في نظر كثيرين فإن مليونية "25" أكتوبر وما تلاها من تصعيد ثوري في اليومين الماضيين والموكب المتوقع غدًا الاحد يعتبر مؤشرًا واضحًا لوأد أي مشروع تسوية متوقع بين المدنيين والعسكريين برعاية دولية، وأن أي اتجاه نحو حل سياسي يتجاوز الشارع والثوار الذين يقدمون أنفسهم رخيصة من أجل ما آمنوا به ويطمحون إلى تحقيقه سوف يكون مصيره الفشل، وفي المقابل يحذر آخرون من أن البلاد تعيش في أوضاع كارثية على مختلف القطاعات وأن غياب الحل السياسي والتسوية لاستمرار الانتقالية ومعالجة الأزمات تعني بشكل صريح اندلاع مواجهات متعددة في السودان بين المكونات المتناحرة على المستوى القبلي والعسكري والسياسي وهو ما سيقود البلاد نحو الانهيار والتمزق، سيما في حال اندلاع حرب أهلية في ظل تعدد الجيوش والحركات المسلحة، وفي الأثناء قال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الإثنين إن الوقت حان لإنهاء الحكم العسكري، لافتًا في تغريدة على تويتر "تقريبًا، قبل سنة من اليوم، انقلب الجيش السوداني على حكومة بقيادة مدنية قوض التطلعات الديمقراطية لشعبه وحان الوقت لإنهاء الانقلاب،ودعت 13 دولة والاتحاد الأوروبي والآلية الثلاثية إلى تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية . المواجهة بحسب البعض ظلت سياسية طيلة الأشهر الماضية من خلال الحراك الثوري والتزام الثوار بالسلمية في مقاومة الانقلاب والعمل على اسقاطه،ولكنها ربما تتحول إلى عسكرية بالنظر الى ما حمله بيان قوات الشرطة قبل أيام والذي رغم محاولات الاستهتار به وبالشرطة الا أنه بحسب مراقبين يشكل نقطة تحول في مستقبل التعامل مع قمع المتظاهرين والمواكب السلمية بايجاد الذرائع والتمهيد لها عبر البيان لاستخدام العنف وتحويل البلاد الى مربع عمليات عسكرية ينتظر أن تنزلق اليه اذا ما لم تعِ قوى الثورة هذا المخطط وبعدت عن محاولات الصدام واغراءات الصدام والمواجهة مع الاجهزة الأمنية ، مؤكدين أنه حال تصاعدت وتيرة المواجهات بين الثوار والقوات الأمنية فإن انفلات الاوضاع سوف يصبح واقعا وسوف ينتقل الى القوات النظامية الاخرى ، ويحذر محامون ومدافعون عن حقوق الإنسان في السودان ، من مغبة منح قوى الشرطة سلطات إضافية لشرعنة انتهاكاتها تجاه الاحتجاجات السلمية المناهضة لحكم الجيش، وطالبت الشرطة الثلاثاء، بمنحها صلاحيات استثنائية لمواجهة ما قالت إنها قوات مدربة عسكريًا ومسلحة داخل المواكب السلمية. وقبل يومين أبدى القيادي بالحرية والتغيير كمال بولاد مخاوفه من سيناريو الاحتكاك والمواجهة العسكرية حال استمرار هذا الوضع، خاصة في ظل التعقيدات الحالية التي تشهدها البلاد، بجانب وجود ما وصفه بالتربص الاقليمي والدولي وطموحات من أسماهم باعداء الوطن التي تمددت حتى الوصول للكيان الصهيوني، وأشار بولاد في تصريحات صحفية إلى ان ما وصفه بالمد الثوري الجماهيري لن يتوقف في مواجهة الانقلاب، من مصلحة المكون العسكري تسليم السلطة للمدنيين من أجل مصلحة البلاد، في الاثناء حذر رئيس قوى الحراك الوطني الدكتور التيجاني السيسي من انتقال النموذج الأوكراني إلى السودان ، ونبه إلى أنه يشهد صراعا أمريكيا روسيا كما حدث في أوكرانيا،وناشد السيسي خلال مؤتمر صحفي بمنبر "طيبة