خلال الشهور الماضية، انشغل الناس بتقلبات أسعار السكر، وأصبح الحديث عنه، هو شغل الناس الشاغل، حيث أخذوا يتبادلون الحديث عنه في الشوارع، ووسائل المواصلات، وخارج دور المساجد والأندية، وشرعوا يتفنون في الحديث عنه، ويتبارون في تعديد أسباب ارتفاعه، فمن قائل: بأن السبب يرجع الى إقبال الناس الكبير على شرائه وتخزينه، استعداد منهم، لاستقبال شهر رمضان المبارك، ومن قائل: بأن السبب يرجع ويعود الى تجار الجملة الذين يعملون على تخزينه الى حين حدوث الندرة، ونتيجة لهذا ترتفع الأسعار، فيعرضونه للبيع، بغرض الحصول على الأرباح الطائلة، والكسب السريع. ومن الغريب أن الكثيرين من المواطنين، لايعرفون الغرض من السكر المدعوم الذي يباع بالخيم المقامة داخل الأسواق، أو يباع بالبقالات المخصصة لذلك بالأحياء السكنية، فيظنونه "تموينا" فلذا فهم يطالبون بحصصهم المقررة منه، مع أن الغرض، هو أن يباع بأسعار مخفضة، مراعاة لظروف الضعفاء والأسر الفقيرة.. هذا والتجارة مهنة شريفة ومباركة، ولكنها تتطلب من العاملين في ميدانها: الصدق، والأمانة، والبعد عن الغش. وظاهرة الغش قديمة جدا، فلقد عرفت منذ الأزمان السابقة، فقد روت كتب السيرة النبوية بعض القصص والحكايات عنها.. فمن ذلك، مارواه ابوهريرة، رضي الله عنه.. بأن النبى، صلى الله عليه وسلم:" مر على صبرة طعام، بسوق المدينة، فأدخل يده في الصبرة، فنالت أصابعه بللا، فقال:" ماهذا ياصاحب الطاعم..؟! فقال:"أصابته السماء يارسول الله..". وهو يعنى بذلك: أن المطر قد هطل عليه، فأصابه به البلل، فقال له رسول الله: أفلا جعلته فوق الطعام، كى يراه الناس..؟! من غش أمتى.. فليس منى...". وفي رواية أخرى، عن عبد الله بن عمر، رضى الله عنهما، قال:- "مر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بطعام، وقد حسنه صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا هو "طعام رديئ" فقال له: "بع هذا على "حده"، وهذا على "حده".. فمن غشنا، ليس منا "!". وفي هذا الصدد يجب على التجار، أن يوفوا الكيل والميزان، والايبخسوا الناس أشياءهم، إذ قد حذرهم القرآن الكريم من التطفيف في الميزان، في قوله تعالى " وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) سورة المطفقين الاية "1-3". وهذا، ولقد عرف العلماء المحتكر: بأنه هو :- "من يجمع السلع والبضائع التي يحتاجها الناس، ويحبسها عنهم، وذلك بغرض رفع سعرها، وهو يعنى السيطرة على عرض، أو طلب السلعة بغرض تحقيق أقصى قدر من الربح". والاحتكار مذموم، ومنهى عنه في التعاليم الاسلامية، ولقد روت لنا كتب السنة النبوية أحاديث كثيرة في التحذير منه، ومن ذلك:"من احتكر طعاما فهو خاطئ" والخاطئ هو العاصي والآثم..!. ومن هذه الأحاديث نصوص أخرى، رويت بصيغ مختلفة، ومن ذلك قوله، صلى الله عليه وسلم:-"من احتكر على الناس طعامهم، ضرب الله ماله بالإفلاس.." ومنها أيضا:- "من احتكر طعاما يوما، فقد برئ منه الله رسوله". هذا ومن الحكايات الطريفة التي رويت عن الإحتكار، ما روي عن أمير الؤمنين، عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وذلك حيث أنه رأى طعاما خارج المسجد، فقال: ماهذا الطعام..؟! قالوا: طعام جلب إلينا، أو علينا. فقال: بارك الله فيه، وفيمن جلبه إلينا أو علينا. فقال بعضهم:- يا أمير المؤمنين.. إنه قد احتكر. فقال:- ومن احتكره.؟؟؟ قالوا:- احتكره فروخ، ومولى عمر بن الخطاب، فأرسل إليهما، فأتياه، فقال لهما:- ما حملكما على احتكار طعام المسلمين..؟؟! قالوا:- يا أمير المؤمنين: نشتري بأموالنا.. ونبيع. فقال لهماعمر:-"سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول:- "من احتكر على المسلمين طعامهم، ضربه بالجذام والإفلاس..". فقال فروخ: يا أمير المؤمنين، فأنى أعاهد الله، وأعاهدك، الا أعود في احتكار طعام أبدا..". أما "مولى عمر" فقال: نشترى بأموالنا.. ونبيع، ولم يستمع لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي ردده على سمعه عمر بن الخطاب- وبهذا يكون قد أخطأ.. واصر على الخطأ في عدم التخلى عن آفة الاحتكار. هذا وبسبب هذا العصيان الواضح، فقد كانت عاقبته وخيمة، وذلك حيث أنه مات على سوء الخاتمة، ولقد روى المعاصرون له، بأنهم رأوه "مقطع الأطراف من الجذام، مكسر الأضلاع.." حمانا الله، وإياكم، من سوء الخاتمة. ابراهيم الجاك عجبان مربع14- شندى