في ظل تصاعد الانقسامات السياسية والعسكرية داخل السودان، كان يتطلع السودانيون بعين الترقب والحذر لاجتماع الرباعية الذي كان من المقرر عقده في واشنطن نهاية يوليو الحالي، والذي تشارك فيه كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية، الإمارات، السعودية، ومصر. يأتي هذا الاجتماع في الوقت الذي يتنازع فيه طرفي الصراع بالسودان على السلطة والشرعية: الأول يتمثل بالحكومة السودانية الشرعية المعترف بها دولياً، بقيادة الجيش في بورتسودانوالخرطوم، والثاني يتمثل بحكومة تحالف السودان الجديد "تأسيس" بقيادة ميليشيا الدعم السريع التي أعلنت تشكيلها في يوليو الماضي في مدينة نيالا بإقليم دارفور. هذا الانقسام يعمق الأزمة الأمنية والإنسانية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، والتي خلفت خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، وأدت إلى ما وصف بأنه أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم. وكان مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، قد أعلن عن تنظيم مؤتمر رباعي على المستوى الوزاري في واشنطن لبحث الأزمة السودانية، بمشاركة الدول المذكورة. وبحسب مصدر دبلوماسي مطّلع فإن الاجتماع الذي أعلنت عنه الإدارة الأميركية كان من المقرر عقده في 30 يوليو الماضي، إلا انه تم إلغاء اجتماع اللجنة الرباعية، من دون تحديد موعد جديد للاجتماع مما أثار التساؤلات حول أسباب الإلغاء. ولم تعلن الخارجية الأميركية الأسباب التي دفعتها لإلغاء الاجتماع، رغم التحضيرات المكثفة التي جرت خلال الأسابيع الماضية ومستوى التنسيق الإقليمي الذي تم، وتحضير البيان المشترك الذي كان معداً بشكل مسبق. إلا أن السفير المصري في واشنطن معتز زهران، أشار إلى احتمال تأجيل المؤتمر إلى سبتمبر المقبل، مؤكداً لصحيفة «الشرق الأوسط» اهتمام الرباعية بمتابعة الضغوط الدولية للتوصل إلى تسوية للأزمة في السودان. في سياق متصل، تصاعدت التحذيرات في الأوساط السياسية السودانية عقب فشل الاجتماع المرتقب في واشنطن بشأن الأزمة السودانية كغيره من المبادرات الدولية والإقليمية التي انتهت بفشل ذريع، وأخفقت في وقف الحرب المستمرة منذ أكثر من 27 شهراً. هذه المخاوف تعكس حالة من التشكيك في قدرة المجتمع الدولي على تجاوز حالة الجمود السياسي والعسكري التي تهيمن على المشهد السوداني. وعلى خلفية فشل عشرات المحاولات الدولية لاحتواء الأزمة، أكد الباحث محمد سمير الحسّان، على ضرورة توفر شروط أساسية لنجاح المفاوضات ومقرراتها. وتتمثل هذه الشروط في: إنهاء حالة التضارب الإقليمي والدولي، وتحديد الجهات الداخلية والخارجية التي تعرقل الحل ومحاسبتها، وإبعاد أي تشكيلات عسكرية عن السلطة، والتأسيس لخارطة طريق متماسكة لوقف إطلاق النار، والانخراط في عملية سياسية جادة، بالإضافة إلى وضع آليات صارمة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وبحسب الحسّان في حال عدم تحقق الشروط أعلاه فبطبيعة الحال سيفشل اي مؤتمر أو مفاوضات. حيث يرى بعض المراقبين بأن نجاح الاجتماع يتوقف على موازنات إقليمية، وتوافق دولي حول ترتيبات وقف إطلاق النار، وما يعقبها من عملية سياسية بمشاركة كل الأطراف السودانية. انقسام سياسي سوداني حول اجتماع واشنطن يعكس الانقسام الدولي في سياق متصل، وعلى الرغم من عدم دعوته للاجتماع، أعلن التحالف المدني الديمقراطي "صمود" في بيان صحفي دعمه الكامل للمبادرة الأمريكية التي تقودها المجموعة الرباعية الدولية، لوقف الصراع ومعالجة الأزمة في السودان. ويأتي ذلك بعد رفض تحالف "صمود" المدعوم من باريس والإمارات وعدة دول غربية لإعلان جدّة وإفشاله. في المقابل، أبلغت قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية، المؤيدة للجيش السوداني والمشاركة في حكومة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، السفير السعودي في السودان علي حسن بن جعفر، بضرورة اعتماد "إعلان جدة" كمرجعية لأي اتفاق يتعلق بإنهاء الحرب. وأوضح المتحدث باسم الكتلة، محمد زكريا، أن إعلان جدة يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، ويشكل أساسًا مناسبًا لأي اتفاقية أمنية مستقبلية. وبحسب مراقبين، فإن الانقسام في المشهد السياسي السوداني حول اجتماع واشنطن هو انعكاس مباشر للانقسام الدولي وتضارب المصالح حول الوضع في السودان. كما أن كل الخلافات بين القوى السياسية السودانية واخرها انقسام تنسيقية "تقدم" إلى تحالفي "صمود" والسودان التأسيسي، حصلت بشكل ممنهج ومدروس وبأوامر جهات خارجية غربية وإقليمية تدعم رئيس الوزراء السابق عبدلله حمدوك وتدفعه باتجاه إفشال كل المبادرات السياسية نحو الحل في البلاد. خبير: الدول المتورطة في الصراع تقرر الحل.. والاجتماع لتحقيق مصالحها فقط وعن أهداف الاجتماع وفرص نجاحه، قال الباحث في مركز الدراسات الأفريقية محمد عديل الحق، بأن أهدف مؤتمر واشنطن كانت تتمثل بتحقيق مصالح الدول المنظمة له في السودان، وليس مصالح الشعب السوداني. حيث كان من المفترض ان يناقش رؤية أميركا والدول المشاركة للأزمة، فواشنطن كانت تريد من وراء الاجتماع توسيع نطاق تدخلها بالملف السوداني، أما الامارات ترغب بمنح ذراعها العسكري "الدعم السريع" وقت أكبر ليعيد تجميع قواته وتوزيعها وتسليحها. أما السعودية ومصر فيدعمون الحكومة والجيش لضمان أمنهم القومي وأمن البحر الأحمر ضد مرتزقة "الدعم السريع". ووفقاً للخبير فإن شروط نجاح المؤتمر الأساسية غير متوفرة فيه لذلك فشل، والمؤشرات كانت كثيرة، أولها غياب القوى السياسية السودانية الممثلة للشعب السوداني عن الاجتماع، مما يثبت بشكل واضح دور الدول المتورطة بالصراع في سلب القرار السيادي للشعب السوداني وتورط بعض أطراف الصراع بالعمالة والإئتمار للخارج. ثانياً تضارب المصالح للقوى الإقليمية والدولية المشاركة بالاجتماع يصعّب الحل، فواشنطنوالإمارات العربية المتحدة تدعمان ميليشيا "الدعم السريع" والحكومة الناشئة الجديدة الممثلة لها بشكل مباشر وغير مباشر، أما مصر والسعودية تدعمان الجيش والحكومة السودانية. وأضاف: "وبالتالي فالأطراف الخارجية وممثليها بالداخل السوداني تعرقل الحل. حيث أن واشنطن قلقة على نفوذها من تداعيات الأزمة السودانية، وخاصة البحر الأحمر بعد تراجع حليفها "الدعم السريع" أمام ضربات الجيش، حيث تخشى واشنطن أي اختراق للجيش السوداني من الصين أو روسيا أو إيران، يمنحهم نفوذاً بحرياً وعسكرياً، ما يشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة". أما بالنسبة للإمارات، فبحسب عديل الحق، لم تمانع تشكيل حكومة بمناطق سيطرة "الدعم السريع" المدعوم منها بشكل مباشر. كما ساهمت وسعت لانعقاد هذا المؤتمر لإنقاذ "الدعم السريع" وحمايتها من الانهيار، من خلال إعطائها وقت لتستعيد قوتها وتعيد تسليح وتوزيع قواتها بذريعة الايقاف المؤقت للأعمال العدائية. وتتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بدعم ميليشيا "الدعم السريع"، وهو ما تنفيه أبو ظبي، حيث رفعت الحكومة السودانية شكوى رسمية ضد الإمارات في مجلس الأمن بتهمة تهريب السلاح والمرتزقة لصالح الدعم السريع عبر تشاد. وكانت "العفو الدولية" قد كشفت، في مايو الماضي، عن رصد أسلحة لدى ميليشيا "الدعم السريع" مصدرها دولة الإمارات، في انتهاك فاضح لحظر الأسلحة المفروض من الأممالمتحدة. يأتي ذلك بعد إدانة العفو الدولية لتهريب السلاح من الإمارات22