ما زالت لغاتنا ولهجاتنا المحلية بخير وبعافية ما دامت فيها القدرة على تقصي ومجاراة آثار السلوك الإنساني وقراءته بعمق وإيجاد ما يلزمه من توصيف مقنع، هذا على عكس ما يراه البعض أن هذه اللهجات في طريقها للاضمحلال، باعتبار أن السلوك الإنساني تدفعه نوازع كامنة في نفوس البشر هي التي تحدث الاستجابة وردة الفعل المصاحبة لها، وقد أشرت في مقالات سابقة لشخصية (الكلوسة) التي ابتدعتها اللغة النوبية ترمز بها من خلال معنى كلمة كلوسة وهي (الملتصقة) عادةً لجسم آخر لأنها مهزوزة الثقة في ذاتها وفي قدراتها، وبالتالي لا بد من الاستعانة بآخر أو آخرين لتسويق نفسها في المجتمعات، ومن ملامحها أنها كالغانيات يغرها الثناء، ومن تفرعات هذا السلوك أن كلوسة تعتقد جازمة أن فيها من الذكاء والقدرة على المناورة ما يخفي على أصدقائه وكل زملائه بل كل من معه في المحيط الاجتماعي هذا القصور المتأصل فيها والذي تجتهد في إخفائه بالحضور المكثف واستخدام كل وسائل الدعاية في إذكاء الذات، وكنت آخال نفسي أنني الوحيد الذي نفذ في إدراك هذه الأبعاد في كلوسة إلا أن المفاجأة التي ألجمتني أن كثيرين من المحيطين بها يعرفونها ولا تنطلي عليهم أحابيل وقفزات كلوسة بين أهل العلم والمعرفة والحكمة، يمجد هذا ويثني على ذاك وهي في ذلك تقدم السبت كما تقول الحكمة السودانية في إطار التمظهر دائماً وادعاء النبل الإنساني والمروءة والأخلاق وارتياد محافلها، وبالطبع هذا لا يعني أن كلوسة خالية الوفاض من كل ملمح تعبر به ويضمن لها قدر من الوجود، فكلوسة تتميز في هذا المجال بسرعة الانتقال من حالة إلى أخرى ومد أواصر المعرفة والصداقة مع المشاهير ونجوم المجتمع ويا للويل والثبور إن رفض أحدهم أو أدرك انتهازية وأنانية كلوسه ومقاصدها الشريرة فهي في هذا الحال تنقلب إلى شخصية شرسة وعدائية تسعى بشدة لإشانة سمعة ذلك الذي رفض وده وتقربه والتقليل من شأنه والتشكيك في قدراته ومعارفه، ولا يتوانى في أن يمشي بين الناس بالنميمة (والقطيعة) تجاه ذلك المشهور الذي أدرك بحسه العالي أن (كيس) كلوسه خالي من إفادة ذات قيمة، ولعل القاسم المشترك في شخصية كلوسه والتي أتناول سلوكها قدرتها في اصطيادها لمساقط الضوء ودس أنفه فيها بقناعة أنها لا بد سيشملها شيء من الفائدة المادية المباشرة أو فائدة معنوية تتحول على المدى البعيد ومن خلال تمحورات وتحولات إلى فائدة مادية .