صمود الفاشر.. دماء الشهداء تكتب بقاء المدينة ورفض الانكسار    سطو بغطاء "الزي العسكري".. تصاعد انتهاكات الجيش وسط استغاثات المدنيين    إطلاق مبادرة «نداء سلام السودان» الأسبوع المقبل    اختيار نادي الاتحاد ودمدني ممثلاً رسمياً للمدينة في الدوري التأهيلي للممتاز    رفع درجة الاستعداد القصوى في الشمالية ونهر النيل    السفير السعودي: نأمل أن نرى مدينة الفاشر محررة    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء لجنة أمن ولاية الخرطوم ويشيد بالتنسيق المشترك بين الأجهزة الأمنية    شاهد بالصورة والفيديو.. طفل سوداني يحمس أفراد الشرطة بشعارات قوية ويخطف الأضواء على مواقع التواصل    شاهد بالفيديو.. لاعب سوداني يطلق تسديدة تتسبب في كسر عارضة المرمى وسقوطها على الأرض    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    ريال مدريد سئم من تصرفات فينيسيوس.. "يستفز الجماهير ثم يبكي"    قرار جديد من الولايات المتحدة بشأن تأشيرات الطلاب والصحفيين    شاهد بالفيديو.. لاعب سوداني يطلق تسديدة تتسبب في كسر عارضة المرمى وسقوطها على الأرض    شاهد بالفيديو.. بعد اقتراب زواجهما.. أسطورة كرة القدم كرستيانو رونالدو يرقص مع الحسناء "جورجينا" على أنغام أغنية الفنانة السودانية هدى عربي (يا بارد الحشا الليلة العريس مرق للسيرة)    قال لي هل تحكي قليلا من العربية؟    كَرشوم الوطَني الوَحِيد في تَشكِيلَة الهِلال    الغرب يستخدم "سلاح القمح" الأوكراني ضد الحكومة السودانية    المريخ يستانف تدريباته اليوم وينهي أزمة المحترفين    الأمم المتحدة : انعدام الأمن والعوائق البيروقراطية واللوجستية يقيد العمليات في السودان    قائد الهجانة يتفقد الخطوط الأمامية والارتكازات للقوات المسلحة بالمنطقة    اجتماع مهم بين بنك السودان المركزي والشركة السودانية للموارد المعدنية حول عائدات الذهب ودعم الاقتصاد الوطني    شاهد بالفيديو.. "بقى مسكين وهزيل".. ماما كوكي تسخر من الفنان شريف الفحيل بعد تعرضه لهجوم شرس وإساءات بالغة من صديقته التيكتوكر "جوجو"    شاهد.. ناشط مصري يعقد مقارنة بين عملاقي الكرة السودانية "الهلال" و "المريخ" عبر التاريخ ويمنح الأفضلية المطلقة للأحمر: (الموضوع اتحسم بالنسبة لي الصراحة)    (كل من فشل في حياته صار شرطياً)    ترامب يشعل جدلاً قانونياً وسياسياً    (المحللاتية والشرطة السودانية)    روايات خاصة: حين تنساب الدموع    عثمان ميرغني يكتب: شركة كبرى.. سرية..    المنتخب السوداني يودع"الشان"    الشرطة تلقي القبض على أحد المتهمين بحادثة نهب أستاذة في أم درمان    ما حكم شراء حلوى مولد النبى فى ذكرى المولد الشريف؟    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    انتشال جثث 3 شقيقات سودانيات في البحر المتوسط خلال هجرة غير شرعية    كامل إدريس: دعم صادر الذهب أولوية للدولة ومعركة الكرامة    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    (للخيانة العظمى وجوه متعددة ، أين إنت يا إبراهيم جابر)    الذهب السوداني تحوّل إلى "لعنة" على الشعب إذ أصبح وقودًا لإدامة الحرب بدلًا من إنعاش الاقتصاد الوطني    اتهام طبيب بتسجيل 4500 فيديو سري لزميلاته في الحمامات    طفلة تكشف شبكة ابتزاز جنسي يقودها متهم بعد إيهام الضحايا بفرص عمل    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    وزير الزراعة بسنار يبحث مع مجموعة جياد سبل تعزيز الشراكات الذكية في العملية الزراعية    تطول المسافات لأهل الباطل عينا .. وتتلاشي لأهل ألحق يقينا    الشرطة في الخرطوم تعلن عن إنهاء النشاط الخطير    وقف تدهور "الجنيه" السوداني امام الدولار.. د.كامل يتدخل..!!    بوتين اقترح على ترامب لقاء زيلينسكي في موسكو    الموظف الأممي: قناعٌ على وجه الوطن    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    اجتماع في السودان لمحاصرة الدولار    ترامب: "تقدم كبير بشأن روسيا.. ترقبوا"    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية
نشر في الصيحة يوم 28 - 08 - 2025

تبدأ القصيدة بنداء غارق في الشوق والخذلان: «بعيد عني». إنه ليس مجرد استدعاء لاسم، بل حنين يتحول إلى غياب، وحب يتجسد في هيئة فجيعة..
في الأغنية السودانية، ثمّة لحظات يلتقي فيها الشعر بالموسيقى والتشكيل لتنتج عملاً فنياً متجاوزاً للحدود. من بين هذه اللحظات، تتوهج «وجيدة»؛ القصيدة التي كتبها الشاعر التشكيلي قريب الله محمد عبد الواحد، وغناها بصوت خالد الفنان مصطفى سيد أحمد.
