دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحق في الحرية من التعذيب والمعاملة الوحشية او الحاطة من الكرامة الإنسانية
نشر في حريات يوم 02 - 08 - 2014


ناصف بشير الأمين
الحق في الحرية من التعذيب والمعاملة (او العقوبة) الوحشية او الحاطة من الكرامة الإنسانية هو أحد أهم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. التعذيب سلوك يعبر عن البربرية والتوحش اللاإنساني في أقصى تجلياتهما. ويعبر أيضا عن مصادرة الكرامة الإنسانية للضحايا. هذا الحق منصوص عليه تقريبا في جميع المعاهدات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. إضافة لذلك هناك معاهدات وآليات خاصة تعاقب أفعال التعذيب مثال اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملةأو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 1984م.على سبيل المثال ينص البند (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م على انه: (لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة). كذلك نجد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م قد كرر هذا النص في المادة 7 منه.
قبل ذلك بثلاث قرون، نجد أن وثيقة الحقوق الإنجليزية (The English Bill of Rights 1689) قد نصت على حظر المعاملة "الوحشية وغير الإعتيادية".
التعذيب والأشكال الأخرى للمعاملة اللاإنسانية كالإسترقاق تنتهك الكرامة الإنسانية وتنتهك حق الفرد في أن يعامل كإنسان. هذه الممارسة لاتنسجم لذلك مع السلوك الإنساني المتحضر مما اقتضى حظرها بشكل مطلق لايقبل أي إستثناءات. هذه مقاربة مختصرة لموضوع حظر التعذيب وكافة أشكال المعاملة اللاإنسانية، من خلال إختبار طبيعة وأهمية هذا الحق. كذلك فحص أبعاد وحدود واجب الدول لحماية الأفراد من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة من الكرامة. يتبع ذلك مسح تطبيقي موجز لمدى مراعاة قواعد حظر التعذيب في السياق السوداني.
تعرف إتفاقية مناهضة التعذيب 1984م "التعذيب" بانه: ((أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا،يلحق عمدا بشخص ما …)). ان التمييز بين التعذيب من جهة والمعاملة الوحشية او الحاطةمن الكرامة الإنسانيةمن جهة أخرى يقوم على الإختلاف في درجة المعاملة القاسية، وليس نوعيتها. في هذا الخصوص تعتبر كل أفعال التعذيب أيضا أفعالا وحشية وحاطة من الكرامة الإنسانية. كذلك تعتبر كل معاملة وحشية أيضا معاملة حاطة بالكرامة الإنسانية. في هذا الخصوص،توضع في الإعتبار الظروف العامة المحيطة وكذلك سن وجنس وخلفيات الضحايا..الخ. المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان (Inter-American Court of Human Rights)اعتبرت التهديد بالقتل او التعذيب قد يرقيا – في ظروف معينة- الى درجة التعذيب. كذلك تجب الإشارة الى ان لجنة حقوق الإنسان Human Rights Committeeومجلس حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة كلاهما قد عبرا صراحة عن رفضهما لكافة العقوبات البدنية Corporal punishments بإعتبارها صورا من التعذيب او العقوبة القاسية اوالحاطة من الكرامة الإنسانية. ولا يغير من الأمر شيئا كون هذا النوع من العقوبات منصوص عليه في القوانين الوطنية. هناك بعض وجهات النظر التي تعطي أهمية لعنصر القصد من قبل مرتكبي أفعال التعذيب، كعنصر يدخل في تحديدوتعريف المفهوم. وطبقا لهذا الرأي فإن التعذيب يستخدم بقصدالحصولعلى معلوماتأوعلىاعتراف. وفي هذه النقطة يشير الكاتب الى نقاش طويلدار،في العام الماضي،بين الكاتب وأستاذه البروفسور Luke Clements أستاذ حقوق الإنسان بجامعة كارديف، وأحد الأعلام في مجال حقوق الإنسان في بريطانيا، الذي كان يرى أهمية عنصر "القصد" Intention لإستخدام التعذيب بغرض الحصول على معلومات او إعتراف, كما هو وارد في تعريف أتفاقية مناهضة التعذيب. وجهة نظر الكاتب ان صياغة المادة (1) من إتفاقية مناهضة التعذيب 1984م تعبر عن "عقلية" وخلفية أوروبيتين تقصران إستخدام التعذيب على أغراض الحصول على معلومات او إعترافات من الضحايا، ولا تريان إحتمالات منطقية لإستخدامه في غير ذلك. بينما في الخبرة السودانية (والعالمثالثية عموما)، فإن التعذيب يعتبر أهم أسلحة الأنظمة الدكتاتورية والذي يستخدم بشكل رئيسي لأغراض إرهاب وتخويف المعارضين والخصوم السياسيين او الآيدويولوجين،وذلك بهدف إجبارهم على التوقف عن معارضة النظام وعن ممارسة النشاط السياسي. وإن التعذيب الذي يستخدم بغرض الحصول على المعلومات- في هذا السياق- ينحصر في نسبة صغيرة من حالات الضحايا من القيادات المعارضة والناشطين السياسيين البارزين.
