بمداد من الحزن والأسى نكتب، وبدموع الألم والنحيب نشكل أحرفنا، وبقلوب راضية بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره نعمم مقالنا. فإن القلب ليحزن وأن العين لتدمع وإنا لفراقك يابو هريرة لمحزونون ومكلومون ومجروحون ولا نقول إلا ما يرضي الله(إنا لله وإنا إليه راجعون)، ولقد عشت فينا أبياً كريماً ورحلت عن دنيانا أبياً كريماً فقيراً لا تمتلك من تلك الدنيا الزائلة إلا حب الآخرين ورضاء الوسط الذي تعمل فيه، وماذا أقول أو أكتب عن شخص بكاه ونعاه خصومه ومنافسوه قبل أصدقائه ومحبيه، فدموع الرجال ونحيبهم عليه في سرادق عزائه لم تكون إلا شاهد إثبات لعظمة مكانته ومرارة فقده . (1) كنت فينا الرياضي المثالي والقائد المحنك والعارف والملم بأمور قيادته فعجزنا أن نكون مثلك في الرياضة لأننا نثور ونضجر وننفعل ونتفاعل (بهستيريا) جنونية عند النصر أو الهزيمة، ونحن نتعجب عنك عندما نرى وفاءك اللامحدود للشعار الذي تحبه وكرمك الفياض للدفع به لمصاف التتويج والإنجازات ولكن تزيد دهشتنا عندما نراك تبتسم عند الخسارة . وتهنئ الفائز بالنصر وأنت الصارف دم قلبك من أجل الفوز !! وتعلوا وجوهنا الدهشة عندما تنال مرادك وتنتصر فلا تهاتر ولا تكابر وتمسك بيد خصمك وتخفف عنه وتقول (هاردلك) وهو الذي كان يكويك بنيران السخرية والمهاترة عندما ينتصر عليك ، أي أخلاق هذه ومن أي كوكب أنت ؟؟. (2) كان كالنحلة في العمل وكالصالحين في الإخلاص والوفاء وخير دليل على ذلك أنه لم يأخذ إجازةً أو إذناً قبيل أيام زفافه الميمون وكان أول وزير في السودان يباشر عمله ويداه مخضوبتان (بالحناء)، وقد قاربت لحظات زفافه والمعزومون على مشارف بيته وهو لايزال يرابط بين المكتب والاتحاد واستادات ولاية الخرطوم . نال أبوهريرة شرف أول من أسس هيئة متكاملة للبراعم والناشئين ، فأنشأ الاستادات والملاعب وأكمل البنية التحتية كأجمل ما يكون . وبدأ بتكوين أقوى وأفضل فرق المراحل السنية المختلفة بعيداً عن النظرة الضيقة والمحدودة نظرة هلال مريخ ، فكانت الكلية للاعبين الناشئين من أمبدة والثورات والكلاكلة والحاج يوسف والجبل وعدد من المناطق الطرفية والهامشية…إلخ بمثلما كانت الملاعب الجديدة والحديثة أيضا بتلك المناطق النائية وأبعد منها، بعد أن ركز على الأطراف والمناطق الهامشية كأنما كان يريد أن يقول (الرياضة للجميع). (3) هاتفني أبو هريرة في إحدى المرات على أن آتيه عاجلاً بالفندق الكبير. فذهبت إليه ووجدته حول حوض السباحة جالساً على كرسي وقد أرخى ظهره تماماً على نهايته ومدد رجليه وهو لا يعلم أنني وصلته وكنت أقف بجواره وهو لا يحس بي لأنه كان يذرف الدمع فسلمت عليه ومسح دموعه وقتها وحاول اختلاق ابتسامة بين دموعه فكانت فاترة بسبب مايحمله وما يعتريه فقلت له (خير ياريس)، فقال بصوت يعلوه الحزن والحسرة (العلم العلم) ياسعيد، فقلت أي علم، فقال لي علم السودان سيُنكس في الأيام القادمة في دولة جنوب السودان، ويُنزل ويرفع علم دولتهم الوليدة، فقال لي نريد أن نحدث تظاهرة إعلامية قومية ووطنية تحافظ على هيبة العلم، فقلت كيف، فقال لي أريدك أن تجمع لي أكبر قدر من المصورين الإعلاميين لتغطية ذلك الحدث. فقد قام أبوهريرة ورفاقه باستدعاء أكثر من أربعين فناناً موشحين بأعلام السودان ليقوموا بتوزيعه في كل الطرق والشوارع على العاصمة وعلى رأس هؤلاء الفنانين الراحل محمود عبد العزيز والفنان جمال فرفور وخالد الصحافة وحسين الصادق ….