حتى حضر وزير الخارجية القطريالخرطوم، ليتأسس سؤال محوري، هل تعتزم الخرطوم تغيير وجهتها نحو قطروتركيا وخلق اصطفاف جديد؛ ام أن الامر لا يعدو سوى توسيع لدائرة العلاقات بما يخدم مصلحة الوطن؟. وصول بايدن كثيرون يرون ان ثمة متغيرات جوهرية يشهدها العالم عامة والمنطقة خاصة بعد ذهاب إدارة ترامب ومجيء إدارة الرئيس الأمريكى بايدن، هذه المتغيرات اعادت ترتيب موازين القوى من جديد وتعيد تشكيل التحالفات تبعا لذلك، هكذا يرى المحلل السياسي علاء الدين بشير في حديثه ل (السوداني)، ويشير الى ان المتغير الكبير والمهم أن النفوذ الكبير الذى كان لمحور "الإمارات" على المنطقة ضعف جدا بعد ذهاب إدارة ترامب. ويرى علاء انه وبعد ان طوت السعودية صفحة خلافها مع قطر، ومؤخرا بدأت خطوات لطي خلافات الدوحة مع القاهرة وكذلك هناك خطوات وتحركات لطي الخلافات بين أنقرةوالقاهرة، كل ذلك جعل نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع؛ يعيد قراءة المشهد ومستقبله الشخصي ومستقبل قواته؛ على ضوء المتغيرات الجديدة والمتسارعة في المنطقة، حيث برزت التهدئة من السعوديين والاماراتيين في كل من اليمن وليبيا. دور الدعم السريع وبحسب التحليلات فإنه من الطبيعي أن تلقى تلك المتغيرات التي أثرت على دور قوات الدعم السريع في الإقليم على دورها ونفوذها المستقبلي داخل المشهد السياسي في السودان، فهي مواجهة بسؤال مصيري يتعلق كقوات مستقلة ذات نفوذ حيث يضيق الحصار عليها تدريجيا لتجد نفسها أمام خياري التسريح والاندماج الحقيقيين وبصورة مهنية في القوات المسلحة أو تفكيكها وتجريدها من سلاحها ونفوذها العسكري الكبير. وأضاف: "وصلت إليها الإشارات والرسائل الصريحة بذلك من أمريكا في نشاطها وتعاونها المطرد مع القوات المسلحة، باعتبارها الجيش النظامي الوحيد الذي تعترف به، يضاف إلى ذلك التمارين العسكرية المشتركة المتواصلة بين الجيشين المصري والسوداني وقد قالتها القاهرة بصريح العبارة على لسان رئيسها السيسي قبل نحو عامين لرئيس جنوب إفريقيا الأسبق ثابو إمبيكي إنها ولدواعي متعلقة بأمنها القومي لا ترغب ولن تسمح لاي مليشيا أن تحل محل الجيش النظامي في مجالها الحيوي جنوباً بالسودان. الخروج من المأزق علاء الدين يرى أنه إزاء ذلك الواقع الجديد كان لابد لحميدتي وقواته وشبكة المصالح الكبيرة التي نسجت حولها أن تتحسب للمأزق الوجودي الذي يواجهها، وأضاف: "لذا جاءت تحركاته وشقيقه عبد الرحيم دقلو صوب تركيا، ويمكن قراءة زيارة الشقيقين في سياق المساومة لمحور والإمارات من جهة؛ وذلك بالتلميح بالبحث عن حاضنة إقليمية جديدة ذات نفوذ وتأثير كبيرين استطاعت أن تقلب موازين القوة لصالحها مؤخراً، ومن الجهة الأخرى ممارسة ضغوط على أطراف الشراكة في السلطة الانتقالية في السودان بأنه يمكن أن يقلب لهم ظهر المجن ويعرض خدماته على فلول النظام البائد من الإسلاميين والذين اتخذوا من تركيا ملاذاً لهم في حال قررت أطراف الشراكة الانتقالية الاستغناء عن خدماته وخدمات قواته في المرحلة المقبلة؛ أو إجباره على القبول بصفقة وترتيبات غير مرضية بالنسبة له وتكبح جماح