:: ومن لطائف التاريخ: مات أحد الأمراء بعد أن ترك صندوقاً في بيت المال، وكان قد أوصى قبل وفاته بعرض الصندوق في مزاد علني، ويشتري من يشاء الصندوق وما فيه من كنز؛ وكان قد اشترط عدم فتح الصندوق، إلا بعد دفع (أعلى قيمة).. وقد كان، إذ تبارى التجار وزعماء العشائر في تقديم عروض شراء الصندوق، حتى وقع من نصيب (أعلى عطاء)، وكان الشاري قد باع (الوراء والقدام)، ليحظى بكنز الصندوق.. وبعد الشراء، أمام حشود التجار والزعماء والمتطفلين، فتح الشاري صندوق، وتفاجأ بصندوق آخر، ثم صندوق أصغر، وآخر أصغر منه، وهكذا -صندوق جوه صندوق- حتى صار الصندوق الأخير بحجم (علبة كبريت).. وفتح الصندوق الأخير، ووجد ورقة صغيرة بها نصيحة نصها: (لو عايز دقنك تكبر سرِّحَا من تحت)، أو هكذا كان الكنز..!! :: ومساء البارحة، أمام الإحباط العام، لم يجد الحزب الحاكم حلاً معقولاً -لمجابهة هذا الإحباط الشعبي- غير تبرير من شاكلة (ما قدمه الرئيس بقاعة الصداقة، لم يكن خطاباً موجهاً للشعب، بل كان توطئة لوثيقة قادمة). البروفيسور إبراهيم غندور، نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية.. لم يكن خطاباً للشعب، بل (توطئة).. نشرح معنى التوطئة وخاصة أن المرحلة التي تمر بها البلاد مرحلة (شرح اللغة العربية)، للناطقين بها قبل وغيرهم.. فالتوطئة تعني باللغة العربية التي يستوعبها عامة الشعب (المقدمة).. وعليه، ما تم تقديمه بقاعة الصداقة لم يكن خطاباً للشعب، بل كانت مقدمة لوثيقة قادمة، أو هكذا كان يجب التبرير، بلغة يفهمها (أي زول).. مفردات الخطاب لا تختلف كثيراً عن مفردات الشفاهة التي من شاكلة (توطئة)، ولذلك نسأل عما يحدث لساسة الحزب الحاكم بحيث صار الكل يكتب ويتكلم كما سيبويه والخليل بن أحمد؟ :: والمدهش، ليس عامة الناس فحسب، بل حتى النخب السياسية والفكرية عاجزة عن الاستيعاب، وعلى سبيل المثال يقول المؤتمر الشعبي بالنص: (سندرس خطاب الرئيس البشير لمعرفة مضمونه، ثم القيام بالرد عليه في في الأيام القادمة)، هكذا حالهم أمام لغة الخطاب.. حال لا يختلف كثيراً عن حال الريفي البسيط، الذي تكبد مشاق السفر ليحضر إحدى ندوات مولانا الميرغني بالشمالية، ثم عاد مباهياً بالندوة وخطبة مولانا، وعندما سألوه عن محتوى الندوة وتفاصيلها زجرهم قائلاً: (إنتو حيوانات ولا شنو؟ لو كلام سيدي بيتفهم كان بقى سيدي وسيدكم؟).. واليوم، حزب بقامة المؤتمر الشعبي -بكل من فيه من المفكرين واللغويين والمفسرين- بحاجة إلى أيام قد تمتد لأسابيع لمعرفة (مضمون الخطاب)، ليرد عليه.. وعجز ساسة الشعبي عن معرفة المضمون -إلا بعد أيام الدراسة- يعني أن دعاة الهوية السودانوية بحاجة إلى (حول كامل) ..!! :: والمهم، قصد أم لم يقصد، نجح الحزب الحاكم في أن يشغل الناس والصحف والفضائيات بتلك (التوطئة).. ولكن، آثار التوطئة -وصداها الشعبي- ليست في صالح الحزب الحاكم، وعلى ساسته أن يعرفوا ذلك بدلاً عن (الشرح والتبرير).. فالأعمال ترهق الناس والبلد، وليس عدلاً أن ترهقهم الأقوال أيضاً.. ثم الحال العام للناس والبلد ليس بحاجة إلى (كلام)، خطاباً كان أو توطئةً، وفصيحاً كان أو بالعامية، بقدر ما هذا الحال المائل بحاجة إلى أفعال تترجم آمال الناس والبلد إلى (واقع الحياة).. السلام بحاجة إلى (أفعال فقط لا غير)، والاعتراف بالآخر بحيث يشارك -بفكره وعقله وبرنامجه- في صناعة القرار الوطني بحاجة إلى (أفعال فقط لا غير)، والتنمية التي تنقذ الناس والبلد من بحور العطالة والاستيراد ورداءة الخدمات وقروض الصين والعرب بحاجة إلى (أفعال فقط لا غير)، وهكذا.. علماً بأن الأفعال حين تمشي بين الناس سلاماً وحرية وتنمية لن تكون بحاجة إلى (شرح وتبرير)!!.