بريس" بالخرطوم الأريعاء، المكون العسكري والحرية التغيير إلى أن يضعا البلاد في أعينهما وأن يستفيدان من تجارب الدول التي حدثت فيها حروب، ودعا السيسي إلى تسوية شاملة دون محاصصة وقال "لابد أن تكون المصلحة عامة تحافظ على البلد في أمنه واستقراره. مقابل ذلك وعلى الارض لا يكترث شباب الثورة ولجان المقاومة بما يجري من مباحثات للتسوية او بث المخاوف من احتمالية المواجهة المسلحة، لكنهم يمضون وفق خطى واضحة المعالم وثابتة نحو الهدف الذي يضعونه أمام أعينهم بإحداث التغيير واسقاط الانقلاب وتحقيق الحكم المدني الكامل، مؤكدين أن عقد التسوية السياسية مع العسكريين سوف يقتل كل الأحلام بتحقيق التغيير بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتكرار نفس الأخطاء ، وأن الخروج من مأزق التسوية هذا يتمثل في استكمال الثورة بشكلها الحقيقي والكامل عبر تسليم السلطة إلى الشعب السوداني وخروج العسكر من المشهد تماما، مشيرين إلى ان التزام المقاومة بالعمل السلمي طيلة السنوات الثلاث الماضية رغم القمع والقتل والعسف الذي يمارس ضد الشباب يعني حقيقة واحدة أن الثوار قادرون على الصمود ولن ينجروا إلى المواجهة المسلحة لايمانهم الكامل بالعمل السلمي. تجنب المواجهة وانفلات الأوضاع بالبلاد يرتبط بشكل وثيق بانجاز الحل السياسي واجراء التسوية السياسية اللازمة لتلافي المخاطر المحدقة بالبلاد ولكن بعض الآراء تقول إن هذه التسوية التي يتم الترويج لها وممارسة الضغوط على كافة الأطراف لاكمالها قد تبدو غير محصنة من الارتداد عليها والنكوص عنها ولدى هؤلاء قناعة راسخة بان الجيش لا يرغب وغير مقتنع بانجاز تسوية حقيقية تخرجه من الفعل السياسي مشيرين إلى أن التسوية وإن اكتملت فإنها لن تحقق مطالب الشارع وتتعارض مع مصالح المكون العسكري الذي لن يتخلى عن الهيمنة على الثروات الاقتصادية، للبلاد. وسبق وأن حذر ممثل الأمين العام الخاص إلى السودان من استمرار تدهور الوضع العام في البلاد ما لم يتم العثور على حل سياسي لاستعادة حكومة مدنية، ذات مصداقية، يمكنها إعادة تأسيس سلطة الدولة في جميع أنحاء البلاد، وتهيئة الظروف لاستئناف الدعم المالي الدولي، بما في ذلك تخفيف عبء الديون، وتابع فولكرأن المسار الانتقالي يتطلب اتفاقا واضحا على مهام المرحلة الانتقالية وتوزيعا واضحا للأدوار والمسؤوليات بين مختلف الجهات الفاعلة، كما يتطلب خطة واضحة لتضميد جراح الماضي والمساءلة والعدالة الانتقالية هما مفتاح مستقبل الاستقرار في السودان، وأشار إلى أن الحاجة إلى المساواة بمعناها الأوسع، ورفض أي نوع من التمييز بين السودانيين، أمر جوهري، وقال لا ينبغي أن يكون هناك مكان لانقلابات عسكرية مستقبلية في السودان مشيرا إلى ان الديمقراطية والمشاركة هما السبيلان الوحيدان لتحقيق الاستقرار والسلام الدائمين لهذا البلد، وأوضح فولكر يحتاج السودان إلى جيش قوي وموحد ومهني وأكد،يجب أن تبدأ عملية دمج جميع القوات والحركات المسلحة في فترة انتقالية جديدة، أكثر استدامة وقال "لن يكون البلد الذي يضم خمسة أو ستة أو سبعة جيوش مختلفة أو أكثر مستقرًا أبدًا." في الواقع، يجب ألّا يلعب القادة العسكريون أدوارًا سياسية، ويجب ألّا تكون للقادة السياسيين جيوش خاصة.