من خلال تعريفه، يعتبر التعذيب فعلا يتناقض جذريا مع الكرامة الإنسانية، ومع معايير الديمقراطية المتمدنة، والسلوك الإنساني المتحضر. ومن ثم لا توجد على الإطلاق أي اعتبارات سياسة عامة او مصلحة اجتماعية يمكن ان تبرر إرتكاب او الفشل في منع وقوع مثل هذه الأفعال، غض النظر عن سلوك الضحية. ولا يكون مقبولا التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب، عدم استقرار سياسي داخلي أو اية حالة من حالات الطوارئ العامة الاخرى كمبرر للتعذيب.ولأن حظر التعذيب لايقبل أي إستثناءات، يعتبر العديد من فقهاء حقوق الإنسان ان ترتيب هذا الحق (من حيث إطلاقيته) Absolute rightيأتي في المرتبة الأولى مقارنة بسائر حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بما فيها الحق في الحياة (الذي ترد عليه بعض الإستثناءات كعقوبة الإعدام في بعض الأنظمة القانونية). كنتاج لذلك اخذ التعذيب وضعيته بإعتباره أحد جرائم القانون الدولي، واصبح الحظر الدولي على التعذيب يتمتع بالمكانة العالية لما يعرف بالقواعد الآمرة (السامية) للقانون الدولي (Jus cogens or a peremptory norm of general international law). وبما أن التعذيب يعتبر أحد الجرائم الكبرى التي تنتهك السلامة الشخصية الجسدية والنفسية للأفراد وسلامة وتكامل الشخصية Personal integrity، يمكن ان يرقى التعذيب وأشكال المعاملة الوحشية والحاطة من الكرامة – في ظروف معينة – الى درجة جرائم الحرب. وكذلك الحال عندما ترتكب هذه الأفعال كجزء من هجوم منظم وواسع النطاق ضد المدنيين يمكن تصنيفها كجرائم ضد الإنسانية (Crimes Against Humanity). في القانون الإنجليزي مثلا يعتبر جريمة قيام أي موظف عام بإرتكاب فعل التعذيب. بالمقارنة نجد ان القانون الجنائي السوداني يخلو من جريمة التعذيب. في قضية الدكتاتور الشيلي بينوشيه (Pinochet case 2000) التي رفعت أمام المحاكم الإنجليزية عام 2000م كمثال، قرر مجلس اللوردات البريطاني: "ان المسؤولين الحكوميين لا يتمتعون بأي حصانة، فيما يتعلق بإرتكابهم أفعال التعذيب." كذلك لايمكن لمرتكبي هذه الجرائم التذرعبالأوامرالصادرةعنجهات عليا، كمبرر لارتكاب أعمال التعذيب.
بالرجوع لقضية الإعتراف الذي يتم إنتزاعه بواسطةالتعذيب،تتوجب الإشارة هنا الى ان المستقر قانونا وقضاءا انه لايجوز الأخذ بأي إعتراف او اقوال صدرت من شخص تحت التعذيب او الإكراه، وذلك لغياب عنصر الطواعية الذي يعتبر ركنا أساسيا في الإعتراف، كمفهوم قانوني. فالشخص الواقع تحت التعذيب يمكن ان يوقع على أي أوراق او ان يدلى بأي أقوال تطلب منه ليتحاشى إستمرار التعذيب الواقع عليه. هذا المبدأ كان من المبادئ التي تم ترسيخها عميقا في القانون السوداني، عندما كان السودان يسودهمبدأ حكم القانونويوجد به قضاء مستقل. ففي قضية حكومة السودان ضد بابكر محمد بابكر 1967م، أرست المحكمة العلياالسودانية برئاسة القاضي عثمان الطيب مبدأ "مابنى على باطل فهو باطل." حيث لاتقبل أي بينة تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية. ولأن التطور التشريعي والقضائي في السودان هو تطور إرتدادي (كما هو الحال في السياسة والإقتصاد والمجتمع..الخ)، تم التراجع نكوصيا عن هذا المبدأ الذي يشكل أحد أركان سيادة حكم القانون. والأمر هنا يمكن تشبيهه بالقيام بعملية عكس لنظرية دارون التطورية، بحيث يسير التطور إرتداديا من الإنسان الى القرد، وهذه قصة أخرى. الذي حدثان قوانين سبتمبر 1983م المسماة "إسلامية" اشتملت على المادة 11 من قانون الإثبات لسنة 1983م الشهيرة، التي تنص على انه لاترفض البينة المتحصل عليها بوسائل "غير مشروعة" متى ما اطمأنت المحكمة لسلامتها من ناحية موضوعية. ذات النص تم تكراره في قانون الإثبات لسنة 1993م الساري حاليا. مؤدىذلك، فيما يخص موضوعنا، ان الإعتراف الذي يتم انتزاعه بالقوة تحت التعذيب يمكن ان يستخدم كبينة ضد الضحية،بموجب هذه القوانين المسماة شريعة إسلامية.
