كذب علينا السيد رئيس الجمهورية عندما قال بالامس وامام حشود كبيرة باستاد بورتسودان انه متمسك بسودانية حلايب وانه سيسعي لتحريرها, فصفقت له الجماهير ايما تصفيق. لكنه ركب الطيارة ونسي الموضوع. كذب علينا في اسمرة عام 2006 عندما اعلن انه سيسعي لاعمار الشرق وتنميته, وسيضع حدا لتهميشه, فصفقت له الجماهير, ووقعت معه اتفاقا. ركب الطيارة ونسي الموضوع. بالأمس وضع سيادته حجر الأساس لمشروع مدينة سياحية سماها «قلب العالم» بجزيرة مقرسم بالبحر الأحمر شرق مدينة محمد قول وقال ومعه مستثمر اجنبي انه سيغطي الجزيرة بالابراج والفنادق والمنتجعات ومراكز التسوق وميناء ومطارات دولية ومناطق حرة بتكاليف تبلغ 11 مليار دولار. فهل هو جاد هذه المرة يا تري؟! ان كان جادا ام لا فالدلائل تشير ان ابناء البجا لن يسمحوا بالاستيلاء علي اراضيهم وجزرهم وموارد سبل كسب عيشهم بهذه السهولة. فبالامس غشتنا الانقاذ في اسمرة, وتركت حلايب محتلة لقوي اجنبية, ولكن اكتسبنا الخبرة, ولن يلدغ المؤمن من الجحر مرتين. مقرسم ستسيل من اجلها دماء. جاء تمليك الجزيرة للمستثمر الاجنبي خلسة ودون استشارة او حتي علم اهل المنطقة, في صفقة هي أكثر من مشبوة. ظلت السلطة التنفيدية بالبحر الاحمر ترفض تمليك الجزر او حتي استثمارها وخاصة لاجانب. لقد الزم القانون والعرف والتقاليد منذ ايام الاستعمار ضرورة اخذ موافقة سكان المنطقة قبل الاعتداء علي اراضيهم. هؤلاء المساكين لم يستشيرهم احد. بل وامعانا لتهميش الاهالي والسلطة الاقليمية اكد البشير ان المشروع سيحظي بالرعاية الخاصة لرئيسي الدولتين. الرعاية الخاصة للرئيسين؟ يا الهي! هذا يلقي غموضا أكثر علي المشروع المشبوه. لذلك تخطي المنفذون للمشروع حتي مجرد اخطار معتمد المحلية, فاستعمل سلطاته وامر بايقاف العمل في تنفيذ المشروع, وخاصة وان مناديب الشركة لم يقدموا له اي مستندات تثبت ملكيتهم للجزيرة. واكد السيد عيسي حمد شيك – معتمد المحلية – لوسائل الاعلام أن مواطني محليته لديهم تحفظات واضحة علي قيام المشروع فهم يسكنون الجزيرة منذ القدم وفيها مراعي وأبار مياه الشرب ويصطادون السمك حولها, الذين يتعيشون منه, ويصدرونه, وابدي استغرابه من الشروع في العمل دون اخطار المعتمدية رسميا وقال يجب إحترام تسلسل السلطات ويجب الاعتراف بالسلطة المحلية وبحقوق المواطنين اولا. هذه حقائق يعرفها حتي تلاميذ المدارس, الذين زاروا محمد قول والتقوا بصاحبهم حاج طاهر الذي اتقن فنون الصيد الماهر واكرمهم بأكلة الصيادية التي اشتهرت بها المنطقة. غضب سكان الجزيرة والمنطقة باكملها لعدم الاستشارة, والمشروع يحيط به الغموض, ولم ينشر عنه اي عطاء حكومي لمن يرغب في الإستئجار, ولم تتحدث عنه وسائل الاعلام. كل المداولات والصفقات تمت في ظلام دامس. وحتي لا تشرئب الاعناق قال عنه المنفذون كل شئ سيكون تحت الرعاية الخاصة بالرئيسين. ان قبائل البجا وبالتحديد فرع قبيلة الكرباب العريقة ظلت تسكن وتستثمر الجزيرة منذ آلاف السنين, زارهم قدماء المصريين والفنقيون والرومان والبرتقاليون وعرب الحجاز للاستثمار في الذهب والمعادن النفيسة, عرب جهينة جاءوا لشرق السودان أولا ثم تشتتوا في بقية السودان. وشهدت المنطقة مواجهات الحروب الصليبية, زارها الرحالة فاسكو دي قاما وبركهارت وابن بطوطة وكتبوا عنها الكثير. لقد ظل البحر الاحمر منذ فجر التاريخ منطقة حساسة في الصراعات الدولية وله اهمية بالغة استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا, وهاهي البوارج الحربية للدول الكبري تمخر في مياهه كل يوم بشكل متواصل. وجاءنا البشير ليقنعنا بان مشروع مدينة العالم هو فقط للاستثمار! ان الاسطول الحربي الاسرائيلي يتحاوم بالقرب من الجزيرة فاياكم وتوريد الارهابيين للمنطقة, كفانا مشاكل! ان جماهير البجا قد فقدت الامل نهائيا في اي تنمية او اعمار تقوم به الانقاذ, فرغم وعود متكررة ومعاهدات ومؤتمرات وتصريحات يصرف فيها الكلام, لم تر الجماهير اي تقدم في عهد الانقاذ. والعكس هو الصحيح, فقد شهدت المنطقة الدمار الذي شمل المشاريع الزراعية كالقاش وبركة واربعات, وتشليح هيئة المواني البحرية وخصخصتها, مما نتج عنه تشريد مئات الآلاف من عمال الشحن والتفرغ, وتدمير الخطوط البحرية السودانية, وتوقف مصانع الغزل والنسيج ومعاصر الزيوت, وتدمير السكة الحديدية والمدارس الصناعية, وتدمير صحة البيئة وطرد المنظمات الانسانية التي كانت تمد المواطن في الاماكن النائية بالغذاء والدواء والماء وتعتني بصحة البيئة. لقد تفاقمت الازمة الانسانية في عهد الانقاذ. جاءت التقارير الرسمية لتؤكد مرة اخري ارتفاع نسبة الإصابة بسوء التغذية وسط الاطفال وحالات الانيميا والموت المبكر, كما كشفت عن ذلك إدارة التغذية بوزارة الصحة بولاية القضارف بالأمس. ان جماهير البجا اليوم اكثر وعيا عما كانت عليه بالامس, ولن يتم خداعها بمشاريع وهمية, ولن تفرط في حقوقها, لن تتنازل عن ارض الجدود والآباء. لن تمنح مقرسم للاجانب. فقد صممت علي ان مقرسم ستسيل من اجلها الدماء.