عاصفة الحزم التي انطلقت في الجزيرة العربية تحت راية تحالف عربي تقوده المملكة العربية السعودية، لإسناد القيادة اليمنية الشرعية ضد ما تواجهه من أوضاع أمنية بعد إنقلاب الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق على عبد الله صالح، كانت لتلك الحملة تداعيات كغيرها من الأحداث الكبيرة على مدى التاريخ، وأهم تلك التداعيات الدعوة الى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، ، وانعقد لهذا الأمر اجتماعان لرؤساء أركان الجيوش العربية في 22 أبريل ، والثاني في 23 مايو 2015 م ، حيث حدد رؤساء أركان جيوش الدول العربية التاسع والعشرين من شهر يونيو لإنجاز المهام التي أوكلت اليهم بتشكيل القوة العربية المشتركة وتقديم نتائج العمل الى رئاسة القمة. وتم تقديم بروتوكول مقترح يتضمن 11 مادة تناقش جميع التفاصيل المتعلقة بأهداف ومهام القوة وإنشاء هيئات جديدة منها المجلس الأعلى للدفاع، ومجلس لرؤساء الأركان، وكيفية تشكيل القيادة العامة المشتركة، وتشكيل القوة وآلية اتخاذ القرار الخاص بالاستعانة بها، وتمويلها وأماكن تمركزها، حيث حدد أن تشارك فيها الدول الأطراف اختياريا بعناصر عسكرية، هدفها مواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية والتحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأطراف وسيادتها الوطنية والإقليمية، وتشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، وذلك بناء على طلب من دولة طرف تتعرض لهذه التهديدات، على أن تكون مهام القوة، التدخل العسكري السريع لمواجهة التحديات والتهديدات بما فيها التنظيمات الإرهابية، المشاركة في عمليات حفظ السلم والأمن في الدول الأطراف، المشاركة في تأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، حماية وتأمين خطوط المواصلات البحرية، عمليات البحث والإنقاذ، أي مهام أخرى يقررها المجلس الأعلى الذي يتشكل من وزراء دفاع وخارجية الدول الأعضاء، كما أقترح البروتوكول أن يعين المجلس الأعلي قائداً عاماً للقوة لمدة عامين قابلة للتجديد وتعاونه هيئة أركان مشتركة من جميع الدول الأطراف، ومقر القيادة في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية . يعين مجلس رؤساء الأركان قائداً ميدانياً لكل مهمة من الدولة التي تنفذ العملية على أرضها ، و تساهم كل دولة طرف بعناصر عسكرية برية طبقاً لإمكانياتها وبما لا يخل بمهام قواتها المسلحة، وبعناصر برية وجوية وفقاً لامكانياتها، على أن تتمركز العناصر التي سوف تساهم بها كل دولة كحد أدني في الأحوال العادية بدولها على أن تكون مستعدة للدفع بها إلي منطقة المهمة، آلية اتخاذ قرار الاستعانة بالقوة، تقدم الدولة الطرف التي تتعرض لأي تهديد طلب الاستعانة بالقوة إلي الأمين العام ويبلغ الأمين العام قادة الدول الأطراف بهذا الطلب ثم يتولي عرضه على المجلس الأعلي لاتحاد القرار اللازم، إذا تعذر - لأي سبب من الأسباب - على دولة طرف تتعرض لتهديد التقدم بطلب الاستعانة بالقوة، يبادر الأمين العام بإبلاغ قادة الدول الأطراف بالأوضاع في هذه الدولة، ثم يعرض الأمر على مجلس الدفاع الأعلي لاتخاذ ما يراه مناسبا، تعقد القيادة العامة المشتركة - قبل تنفيذ كل مهمة - اتفاقاً مع سلطات الدولة التي تنفذ المهمة على أرضها لتنظيم تواجد القوات المشاركة في تلك المهمة، والدخول والخروج والحصانات المقررة لها، وكافة الترتيبات اللوجيستية والقانونية اللازمة لضمان تنفيذ القوة للمهمة، ويجوز لأي دولة طرف في هذا البروتوكول الانسحاب منه، وتحدد فترة انتقالية أقصاها ستة أشهر لإتمام الانسحاب وفي حالة ارتباط الدولة التي تطلب الانسحاب بمهمة في إطار القوة، يلزم عليها إتمام هذه المهمة قبل الانسحاب. هنالك تجربة للإتحاد الأوروبي نحو تشكيل جيش موحد يحمي أوروبا، ولابد من التعرف على المشروع الأوروبي، حتى يمكن الدخول للتجربة العربية بخطوات قوية وثابتة، تمثلت أولى محاولات التكامل السياسي الأوروبية في المجال الدفاعي والأمني، في المشروع الفرنسي الذي يدعو إلى إنشاء جيش أوروبي موحد أمام قمة الأطلنطي في نيويورك عام 1950 إلا أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح، في يناير 1994 تم إنشاء ما يسمى ( الهوية الأمنية والدفاعية الأوروبية (ESDI)، بطريقة غير رسمية في اجتماع مجلس حلف شمال الأطلنطي في بروكسل ، حيث تم فهمها في ذلك الوقت على أنها ترتيب أمني عسكري يمكن أن يسمح للدول الأوروبية بأن تحمل نصيباً أكبر في عبء المهام الأمنية، التي يقوم بها الآن حلف الناتو والذي يضم في عضويته دول خارج الإتحاد الأوروبي، مثل أمريكا وتركيا وعدد من دول شرق أوروبا، في العام 2002 تم وضع الأسس العملية لبناء قوة عسكرية أوروبية، وتكشفت لقمة نيس عمق الخلافات الأوروبية حول فكرة ( القوة العسكرية الأوروبية ) ، حيث كانت الولاياتالمتحدة تطالب الدول الأوروبية بتحمل قدر أكبر من الإنفاق العسكري ضمن حلف الناتو، حتى يتسنى للحلف أداء مهامه، وفي نفس الوقت أبدت الولاياتالمتحدة معارضتها لفكرة قوة عسكرية أوروبية مستقلة عن الحلف، وطالبت بإخضاع تخطيط العمليات لمراقبتها، والتي تقوم بها القوة الأوروبية لحلف شمال الأطلنطي . أهداف الجيش الأوروبي الموحد أوضحها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الذي دعا لتشكيل ( جيش أوروبي موحد ) للتصدي للتوتر المتصاعد مع روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، ويرى أن إنشاء جيش أوروبي موحد من شأنه أن يؤكد لروسيا حرص الاتحاد الأوروبي على حماية قيمه، ويستبعد نشوب الحرب بين بلدان الاتحاد الأوروبي ، والمساعدة على بلورة السياسة الخارجية والسياسة الأمنية المشتركة ، ويساعد أوروبا في تحمل المسؤولية عما يحدث في العالم ، والتصدي للإرهاب والجماعات الإرهابية، والعائدين من سورياوالعراق وأفغانستان . خلال الفترة بين 2001 – 2008، تراجع إجمالي الإنفاق العسكري الأوروبي بنسبة 1.9%، وتراجع الإنفاق على المشتريات الدفاعية بنسبة 10%، وعلى البحث العلمي الدفاعي بنسبة 14%. وصدرت تحذيرات عديدة في الولاياتالمتحدة من أن التراجع المستمر في الإنفاق الدفاعي الأوروبي من شأنه أن يحول دون نهوض أوروبا بأي دور مؤثر في قضايا الأمن الإقليمي أو الدولي، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن 2.7% فقط من عناصر جيوش دول الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها حوالي مليوني جندي، مستعدون لتحقيق المهمة المطروحة عليهم ، ورأى تقرير للمعهد إن هذه النسبة يمثلها 79 ألف جندي، شاركوا في العمليات العسكرية وعمليات دعم السلام، في الأعوام القليلة الماضية، وإن سائر الجنود الآخرين المنتسبين إلى جيوش دول الاتحاد الأوروبي ليسوا متأهبين للقتال ، وخلص التقرير إلى القول إنه ليس بمقدور القوات المسلحة لدول الاتحاد الأوروبي، مع استثناءات قليلة، تنفيذ مهام تطرحها عليها الحكومات، وليست هنالك في ظل هذه الحالة، ما يمهد لإنشاء جيش أوروبي مشترك، ما لم تتزايد الجاهزية القتالية لجيوش الدول الأوروبية. فرنسا غير مؤيدة لإنشاء جيش أوروبي موحد، بينما بريطانيا ترى أن الدفاع يُعد مسؤولية وطنية، وليس من مسؤولية الاتحاد الأوروبي، ويتخوفان من تقليص صلاحيات حلف الناتو، بينما ألمانيا تقول : أن مستقبلنا كأوروبيين سيكون في مرحلة ما مع وجود جيش أوروبي موحد . هنالك معضلات مشتركة مع مشروع الجيش العربي المشترك، هنالك رفض من دول مؤثرة مثل الجزائر، العراق، اليمن، ليبيا الرسمية، وسوريا، هنالك عدم تحديد لموقع القوة والإكتفاء ببقاءها في دولها تقابله معضلات لوجستية وإدارية عند التحرك للمهام، إنعدام التدريب المشترك، والعقيدة القتالية، والتنظيمات بين شرقي وغربي، تحد من النجاح في المهام المشتركة للدول الأطراف، بقاء القائد العام للقوة المشتركة وهيئة ركنه في مباني الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يجعل القيادة تذهب لدولة المقر، وهنا يحدث التعارض بين من يدفع التمويل ويوفر الإحتياجات اللوجستية، ومن يقود ، تشكيل المجلس الأعلى للدفاع من وزراء الدفاع والخارجية، يجعل أمر العمليات تخطيطاً وتنفيذاً عرضة للأخذ والرد، مما يعني توقع بطء الإستجابة وبطء الحركة للقوات ، وأول مهامها التدخل العسكري السريع . لواء مهندس ركن (م)أمين أسماعيل مجذوب