طموحه السياسي المستقبلي وقد انهى حميدتي اجتماعا مهما ومفاجئا مع القيادات المدنية فى الشراكة الانتقالية ممثلا فى المجلس المركزي للحرية والتغيير قبيل طيرانه إلى تركيا بساعات". زيارة الاشقاء ويستدعي علاء الزيارة السرية لشقيق حميدتي "عبد الرحيم دقلو" إلى تركيا حيث استبقه بيومين وبصورة سرية جدا وبعيدا عن ترتيبات الدولة المعتادة لمثل هذه الزيارات أو حتى علم السفارة السودانية بأنقرة بها، الأمر الذي يقوي تلك الاستنتاجات التي نحت إلى أن الزيارة كانت لأجندة تخص قوات الدعم السريع وأسرة دقلو التي تهيمن عليها، ومعلوم أن عبد الرحيم دقلو لا يتقلد منصبا دستوريا في الدولة وكان على الاقل يمكن للملحقية العسكرية بسفارة السودان في أنقرة أن يكون لها علم بزيارة الرجل إن كانت مهمته ذات طبيعة عسكرية سرية. مهمة حميدتي ويلفت علاء الى ان زيارة حميدتي إلى تركيا، ولأن الأخير يحمل صفة دستورية في الدولة كان لا بد أن تكون معلنة بوصفها زيارة دولة وبدعوة من نائب الرئيس التركي فؤاد اكتاي والذي التقى حميدتي قبل نحو شهرين بنيامي عاصمة دولة النيجر في حفل تنصيب رئيسها الجديد ووجه له الدعوة لزيارة تركيا، ورغم أن حميدتي في تصريحاته قبيل وبعد العودة من أنقرة ربط مباحثاته هناك بالملفات الثنائية بين البلدين لكن الشواهد تقول إن الرجل ليس مطلعاً على تلك الملفات الثنائية بل إنها لا تقع في دائرة اختصاصه من الأساس كونها جزءا من ملفات السياسة الخارجية والتي وفقا للوثيقة الدستورية شأن تنفيذي يقع على عاتق وزارة الخارجية علاوة على أن وزيرتها مريم المهدي لم تكن ضمن الوفد الذي رافقه إلى هناك. إعادة التوازن وتذهب أستاذة الدراسات الدبلوماسية بجامعة الخرطوم د. تماضر الطيب في حديثها ل (السوداني) إلى أن الزيارات جزء من نشاط السياسة الخارجية للحكومة لعدد من دول المنطقة وتشدد على أنها لا تحبذ ربط المشاكل الداخلية بالسياسة الخارجية، وترى انه صحيح هي لا تنفصل في بعض الاحيان خاصة اذ كانت هناك مؤثرات داخلية تنعكس خارجياً، وقد يكون نتيجتها تغير المحاور على المستوى الاقليمي، وتلفت إلى أنها تعتبرها زيارة موفقة في إطار إقامة علاقات خارجية متوازنة بعيدة عن الاستقطابات والمحاور، وتضيف فى حديثها ل (السوداني) بان زيارة حميدتي قد لا تنفك مما يجري في التغير الذي تشهده المنطقة العربية، وتركيا دولة كبيرة وقوية ولديها استثمارات في السودان والاهم لديها الاستعداد للتعاون مع السودان، واضافت: في رأيي الزيارة تأتي فى اطار اعادة التوازن فى العلاقات الخارجية السودانية. تحييد أنقرة وفي المقابل يقول الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم إن علاقات السودان بعد الثورة ظلت باردة مع البلدان المتعاطفة مع الإسلاميين، لذلك تاتي هذه الزيارة لازالة التوتر في هذه العلاقات على الحكومة الانتقالية أن تعيد التوازن في علاقات السودان الخارجية. ويضيف فى حديثه ل (السوداني) انه ربما ينجح حميدتي في توضيح صورة اوضاع السودان بعد الثورة، وربما يتم تحييد موقف تركيا فتتغير سياستها تجاه عناصر النظام السابق الموجودين في تركيا.