…"كنت أعتقد أنه سيعود إلى التلفاز ويحول قصة الكورونا هذه إلى مزحة…". قالها الآلاف من معجبي الممثل الكوميدي الأشهر في اليابان كين شيمورا، الذي لم تقتله نوبات الضحك التي أودت من قبل بحياة الفيلسوف اليوناني خريسيبوس أحد أقطاب المدرسة الرواقية، وهو يشاهد حماراً يأكل تيناً، وإنما تسللت إلى صدره فيروسات الكورونا التي عبرت خطوط الطول والعرض لتلك الأقاصي البعيدة ليدوي صوت مصرعه في المدينة وبقايا ضحكة على محياه.. خلال سني حياته التي وهبها لطبع ابتسامة على وجه شعب جاد وعصي الإضحاك. نال كين شيمورا شهرة واسعة مع فرقته "درفترز" التي تقدم منذ عقود موسيقى الروك آند رول والكوميديا اليابانية، كما كان قد ابتكر العديد من الشخصيات الأيقونية مثل "رجل غريب" و"سيد أحمق".. فأدخل بحركاته وأسلوبه الفكاهي البهجة في قلوب كافة الأعمار. نعته بأحرف ملتاعة صحف ووسائل إعلام اليابان وبكاه الجميع، وقد أدهشتهم سطوة الموت الذي لاحق من قبل سيد المبدعين والمحب للحياة وطيور الكراكي التي يتفاءل بها اليابانيون، ياسوناري كاواباتا، الحاصل على جائزة نوبل للآداب والذي مات منتحراً. كانت الشمس قد غربت في ذلك الجزء من العالم وفي العاصمة القديمة كيوتو؛ عندما بدأ صباح جديد في مدينة الجنينة السودانية بغرب دارفور، وهي مثل كيوتو حاضرة ملوكية قديمة كانت منشغلة بتضميد جراحاتها وغسل اثواب بنيها من دماء الفتنة والغفلة، وكان الممثل المسرحي محمد يوسف اندوكاي بقامة مديدة وقوام ممتلئ ووجه صبوح قد فرغ في اليوم الذي سبق ذلك من أداء عمل مسرحي ودرامي بحضور الحكام وكبار المسؤولين، مروجاً للسلام والوئام الاجتماعي والتعايش السلمي ونبذ العنصرية، ولم يكن من شاهده وصفق لإبداعه وملبسه الأنيق في تلك القاعة يعلم أنها كانت آخر خطواته، إذ امتدت يد آثمة فاغتالته وأوقفت ضخ الدماء في قلبه، في تتابع لمسلسل قتل الحياة وتجريف الأشجار الظليلة وحقن أوردة الناس بكراهية وبغضاء. اختار اندوكاي مداخل إبداعية خلقاً لفضاء آمن تحرسه أشجار البرتقال والليمون وضحكات الأطفال، إلا أن سكيناً مجرمة كان لها رأي آخر. مثل كين شيمورا الذي كان يسعى لما قبل وضع أجهزة التنفس على صدره لإسعاد الناس وتوزيع قطع الفرح والابتسام من متجره الإبداعي، مات المبدع اندوكاي بنصل حاد.. تعددت الأسباب بفقد كبير وبانطفاء إضاءة المسرح وبريق عينيهما.