التسامح الذي عرف به الشعب السوداني كان حاضراً في تعاملاتهم مع العائلات التي أصلها يهودي، إلا أن الأحداث السياسية وبروز دولة إسرائيل في الخارطة السياسية غيرت المشهد العام للعلاقة، واندمج اليهود في المجتمع السوداني من خلال ممارسة الأنشطة التجارية والأنشطة الاجتماعية، لكن بعضهم كان يخشى إظهار يهوديته، خاصة كبار السن. (2) واليهود لم يكونوا يحملون أسماء تشير أو تدل على أصولهم اليهودية، فكانوا يحملون أسماء عربية مثل: المغربي، البغدادي، الإستانبولي، إلا القليل منهم، وهي أسماء تدل على الأماكن التي جاءوا منها أو عاش بها أجدادهم أو آباؤهم في حقبة معينة من حياتهم، بالمقابل، لا شيء مادي يدلل على التاريخ العبري في البلاد، سوى مقابر اليهود الحالية بوسط الخرطوم. (3) في نهايات القرن التاسع عشر، شهد السودان أكبر هجرة لليهود قادمين من مناطق مختلفة أبرزها إسبانيا واستوطنوا مدينة أم درمان، تحديدًا في حي المسالمة، وقاموا ببناء أول معبد يهودي في السودان عام 1889م الذي تم هدمه لاحقاً، وجرى تكوين رابطة للجالية اليهودية حينها برئاسة "بن كوستي" ابن حاخام يهودي تعود أصوله إلى إسبانيا، وبلغ عدد أفراد الجالية اليهودية حينها نحو ألف نسمة موزعين ما بين مدن العاصمة المثلثة: الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان، لكن بعضهم فضل أن يعيش في مدن أخرى مثل: نوري، ومروي، والدبة، وبورتسودان، وود مدني. (4) منصور إسحاق إسرائيل بنيامين سوداني من أصل يهودي (يهود العراق)، يعيش في الوقت الراهن بمدينة أم درمان في حي كان يطلق عليه (الحي اليهودي)، بالقرب من سوق أم درمان، ويمتلك أشهر وأقدم صيدلية بشارع العرضة. منصور تعرض للكثير من المضايقات بسبب اسم جده إسرائيل أبرزها كانت في السجل المدني من قبل ضابطة في الشرطة، ولديه ابنتان (سارة وشمس) وولد (عبد العزيز) يدينون بالإسلام ويحملون العادات والتقاليد السودانية ولا يعرفون لأنفسهم وطنا غير السودان. ويحكي منصور، في مقطع فيديو سبق وأن نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، للتوثيق لعائلته، أن جده جاء من العراق، وفور وصوله، تزوج امرأة من قبيلة الدينكا، ولاحقا تزوج من امرأة إثيوبية. ويعتقد الصيدلي، الذي اعتنقت عائلته الإسلام، أن الزيجتين لم تأتيا صدفة، بل أن جده كانت لديه رغبة في بناء علاقات مع القبائل التي تسكن بالقرب من منابع النيل. (5) الوجود اليهودي في السودان انحسر بعد إعلان دولة إسرائيل واحتلال الأراضي الفلسطينية، في 1948، إذ لم يعد أبناء هذه الفئة محل ترحيب، كما كان عليه الحال، في العقود الماضية، والكارثة الأكبر عندما وقعت حرب 1967 "النكسة"، وكانت النقطة الفاصلة، عندما طبق نميري قوانين الشريعة الإسلامية، في 1983، ومصادرة نميري لأملاك اليهود. هذه الممارسات حملت اليهود، إلى هجرات جماعية وكان من أبرز المصادرات التي طالت أملاك اليهود، شركات أسرة الحاخام "سلمون ملكا"، التي كانت تعرف باسم "جلاتلي هانكي"، وقام نميري بتأميم بيت الحاخام، المطل على نهر النيل الأزرق، في الخرطوم، ليكون مقرا للحزب الاشتراكي (حزب نميري)، ومن ثم تحول فيما بعد، إلى مقر لوزارة الخارجية، حتى الآن.