لم يكن أحد يعلم ان شهور التدريب التي تتركز حول الضبط والربط في عمل الشرطة انها ستسقط سريعا في امتحان مكشوف للجميع. ولعل الهتافات المناوئة لوزير الداخلية في ساحة الحرية مؤخرا، وعبارة "ما دايرنك" أبلغ دليل على ذلك. ما حدث شأن شرطي داخلي رغم امتداد تأثيراته إلى خارج حوش المؤسسة الشرطية العريقة. لكن ما يعاب على ذلك ان هذا المسلك الخطير ينظر له الشارع بعين ساخطة وفقا لمضمون اهمية الانضباط وفقا للتراتبية العسكرية، والتي تقوم في أساسها على احترام الرتب العسكرية حسب الترتيب الهرمي السائد كما في كل الدنيا. ما يهم الشارع السوداني كثيرا هو الأمن، ولان الفطرة السودانية السليمة المسالمة ترفض المساس بالأمن، والأمن مسؤولية الجميع وفقا لنصوص دينية، وهو في الأساس مهمة القوة المدربة من الشرطة وفقا للقانون السوداني، غير ان السودانيين في الآونة الأخيرة شاهدوا بام أعينهم ما لم يروه من قبل، وفقدت فيه العاصمة الخرطوم شرف أكثر العواصم الافريقية أمنا ورأينا انفراط عقد الأمن وتسعة طويلة والسرقات الليلية وحتى القتل داخل البيوت ، وباتت نعمة الأمن على المحك، وبدأ الناس في تسليح أنفسهم، بل حملت حتى النساء الأسلحة البيضاء، والرجال الأسلحة النارية والبيضاء، وهذا نتيجة لسد فراغ الأمن الذي تقاعست فيه المؤسسات الأمنية. قد لا يعلم الناس ماهي الأسباب الجوهرية التي دعت الشرطة لتركهم فريسة هؤلاء المجرمين وبتنا نسمع هنا وهناك مبررات غير مقبولة اطلاقا. فالعهد الذي بيننا كمواطنين والشرطة هو حفظ الأمن، حال انفراط عقد الأمن تكون بذلك انتفت مشروعية وجود قيادات وأفراد الشرطة الذين يساوم بعضهم بين زيادة مرتباتهم أو ذهاب أرواحنا وترويعنا من قبل المجموعات المتفلتة. رب ضارة نافعة الشرطة كجهاز يجب ان يكون قوميا ويجب ان يتم تنظيف أصحاب الأجندة الحزبية الضيقة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. لا يريد السودانيون من الشرطة ان تعلمهم كيف يصلوا أو يصوموا. ولا تريد منهم عملا ليس من صميم مهامها. تريدهم وطنيين متجردين تماما. فالجميع يعلم ان تنظيم الإسلامويين فعل فعلته في الأجهزة ورأينا بام أعيننا الاستمارات التي توزع والتزكية المحصورة على الإسلاميين أو أقاربهم أو من لا يخشونهم . صحيح ان من حق أفراد الشرطة المطالبة بتحسين معاشهم، ولكن ليس من الأخلاق أن يكون ذلك أو انفراط عقد الأمن. العلاقة بين الشرطة والمواطن ليست على ما يرام، فقد مرت مياه كثيرة خلال وبعد الثورة، وانتظر الناس كثيرا تحسين هذه العلاقة، وهي ليست صعبة "الخطاب، الاحتواء، الأسلوب، السلوك، الانضباط" من خلال خلق واقع جديد كان بامكانه رتق ما انفتق من علاقة كانت مسمومة بسبب ممارسات طويلة جدا استمرت طيلة عهد النظام البائد. والشرطة جهاز مدني، بالتالي يفترض ان تتحلى بهذا الخطاب ومافيه من جمال. ولكن الواقع لم يتغير كثيرا وهذا ماخلق حالة الفجوة بينها والحاضنة الشعبية التي جاءت بالتغيير. إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية مطلب ثوري ولا رجعة فيه عاجلا أو آجلا. لقد لعب الإسلامويون بالمنظومات العسكرية دون استثناء وتمت أدلجتها بالكامل للحزب وليس للوطن وهي طيلة تاريخها ما قبل ديسمبر لم توجه بنادقها إلا لصدورنا. لابد من منظومات عسكرية ولاؤها للوطن وليس للنظم الحاكمة.. ومعبرة عن كل شعوب وإثنيات السودان وليس جهات بعينها. ومحايدة إلا من الدفاع عن الحدود وكرامة المواطن. إعادة الهيكلة تعني أيضاً تحسين أوضاع منسوبي الشرطة ولكن لا تعني ان يتعاملوا بعدم مسؤولية مع واجباتهم في حفظ الأمن. ختاما، إلى السيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك: معالجة اشكالات الشرطة يجب ان تكون سريعة وبمبادرة منكم لكل الأجهزة الأمنية، هذه الأجهزة لها مالها وعليها ماعليها، فهي مليئة بالشرفاء الذين خرجوا من بيوت الستر والعفة والفضيلة. فالهيكلة يجب إعادة النظر في تركها المؤسسة العسكري، بحسب الوثيقة الدستورية، وحدها وإصلاح الأوضاع المعيشية يجب ان يتبناها الشق المدني وهي مبادرة مهمة للغاية ستكون لها انعكاسات يجابية كبيرة على حكومتكم والبلد.