إلخ من الشباب وقد كانت هناك جوائز لأفضل سيارة مزينة بعلم السودان وجائزة لأكبر علم وجائزة لأكثر المناطق التي سينتشر فيها علم السودان وجائزة لأفضل الأشعار والكلمات التي تُغنى وتكتب للعلم فتزينت الخرطوم بأعلام السودان كما لم تتزين من قبل وكانت تظاهرة وطنية قلما أن تتكرر مثلها . (4) أبوهريرة إنسان خلوق و شفاف لأبعد الحدود و لايعرف ذلك إلا من عاشره عن قرب . وقد شهدته أنا ورفيق دربه وصديقه الاستاذ ايمن مبارك عندما وجدناه يجهش بالبكاء فاستفسرنا علام البكاء فكانت الدهشة ان ابن شقيقه المرحوم قام باهدائه شيئا خاصا له وقع كبير في نفسه ، وقد تعودنا ان يقوم كل المسؤولين بالدولة بإقامة المؤتمرات ودعوة الإعلام إذا ما قاموا بإنجاز أي شيء يخص الدولة إلا ابو هريرة عندما يفتتح استادا أو منشأة عملاقة وتوضع عليها علامة التميز والانجاز نجده ينخرط في موجة بكاء (هيستيرية) حتى نظن انه لا يسكت ، فيكتفي بهذا الختام. (5) كان أبو هريرة يطبق قوانين القيادة الرشيدة على نفسه قبل ان يفرضها على موظفيه فقد عملت معه مديرا تنفيذيا في شركته (الناي للانتاج الفني والاعلامي) فقبل ان يحثنا على المجيء مبكرا نجده يطبقه على نفسه اولا ونراه قد اتى قبل العاملين والموظفين بفاصل زمني حوالي ساعة أو يزيد ، حينها قررت يوما ان اسبقه فجئت عدة مرات ووجدته امامي ولكني ذات يوم حضرت مبكرا وقبيل شروق الشمس وكنت واثقا كل الثقة الا اجده ولكني تفاجأت بوجوده وعندما قرعت الباب لم يفتح لي وفي اليوم الثاني والثالث ايضا كررت المشهد فأراه من خلال الزجاج ولا يفتح لي حتى تضجرت من ذلك الفعل واغتظت غيظا شديدا، ولكنني احتقرت نفسي عندما علمت انه يأتي للمكتب مباشرة بعد صلاة الصبح من المسجد فيغلق المكتب حتى يفرغ من قراءة جزأين قبل شروق الشمس داخل المكتب ومن ثم يفتحه بعد انتهائه من الجزأين مباشرة . (6) اطلق الكثير من المتابعين لمسيرة ابوهريرة عليه لقب سجين النظامين فقد سجنه النظام الذي كان يخدمه وافنى فيه زهرة عمره وشبابه ظلما وجوراً وبهتانا وخير دليل على ظلمهم له رجوع الذين ظلموه وسجنوه ليعترفوا بنقائه وصفاء سريرته وينصبونه وزيرا، ظنا منهم بأنهم بذلك المنصب قد يكفرون عن اخطائهم تجاهه وهم لا يعلمون ان ابو هريرة قد قبل ذلك المنصب حبا لخدمة الوطن والرياضة التي كانت عشقه وحياته ،اما السجن الثاني فهو عندما حبسه المجلس العسكري قبل تشكيل الحكومة الانتقالية دون توجية تهمة معينة، وافرج عنه دون محاكمة بعد ان فقد جل نظره وعافيته داخل أسوار السجون ليدخل الزنازين عريسا يداه مخضبتان بالحناء ، ليعاود معه السجان من كوبر الى مستشفى علياء ويداه مقيدتان بالسلاسل مكان (الحناء) ، خرج ابوهريرة من السجن شاحب اللون هزيل الجسد بعد ان اعياه داء السكر يشكي من جرح غائر في رجله ، بعد ذلك سافر خارج البلاد بحثا عن العلاج حينها لم يستغل ابوهريرة الغربة والبعد عن سجانيه ومن تسبب في وصوله لتلك المرحلة المتأخرة ليقوم بمهاجمتهم والتنكيل بهم عبر الوسائط المختلفة ، وهو من اكثر العالمين ببواطن الامور السياسية داخل هذه البلاد ، الكثير من الناس وحتى تلك اللحظة لا يعلمون ان ابا هريرة مات وهو لايمتلك سيارة خاصة وفارق الدنيا وليس له منزل او قطعة ارض حتى بعد زواجه اتجه الى منطقة البراري واستأجر فيها شقة ومات مستأجرا لا مالكا ، وأني لأحسب ابا هريرة عند الله شهيدا فهو الذي خرج من زنازين سجانيه مريضا وجريحا ولقي ربه في رحلة استشفائه وايام مرضه ، بعد كل تلك الابتلاءات والمصائب التزم ابو هريرة الصبر الجميل وعفا عمن اساءوا اليه وهذه اخلاقه وصفاته التي نعرفها عنه ونشهد له بذلك يوم لا ينفع مالا ولا بنون ألا رحم الله ابو هريرة وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا .