المتربصون بالثورة من أذيال النظام البائد، وحلفاؤهم في الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب، استغلوا حادثة طرد جماهير في مناطق الصحافة والامتداد وربما العشرة لأنصار ومؤيدي حزب المؤتمر الشعبي وحصبهم بالحجارة، وادعوا أن الثوار قاموا بذلك. في وقت أكد فيه إعلام لجنة مقاومة العشرة في بيان طالعته (السوداني) أمس، أن من قاموا بهذه العملية ليسوا من الثوار أو من سكان المنطقة، وبالتالي لا علاقة للمواطنين بها. فيما يذهب المحلل السياسي عمر سفيان سالم في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن الرفض والتمرد على أمر ما أو واقع معاش يتطلب مستوى من الوعي يتناسب والمرفوض، منوها إلى أنه خلال ثورة 19 ديسمبر المجيدة لم تستطع المخيلة المحدودة للنظام وأنصاره استيعاب أن حالة الرفض التي يواجهونها هي حالة واعية وليست رد فعل عبثي لضغط اقتصادي أو أزمة خبز أو وقود، وأن الوعي الجماهيري لدى الشباب السوداني قد بلغ ذروة النضج الثوري متجاوزاً أجيالاً خلت من الثائرين والمنتفضين. سلمية سلمية منهج الثورة وأسلوب ثوارها في التعبير عن قضاياهم ومطالبهم شكل ضربة البداية لتحديد النهاية، ولعل ذلك ما أكدت عليه بيانات تجمع المهنيين السودانيين بالإصرار على مفردة وشعار (سلمية سلمية)؛ هذا الشعار الذي رفعته الثورة والتزم به الثوار تمكن من تجريد النظام من سلاحة وآلته القمعية، وتطور ليصبح ثقافة لدى الشارع ومكونات ممثليه في قوى إعلان الحرية والتغيير بما فيها حركات الكفاح المسلح. ويرى كثير من المراقبين أن ذلك يمثل تحولا مفصليا لمتابعي السياسة السودانية مما يفتح آفاقا جديدة حول ملفي الحرب والسلام ورتق النسيج الاجتماعي. نظام وخلايا المتتبع لعناصر الثورة الفاعلة يجد أنها تتخذ منهجاً علمياً في الطرح وأسلوب التفكير ومهنية الأداء، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح لكل من زار أرض الاعتصام أمام القيادة العامة من ترتيب وتنظيم ونشاط. ويذهب كثير ممن وصلوا إلى مقر الاعتصام بأنهم يشعرون وكأنهم في خلية نحل تبدو للوهلة الأولى فوضوية، إلا أن العين سرعان ما ستستجيب لتتبين أن كل شيء يسير في نسق منتظم والمواكب تترى من كل حدب وصوب، ولعل ما يتجاذبه الشباب في أطراف حديثهم حول الفترة القادمة بواقعية وعملية يثير العجب والتعجب في آن، حيث أن الطاقات الإيجابية كانت مكبوته في قماقم النظام البائد، ولعل هذا الوعي هو ما جعلهم محصنين ضد ما ترشقهم به ألسنة السوء من أذيال وعسس النظام السابق. علمية وليست علمانية أو دينية في 14 أكتوبر 2015م بأم درمان دشنت ورشة عمل (مشروع السياسات البديلة) التي أكدت ضمن مقدمتها أنه بعد حراك سبتمبر 2013م بات جلياً أن المنظومات الشبابية باتت المعادل الموضوعي لحالة الهجرة القسرية للعمل الحزبي وسط الجماهير لتخلق أجواء شبيهة بالطقس الذي أفرز مؤتمر الخريجين من قبل، لتستمر هذه الورشة أربع سنوات متنقلة حول العالم بين العلماء من سودانيي المهجر من سيدنيأستراليا مروراً بأوروبا وحتى كندا والولايات المتحدة متطرقة لكل الزوايا حتى تصل خلال شهر أبريل المجيد لورشة السياسات الصحية البديلة بلندن يوم 6-7 إبريل 2019م حيث كان العمل يجري على قدم وساق حول الخطة الإسعافية لما بعد السقوط الحتمي للنظام مما يدل على أن الثقة تحولت إلى يقين في انتصار اعتصام القيادة العامة والإرادة الشعبية وسواعد الثوار الفتية، يقين تدعمة القراءة العلمية للساحة ومجريات الأمور على الأرض والفهم العميق لاستراتيجية للعقيدة العسكرية لدى قوات الشعب المسلحة، هذا المنتوج الضخم لعصارة التجارب العلمية في مختلف المجالات التي تهم الدولة ونظام الحكم هو أحد تقدمات الشعب السوداني لنفسه عبر منظومة قوى إعلان الحرية والتغيير. مؤتمر الخريجين نسخة القرن الحادي والعشرين على ذات نسق الكيان المهني، تكوّن في أكتوبر 2016م تجمع المهنيين السودانيين، وكما كان مؤتمر الخريجين حاضنة للعمل السياسي المحظور في العهد الاستعماري على الموظفين، احتضن ميثاق إعلان الحرية والتغيير القوى السياسية الحية بمختلف مشاربها، وطبقا لأنصار الإعلان فإنه المميز هنا أن تجمع المهنيين السودانيين قد استفاد من الخبرات والتجارب المتراكمة حيث احتفظ بكينونته وتعريفه كجسم مهني أفقي على النسق الذي يجب أن تكون عليه النقابات، وأقحم نفسه وشركاؤه في التزام نحو المجتمع السوداني للعبور به نحو سودان جديد بخطوات مبنية على العلم والمعرفة.