أنا الجنرال توماس سرليو سوكا رئيس جبهة الخلاص الوطني التي تم تأسيسها في 6 مارس 2017م. أما على المستوى الاجتماعي فأنا من مواليد 1964م تلقيت التعليم الابتدائي في جوبا والثانوي في رومبيك وامتحنت في ملكال، وتخرجت في الكلية الحربية السودانية ضابط دفاع جوي وعملت في بورتسودانوجوبا وغيرها من مناطق السودان. واجتماعياً متزوج ولي أطفال. ومتى كان انضمامك للحركة الشعبية؟ انضممت للحركة في 1992م، وبعد نيفاشا في 2005م وأصبحت أول قائد للقوات المشتركة من جانب الحركة الشعبية. تقلَّدْتُ عدة مناصب منها منصب مدير عام إدارة الجيش الشعبي في القيادة العامة، ثم أصبحتُ نائب رئيس الأركان للتدريب والبحوث، ثم تولَّيتُ منصب نائب رئيس الأركان للإمداد، ثم نائب رئيس هيئة الأركان. تُعَدُّ من الضباط الذين يحظون باحترام كبير في الجيش الجنوبي.. لماذا؟ ذلك يعود إلى أنني وضعت حياتي في خدمة إنسان الجنوب، والسودان كله قبل الانفصال.. ومنذ أن أصبحت ضابطا في القوات المسلحة قررت أن أكافح من أجل شعب السودان بما فيه شعب الجنوب.. وخلال فترة النضال كان مشهوداً لي بالأمانة والإخلاص للإنسان في السودان. تقلُّدك للعديد من المناصب هل كان بفضل شخصيتك أم التدرج العسكري الطبيعي خصوصاً أنك صغيرٌ في السن؟ بحكم التدرج العسكري الطبيعي، ولكن أيضا إمكانياتي الشخصية في العمل وإصراري على أن يتم العمل بكل إخلاص ووطنية في اعتقادي ذلك كان من ضمن الأسباب. إبان الحركة الشعبية قدت الجبهة الشرقية.. وفي الجيش السوداني سابقاً كنتُ في الشرق.. ما سرُّ ارتباطك بشرق السودان؟ صحيح، عملت في شرق السودان عقب تخرُّجي من الكلية، لكنني عدت إليه مرَّة أُخرى بعد انضمامي للحركة حيث نُقِلْتُ أثناء الحرب من الجنوب إلى الجبهة الشرقية في 1999م حتى 2005م. يقال إنك أعلنت موقفك السياسي من داخل الكلية الحربية.. ما حقيقة ذلك؟ انضمامي للحركة الشعبية جاء من جوبا ووقتها كنت برتبة الرائد.. لكن البداية الفعلية للتفكير في الخروج والانضمام كانت خلال فترة وجودنا في بورتسودان عبر إجابة سؤال كيفية مساندة شعب السودان بما في ذلك جنوب السودان. ما هي دوافع انضمامك للحركة وجعلك من أبرز قادتها؟ انضمامي للحركة الشعبية لا يختلف عن الأسباب التي دفعت الكل للانضمام من الآباء والإخوان، ولكن كل إنسان وآخر تختلف درجة إيمانه بالقضية ولعل هذا ما ميَّزَني عن الآخرين. كيف كانت علاقتك بقرنق؟ علاقة رئيس وقائد ومرؤوسيه.. وعلى المستوى الاجتماعي لم يحدث وأن بقينا في مكان واحد لأنني في الميدان بشكل متواصل، بينما هو دائم الحركة في الجبهات، واقتصرت لقاءاتنا على الاجتماعات والمؤتمرات وبعض العمليات التي كان يشهدها. هل شعرت بالإحباط لدى فشل الحركة في تحقيق الاستقرار بجنوب السودان؟ الانتكاسات بدأت عندما بدأ قادة الحركة الشعبية في التقوقع والانغلاق والرجوع عن أهداف الحركة الشعبية الوطنية ليخدموا أنفسهم والمنظمات العشائرية والقبلية في الجنوب، وابتعدوا عن الأهداف الوطنية للحركة الشعبية التي راهنوا على تحقيقها لتأسيس دولة تسع الجميع بعيداً عن القبلية وبالمساواة والاحترام، وقرروا التنصُّل عن مسؤولياتهم الوطنية.. وكان ذلك سبب الخلافات داخل الحركة والصراع حول السلطة والثراء والمال وهو ما أدى إلى حرب