طبيعة إلتزام الدولة
ان الإلتزام الواقع على الدول بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان هو انه يحظر على الموظفين العموميين إرتكاب أفعال التعذيب وكافة أشكال المعاملة اللاإنسانية ضد أي فرد، ضمن نطاق ولاية الدولة. إضافة لذلك فإن الدولة ليس فقط عليها إلتزام سلبي بالإمتناع عن إرتكاب هذهالأفعال، وإنما يقع عليها التزام إيجابي للتأكد من عدم تعرض الإفراد المتواجدين داخل نطاق إختصاصها للتعذيب على أيديدول أخرى او أفراد. ويتوجب ان تتخذ الدولة كافة الإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية الفعالة لمنع أعمال التعذيب في أيمكان يخضع لاختصاصها القضائي. كذلك يقع على الدولة واجب إجراء التحقيقات اللازمة، كلما وجدت أسباب معقولة تشير الى ان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في نطاق اختصاصها. ويتبع ذلك ان تلتزم الدولة بأن تضمن لضحايا التعذيب الحق في التقاضي والتعويض والحماية وإعادة التأهيل، حسب المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وان يضمن النظام القانوني للدولة عدم قبول أي اعترافاو أقوال يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب. يترتب على ما تقدم إلتزام هام على الدول بأن تمتنع عن تسليم أي شخص يقيم على أراضيها او إبعاده الى دولة أخرى حيث يرجح ان يتعرض فيها للتعذيب او المعاملة الوحشية، حتى إذا كانت الدولة المستقبلة هي وطنه الأصلي. ونشير في ذلك الى مثال قضية أبوقتادة(Othman (Abu Qatada) v UK 2012) والذي لم تستطع بريطانيا ترحيله الى موطنه الأردن الا بعد صراع طويل في المحاكم البريطانية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إستمر لعدة سنوات وكلف الخزينة البريطانية العامةحوالي 20 مليون جنيه إسترليني. وذلك بعد اقنعت الحكومة البريطانية المحكمة بأنها حصلت على تعهدات وتطمينات دبلوماسية (Diplomatic assurances) من الأردن تؤكد بأن أبوقتادة لن يتعرض للتعذيب ولن تستخدم ضده أي بينة تم الحصول على عليها بواسطة التعذيب. ولم تقبل المحاكم في هذه القضية حجج الحكومة البريطانية بأن يسمح لها بإبعاد أبوقتادة الى وطنه الأم بسبب انهشخصمتطرف، يشكل وجودة خطرا على أمن البلاد وسلامة مواطنيها.
