بايرن ميونخ يتغلب على تشيلسي    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحق في الحرية من التعذيب والمعاملة الوحشية او الحاطة من الكرامة الإنسانية
نشر في حريات يوم 02 - 08 - 2014


ناصف بشير الأمين
الحق في الحرية من التعذيب والمعاملة (او العقوبة) الوحشية او الحاطة من الكرامة الإنسانية هو أحد أهم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. التعذيب سلوك يعبر عن البربرية والتوحش اللاإنساني في أقصى تجلياتهما. ويعبر أيضا عن مصادرة الكرامة الإنسانية للضحايا. هذا الحق منصوص عليه تقريبا في جميع المعاهدات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. إضافة لذلك هناك معاهدات وآليات خاصة تعاقب أفعال التعذيب مثال اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملةأو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 1984م.على سبيل المثال ينص البند (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م على انه: (لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة). كذلك نجد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م قد كرر هذا النص في المادة 7 منه.
قبل ذلك بثلاث قرون، نجد أن وثيقة الحقوق الإنجليزية (The English Bill of Rights 1689) قد نصت على حظر المعاملة "الوحشية وغير الإعتيادية".
التعذيب والأشكال الأخرى للمعاملة اللاإنسانية كالإسترقاق تنتهك الكرامة الإنسانية وتنتهك حق الفرد في أن يعامل كإنسان. هذه الممارسة لاتنسجم لذلك مع السلوك الإنساني المتحضر مما اقتضى حظرها بشكل مطلق لايقبل أي إستثناءات. هذه مقاربة مختصرة لموضوع حظر التعذيب وكافة أشكال المعاملة اللاإنسانية، من خلال إختبار طبيعة وأهمية هذا الحق. كذلك فحص أبعاد وحدود واجب الدول لحماية الأفراد من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة من الكرامة. يتبع ذلك مسح تطبيقي موجز لمدى مراعاة قواعد حظر التعذيب في السياق السوداني.
تعرف إتفاقية مناهضة التعذيب 1984م "التعذيب" بانه: ((أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا،يلحق عمدا بشخص ما …)). ان التمييز بين التعذيب من جهة والمعاملة الوحشية او الحاطةمن الكرامة الإنسانيةمن جهة أخرى يقوم على الإختلاف في درجة المعاملة القاسية، وليس نوعيتها. في هذا الخصوص تعتبر كل أفعال التعذيب أيضا أفعالا وحشية وحاطة من الكرامة الإنسانية. كذلك تعتبر كل معاملة وحشية أيضا معاملة حاطة بالكرامة الإنسانية. في هذا الخصوص،توضع في الإعتبار الظروف العامة المحيطة وكذلك سن وجنس وخلفيات الضحايا..الخ. المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان (Inter-American Court of Human Rights)اعتبرت التهديد بالقتل او التعذيب قد يرقيا – في ظروف معينة- الى درجة التعذيب. كذلك تجب الإشارة الى ان لجنة حقوق الإنسان Human Rights Committeeومجلس حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة كلاهما قد عبرا صراحة عن رفضهما لكافة العقوبات البدنية Corporal punishments بإعتبارها صورا من التعذيب او العقوبة القاسية اوالحاطة من الكرامة الإنسانية. ولا يغير من الأمر شيئا كون هذا النوع من العقوبات منصوص عليه في القوانين الوطنية. هناك بعض وجهات النظر التي تعطي أهمية لعنصر القصد من قبل مرتكبي أفعال التعذيب، كعنصر يدخل في تحديدوتعريف المفهوم. وطبقا لهذا الرأي فإن التعذيب يستخدم بقصدالحصولعلى معلوماتأوعلىاعتراف. وفي هذه النقطة يشير الكاتب الى نقاش طويلدار،في العام الماضي،بين الكاتب وأستاذه البروفسور Luke Clements أستاذ حقوق الإنسان بجامعة كارديف، وأحد الأعلام في مجال حقوق الإنسان في بريطانيا، الذي كان يرى أهمية عنصر "القصد" Intention لإستخدام التعذيب بغرض الحصول على معلومات او إعتراف, كما هو وارد في تعريف أتفاقية مناهضة التعذيب. وجهة نظر الكاتب ان صياغة المادة (1) من إتفاقية مناهضة التعذيب 1984م تعبر عن "عقلية" وخلفية أوروبيتين تقصران إستخدام التعذيب على أغراض الحصول على معلومات او إعترافات من الضحايا، ولا تريان إحتمالات منطقية لإستخدامه في غير ذلك. بينما في الخبرة السودانية (والعالمثالثية عموما)، فإن التعذيب يعتبر أهم أسلحة الأنظمة الدكتاتورية والذي يستخدم بشكل رئيسي لأغراض إرهاب وتخويف المعارضين والخصوم السياسيين او الآيدويولوجين،وذلك بهدف إجبارهم على التوقف عن معارضة النظام وعن ممارسة النشاط السياسي. وإن التعذيب الذي يستخدم بغرض الحصول على المعلومات- في هذا السياق- ينحصر في نسبة صغيرة من حالات الضحايا من القيادات المعارضة والناشطين السياسيين البارزين.