سبَّبَت الدمار وقتل النفس وحدوث الاغتصاب، وأهدروا دماء المساكين وحطموا كرامة الجنوب محلياً وعالمياً ونهبوا ثرواته، لهذه الأسباب نقول إن هؤلاء الناس خدعوا شعب الجنوب بشعارات التحرير والحرية وأثبتوا في نهاية أنهم لا يستحقون أن يكونوا قادة للجنوب. فمن يظلم الناس ويضطهدهم لا لون له ولا دين ولا قيم أو جنس ويمكنه أن يستعمر الناس، وكمناضل أفهم تماماً ما معنى النضال في سبيل الكرامة الإنسانية، وكل إنسان ظالم لنا حق مقاومته مهما كانت قرابته وهو حق مشروع. كيف استطعت إحداث قطيعة نفسية وأن تخلع بزة ضابط في جيش حركة إلى ضابط في جيش دولة؟ هناك استراتيجيات وضعناها بعد الحرب لتحويل الجيش الشعبي إلى جيش وطني محترف لحماية أرض الجنوب وشعبه، وأن يحترم الحكم المدني الديمقراطي.. لكن لأسباب جهوية تخص قيادة الجنوب قرروا عدم تنفيذ هذه الاستراتيجيات لأن تحويله إلى جيش وطني ومحترف سيُصعِّب مهمة السياسيين الجهويين في أن يستخدموا الجيش لمصالحهم الخاصة، لذا وقفوا ضد التحول، وحاولوا تحويله إلى جيش قبلي عشائري، ليستخدموه لتكريس سلطتهم. هل تحدثت في كذلك للعسكريين من الضباط والجنود؟ من اليوم الأول من داخل الأحراش كنت واضحاً ومواقفي واضحة ومعلنة للجنوبيين، وكنا نواجه القادة بوجود عمل قبلي ممنهج للسيطرة على الحركة الشعبية والجنوب، ووقفت ضد ذلك.. وأنا من القلائل الذين سعوا لبناء جيش وطني حتى أثناء النضال، وبعد الحرب كان همنا ذلك فكنا نحضر الجنود من كل المناطق ونخلطهم ببعضهم حتى يتحول إلى جيش قومي. هل كنت انفصالياً؟ شخصياً كقائد حر جوهر النضال الذي قدناه هو تحرير إرادة إنسان السودان كله آنذاك، بعد ذلك مسألة تقرير مصير أي إنسان تتوقف على إرادة الإنسان نفسه بعد تحرره.. كما أن وجودنا في الأحراش للنضال لا يعني أن نقرر لشعب الجنوب ولا أن نقوده في اتجاه غير مقبول له. متى شعرت بالإحباط؟ مشكلات الظلم في الجنوب لها تاريخ طويل، وبالطبع حاولنا الحديث مع القيادة في الجنوب عن منهج قبلية الجنوب ونهب اقتصاده، لكن لم يسمعوا فقررنا أن تكون لنا ثورة. متى كان ذلك قبل أحداث 2013م أم بعدها؟ قبلها. إذن لما خرجت متأخراً في 2017م؟ كعسكري استراتيجي كنت أقرأ الموقف السياسي والعسكري والاجتماعي في المنطقة، وأبحث عن نقطة أو الفرصة الاستراتيجية للانطلاق، فأي ثورة تنطلق إذا كانت هناك قيادة واعية فلا بد أن تخطط لها وهو ما كان طيلة تلك الفترة. وكيف تعايشت مع إحساس الخوف من انكشاف مخططاتك؟ ليس خوفاً في الحقيقة، فالثائر المؤمن لا يخاف، بل يضع ترتيبات تحوطية ويستصحب الحذر. كثيرون يتهمون جبهة الخلاص بأنها تعبر عن جهة ولونية محددة؟ بالطبع في بيئة ملبدة بالقبلية والعشائرية وكل الأمراض الاجتماعية كالموجودة في الجنوب، من السهل الرمي بحجارة القبلية والعشائرية والإقليمية لأن الناس في الجنوب فقدوا الثقة في أنفسهم.. فإذا كنت قادماً من راجا وتحركت سيقولون هذه حركة راجا، ومن جوبا سيقولون حركة جوبا ومن تبوسا حركة تبوسا وهكذا.. وأصبح من السهل تلبيس ذلك القميص؛ لكن جبهة الخلاص الوطني هي جبهة وطنية ثورية تشمل كل أبناء وبنات الجنوب، وموجودون في بحر الغزال وأعالي النيل والاستوائية، ومن الممكن لأي ساذج أو قبلي النظر للأشياء، فالكراهية والقبلية تعمي الإنسان. وهل بالفعل تم اتهامك شخصياً بذلك؟ أنا من الاستوائية من قبيلة الباريا، بالتالي يمكن تلبيسي ذلك القميص من أول يوم ويقولون: ثورة الباريا أو الاستوائية أو غير الدينكا، كل هذه الأقمصة موجودة في الجنوب.. هم يحاولون تلبيسنا ذلك ونحن نقول: قميصنا شعب الجنوب وليس بالكلام ولكن بالأفعال. وبالعمل الوطني لكل الجنوبيين، أنا كشخص لم أقد قبيلتي طيلة حياتي في العمل العسكري أو الاستوائيين كمجموعة بل قدت كل أبناء السودان في الحركة. من الأزمات السياسية المزمنة "تنظيم الرجل الواحد".. حالياً الجبهة تعاني من ذات الأمر، فلا أحد معروف باستثناء توماس سيرليو؟ حقيقة هناك الكثير من النجوم ومعي حالياً الفريق فائز إسماعيل رئيس هيئة الأركان للقوات، والفريق خالد بطرس نائب هيئة الأركان عمليات من المورلي، وهنري وايا نائب إمداد، نحن من كل الجنوب، ولدينا لجان سياسية وطنية ورؤساء لجان من كل أقاليم الجنوب.. نحن نعكس الوجه الحقيقي للجنوب. لما لم تتحالف مع رياك مشار؟ لم نرفض التحالف معه، هو من رفض التحالف معنا، وعملنا في كينيا وخرجنا بوثيقة التحالف وجئنا إلى أديس أبابا وبعد الاتفاق على العمل معاً، قرر مشار العمل منفرداً.. ونتمنى في المستقبل أن نتحالف. منذ اليوم الأول للجولة في الخرطوم كان يبين على وجهك عدم الرضا.. لماذا؟ ممكن تكون هذه قراءة الناس، لكن ما يهمنا هو تحقيق ما يطلبه الضعفاء في الجنوب في الترتيبات الأمنية، وتوفير غطاء أمني وطني لكي لا يتم استغلاله من قبل القبليين والجهويين في الجنوب. وهمنا أن يكون الغطاء من كل الجنوب، وكان همنا وضع مباديء قومية لبناء جيش وطني في الجنوب.. هذه هي الهموم التي نحملها في الترتيبات الأمنية، فإذا رأى الكثيرون أن تقاطيع وجهي لا تعكس شيئا إيجابيا، فهذا طبيعي لأننا وقتها كنا في معركة التفاوض، كما أننا ننتظر أن نحصد ما زرعناه. كما يقول البعض، غابت عن الترتيبات الأمنية الكثير من التفاصيل المهمة.. ألن يؤثر ذلك على استمرار الاتفاق؟ أعتقد أن الأساسيات في الاتفاق تم تضمينها لهذا السبب وقعنا، ونثق في أنه لا يمكن إجبارنا لأنه مصير شعب.. كما أن الإخوة في السودان بذلوا مجهودا كبيرا ووضعوا أسسا كنت أسعى لها لبناء جيش وطني في الجنوب، لذا وقعنا.. أما التفاصيل فإنها متروكة للمؤسسة التي ستقود الجيش من كل الأطراف ودورها في تأمين وتنفيذ الاتفاق. إذا تم الاتفاق بسلام عقب الفترة الانتقالية.. هل ستترشح لرئاسة جنوب السودان؟ همي هو تحرير الإنسان في الجنوب، ومسألة من يقود متروكة للشعب أيضا. هل ستُرشّح نفسك؟ هذا أمرٌ متروكٌ لذلك الوقت. وإذا أتت بك قواعد الجبهة؟ إذا كان طلبها ذلك قد أنصاع لتلك الإرادة. يقال إنك حين انضممت للحركة كان ذلك من الكلية بعد اعتدائك على دفعتك ما حقيقة ذلك؟ كثيرون جدا قادة لي وآخرون أنا كنت قائدا لهم متواصلا معهم.. بعد السلام كنت قائدا للقوات المشتركة ووجهت لي الدعوات لأصدقاء من الضباط في منزل أحد قادتي بالحاج يوسف وضمت من عملوا معي في بورتسودانوجوبا وكانت سهرة حتى الصباح أعدنا فيها الذكريات. كما قررت زيارة الكلية الحربية لأسلم على (التعلمجية) لأنهم من ربونا وخلقونا والتقيت ببعضهم.. الآن بعد وصولي الخرطوم كانت هناك مناسبات اجتماعية عائلية لدفعتي وحضرتها معهم.