حظر التعذيب والمعاملة (او العقوبة) الوحشية او الحاطة من الكرامة في القانون السوداني
كما اشرنا،اصبحت جريمة التعذيب تتمتع بالمكانة العالية لما يعرف بالقواعد الآمرة (السامية) للقانون الدولي، وبالتالي هي ملزمة لجميع الدول دون استثناء. كذلك السودان صادق على عدد من المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب. ويشمل ذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م (ICCPR)، الذي انضم اليه السودان في العام 1986م،وكذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981م. هذه الإتفاقيات الدولية تعتبر جزءا لايتجزأ من الدستور السوداني بموجب نص المادة 27(3) من الدستور التي تنص على ان كل مواثيق حقوق الإنسان التي وقع عليها السودان تعتبرجزءا لايتجزأ من الدستور. كذلك تنص المادة 33 من الدستور على انه يجب الا يعرض أي شخص للتعذيب او المعاملة الوحشية او اللاإنسانية او الحاطة من الكرامة. بناء على ذلك فإن السودان ملزم بموجب القانون الدولي وبموجب دستورهبإتخاذ كافة ما يلزم لمنع إرتكاب جرائم التعذيب، وكذلك تجريم كافة صور التعذيب البدني والنفسي، والقيام يالتحقيقات اللازمة متى ما اثيرت إتهامات وشكاوى متعلقة بحالات تعذيب. من جانب آخر، لم يوقع السودان على إتفاقية مناهضة التعذيب وغيرهمنضروبالمعاملةأوالعقوبةالقاسيةأواللاإنسانيةأوالمهينة 1984م. والسبب وراء ذلك هو أن القانون الجنائي السوداني لا يجرم "العقوبات" القاسية او المهينة، بل العكس يشرعنها وينص عليها. ويشمل ذلك العقوبات البدنية بشكل عام، وعقوبات الجلد وقطع الأطراف والرجم على وجه الخصوص، على أساس انها عقوبات إسلامية منزلة. هذا بالرغم من وجود "قرارات غير معلنة" بعدم تطبيق عقوبات الرجم وقطع الأطراف عمليا. والواقع ان وجود هذه العقوبات في القانون الجنائي لسنة 1991م يتعارض كلية مع نص المادة 1-6-2 من إتفاقية السلام الشاملة 2005م التي تنص صراحة على انه يجب الا يعرض أي شخص للتعذيب او المعاملة او ((العقوبة)) الوحشية او اللاإنسانية او الحاطة من الكرامة. هذا النص كررته المادة 33 من الدستور.ومن التناقضات الأخرى انه لا يوجد نص في قانون العقوبات السوداني ينزل (يقونن) هذا النص الدستوري من خلال النص على جريمة التعذيب.وفي تعارض تام مع التزامات السودان بموجب القانون الدولي وبموجب نصوص دستوره، فيما يتعلق بحظر التعذيب، نجد ان المادة 50(1) من قانون الأمن الوطني لسنة 2010م تعطي لأعضاء جهاز الأمن الوطني سلطة إعتقال أي شخص مشتبه فيه لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتجديد بواسطة مدير جهاز الأمن لمدة خمسة عشر يوماً، قابلة للتمديدبواسطة مجلس الأمن الوطني لمدة ثلاثة أشهر أخري (ما مجموعه أربعة أشهر ونصف). نشير هنا الى انه عندما يكون الشخص معتقلا في ظروف لايسمح له فيها بتوكيل محام او بمقابلة أسرته،ويكون فقط تحت رحمة الجهة التي اعتقلته، يعرف هذا بالعزل التام (Incommunicado detention). مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إعتبر إمتداد هذا النوع من الإعتقال لفترة طويلة يمكن ان يرقى (لوحده) الى التعذيب اوالمعاملة الحاطة من الكرامة. كذلك توصلت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في العام 2006م الى ان قيام الولايات المتحدة الإمريكية بإختطاف وإعتقال الأشخاص المتهمين بالإرهاب في مناطق متعددة حول العالم، يمثل إنتهاكا للحظر على التعذيب والمعاملة القاسية. في ظروف إعتقال كهذه يكون الأفراد مكشوفين وعرضة للتعذيب والمعاملة الوحشية وغيرها من إنتهاكات حقوق الإنسان. ومثلما منحهم سلطات واسعة، نجد ان قانون الأمن الوطني قد منح أيضا أعضاء جهاز الأمن حصانات شبه مطلقة من المسآلة. وحسب نص المادة 52 (1) من القانون، فإنهلا يجوز اتخاذ أي إجراءات مدنية أو جنائية ضد عضو جهاز الأمن في أي فعل متصل بعمل العضو الرسمي إلاّ بموافقة المدير العام. وانه يجب على المدير العام إعطاء هذه الموافقة فقط إذا كان موضوع المساءلة "غير متصل بأعمال الجهاز." وتمتد ذات الحصانات لتشمل المتعاونين مع الجهاز. هذا الخلفية تفسر السجل غير العادي للنظام فيما يتعلق بأعمال التعذيب والمعاملة او العقوبة القاسية والحاطة من الكرامة، كممارسة ممتدة-إعتيادية-يومية-واسعة النطاق، كما وثقتها التقارير العديده للمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية المعنية. يكشف هذا السجل الى أي مدى يقف السودان منقطعا عن عالمه وزمانه، بعيدا عن الوفاء بالتزاماته بحظر جريمة التعذيب وكافة صور المعاملة الوحشية واللاإنسانية اوالحاطة من الكرامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.