إنها أغنية ليست فقط قصة حب، بل لوحة بصرية ووجدانية مكتملة العناصر.
تبدأ القصيدة بنداء غارق في الشوق والخذلان: «بعيد عني». إنه ليس مجرد استدعاء لاسم، بل حنين يتحول إلى غياب، وحب يتجسد في هيئة فجيعة. ثم تأتي صورة الخطوات التي لا تترك أثراً: «خطاك ما لامست وجه الطريق / ومشيتي ومشيتي / لا فوق غيمة لا ظني بعيد عني». كأنها تمشي في فضاءٍ لا يحفظ الذاكرة. الغياب الحقيقي هنا ليس في الابتعاد فحسب، بل في الوجود المتلاشي روحاً رغم الحضور جسداً.
تتوالى الصور التشكيلية: «كأنك من وراء صفحة زجاج مبلول / وراك الريح وقدامك مدى السكة وندا المجهول». الحبيبة خلف زجاج يغطيه المطر، الرؤية مشوشة والحضور محجوب، الريح خلفها والمجهول أمامها، كأنها محاصرة بين العاصفة والضياع. ثم يجيء النداء المكرّر «أنادي ليك وأنادي ليك / وجيدة... وجيدة / لا التفتي لا لوحتي بإيدك». إنه إصرار على الحب رغم اليأس. يتكرر الاسم ليصبح موسيقى حزينة، لكنها لا تلتفت ولا تلوّح، تاركةً العاشق في عزلة الرجاء.
وحين يقول: «يجاوبني المدى الفاتح مدارج الهم»، فإن الأفق نفسه يتحول إلى كائن يردّ بالصمت الممتلئ بالوجع. الطبيعة لا تمنح جواباً، بل تمنح حزناً يتسع مع اتساع المدى. ثم يشتد النص حتى يبلغ ذروته الرمزية: «بتبقي وجيدة طعنة سيف/ موسدة في شق السماء المرسوم وسادة دم». هنا تتجسد وجيدة كجرح كوني، طعنة مغروسة في صدر السماء، والوسادة دم، في مشهد سريالي يمزج الألم بالعظمة والجمال بالوجع.
لكن النص لا يتوقف عند هذا الحد من الرمزية، بل يواصل المفارقة الكبرى: «وتبقى إيدينا في إيدك/ وفي شعرك، وفي المنديل/ وفي أيديك بعيد عني». الأيادي متشابكة، الشعر والمنديل في تماس، القرب حاضر، ومع ذلك يظل البعد سيد الموقف. إنها معادلة الحب المستحيل: أن يتحقق القرب الجسدي، بينما يستمر الفقد الروحي.
اللحن الذي صاغه مصطفى ل«وجيدة» جاء خافتاً، عميقاً، أقرب إلى منولوج داخلي منه إلى أغنية عاطفية عادية. الإيقاع البطيء يشبه وقع خطوات على طريق مبلل بالمطر. الميلودية الناعمة فتحت مساحة فارغة، كأن الموسيقى أرادت أن تترك للشعر فسحة كي يتنفس. أما الأداء، فقد كان صوت الجرح الصادق. مصطفى لم يغنِّ «وجيدة» كأغنية عن حب ضائع فقط، بل كجرح وجودي. طريقة مدّ الحروف، تقطيع العبارات، وإرخاء النفس خلقت إيقاعاً داخلياً يتناغم مع الصور الشعرية المليئة بالزجاج والريح والدم. وحين يكرر: «وجيدة... وجيدة» لا يستدعي اسماً بعينه، بل يستحضر ذاكرة كاملة من الفقد، وكأن النداء نفسه يتحول إلى موسيقى موازية للحن.
أما الرمزية، فإنها تتجاوز حدود العاطفة الشخصية. وجيدة قد تكون الحبيبة الغائبة التي لا تعود، وقد تكون الوطن الممزق الذي يتسرب من بين الأيدي، وقد تكون الحلم البعيد الذي تظل تسعى إليه الأقدام ولا تصل. هنا تتجلى عبقرية النص بقدرته على فتح باب التأويل، وعبقرية الأداء بصدقه الذي يتيح لكل مستمع أن يجد «وجيدته» الخاصة.
«وجيدة» تتراءى أكثر من أغنية، بل لوحة تشكيلية مغنّاة، الشاعر التشكيلي قريب الله عبدالواحد رسمها بألوان الحزن والرجاء، ومصطفى سيد أحمد سكَب فيها صوته كخيوط من الدم والضوء. تسمع وجيدة بالقلب كعمل فني خالد يبرهن أن الأغنية السودانية ليست طرباً فحسب، بل فناً شاملاً يذيب الشعر والموسيقى والرسم في بوتقة واحدة.
تقول كلمات قصيدة وجيدة، وهي من كلمات الشاعر، قريب الله عبدالواحد:
بعيد عني
خطاك ما لامست وجه الطريق
ومشيتي ومشيتي
لا فوق غيمة لا ظني بعيد عني
كأنك من وراء صفحة زجاج مبلول
وراك الريح وقدامك
مدى السكة وندا المجهول
أنادي ليك وأنادي ليك
وجيدة.. وجيدة
لا التفتي لا لوحتي بي إيديك
أنادي ليك
يجاوبني المدى الفاتح مدارج الهم
بتبقي وجيده طعنة سيف
موسده في شق السماء المرسوم
وسادة دم
وتبقى إيدينا في إيديك
وفي شعرك، وفي المنديل
وفي إيديك بعيد عني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.