من خلال تعريفه، يعتبر التعذيب فعلا يتناقض جذريا مع الكرامة الإنسانية، ومع معايير الديمقراطية المتمدنة، والسلوك الإنساني المتحضر. ومن ثم لا توجد على الإطلاق أي اعتبارات سياسة عامة او مصلحة اجتماعية يمكن ان تبرر إرتكاب او الفشل في منع وقوع مثل هذه الأفعال، غض النظر عن سلوك الضحية. ولا يكون مقبولا التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب، عدم استقرار سياسي داخلي أو اية حالة من حالات الطوارئ العامة الاخرى كمبرر للتعذيب.ولأن حظر التعذيب لايقبل أي إستثناءات، يعتبر العديد من فقهاء حقوق الإنسان ان ترتيب هذا الحق (من حيث إطلاقيته) Absolute rightيأتي في المرتبة الأولى مقارنة بسائر حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بما فيها الحق في الحياة (الذي ترد عليه بعض الإستثناءات كعقوبة الإعدام في بعض الأنظمة القانونية). كنتاج لذلك اخذ التعذيب وضعيته بإعتباره أحد جرائم القانون الدولي، واصبح الحظر الدولي على التعذيب يتمتع بالمكانة العالية لما يعرف بالقواعد الآمرة (السامية) للقانون الدولي (Jus cogens or a peremptory norm of general international law). وبما أن التعذيب يعتبر أحد الجرائم الكبرى التي تنتهك السلامة الشخصية الجسدية والنفسية للأفراد وسلامة وتكامل الشخصية Personal integrity، يمكن ان يرقى التعذيب وأشكال المعاملة الوحشية والحاطة من الكرامة – في ظروف معينة – الى درجة جرائم الحرب. وكذلك الحال عندما ترتكب هذه الأفعال كجزء من هجوم منظم وواسع النطاق ضد المدنيين يمكن تصنيفها كجرائم ضد الإنسانية (Crimes Against Humanity). في القانون الإنجليزي مثلا يعتبر جريمة قيام أي موظف عام بإرتكاب فعل التعذيب. بالمقارنة نجد ان القانون الجنائي السوداني يخلو من جريمة التعذيب. في قضية الدكتاتور الشيلي بينوشيه (Pinochet case 2000) التي رفعت أمام المحاكم الإنجليزية عام 2000م كمثال، قرر مجلس اللوردات البريطاني: "ان المسؤولين الحكوميين لا يتمتعون بأي حصانة، فيما يتعلق بإرتكابهم أفعال التعذيب." كذلك لايمكن لمرتكبي هذه الجرائم التذرعبالأوامرالصادرةعنجهات عليا، كمبرر لارتكاب أعمال التعذيب.
بالرجوع لقضية الإعتراف الذي يتم إنتزاعه بواسطةالتعذيب،تتوجب الإشارة هنا الى ان المستقر قانونا وقضاءا انه لايجوز الأخذ بأي إعتراف او اقوال صدرت من شخص تحت التعذيب او الإكراه، وذلك لغياب عنصر الطواعية الذي يعتبر ركنا أساسيا في الإعتراف، كمفهوم قانوني. فالشخص الواقع تحت التعذيب يمكن ان يوقع على أي أوراق او ان يدلى بأي أقوال تطلب منه ليتحاشى إستمرار التعذيب الواقع عليه. هذا المبدأ كان من المبادئ التي تم ترسيخها عميقا في القانون السوداني، عندما كان السودان يسودهمبدأ حكم القانونويوجد به قضاء مستقل. ففي قضية حكومة السودان ضد بابكر محمد بابكر 1967م، أرست المحكمة العلياالسودانية برئاسة القاضي عثمان الطيب مبدأ "مابنى على باطل فهو باطل." حيث لاتقبل أي بينة تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية. ولأن التطور التشريعي والقضائي في السودان هو تطور إرتدادي (كما هو الحال في السياسة والإقتصاد والمجتمع..الخ)، تم التراجع نكوصيا عن هذا المبدأ الذي يشكل أحد أركان سيادة حكم القانون. والأمر هنا يمكن تشبيهه بالقيام بعملية عكس لنظرية دارون التطورية، بحيث يسير التطور إرتداديا من الإنسان الى القرد، وهذه قصة أخرى. الذي حدثان قوانين سبتمبر 1983م المسماة "إسلامية" اشتملت على المادة 11 من قانون الإثبات لسنة 1983م الشهيرة، التي تنص على انه لاترفض البينة المتحصل عليها بوسائل "غير مشروعة" متى ما اطمأنت المحكمة لسلامتها من ناحية موضوعية. ذات النص تم تكراره في قانون الإثبات لسنة 1993م الساري حاليا. مؤدىذلك، فيما يخص موضوعنا، ان الإعتراف الذي يتم انتزاعه بالقوة تحت التعذيب يمكن ان يستخدم كبينة ضد الضحية،بموجب هذه القوانين المسماة شريعة إسلامية.
طبيعة إلتزام الدولة
ان الإلتزام الواقع على الدول بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان هو انه يحظر على الموظفين العموميين إرتكاب أفعال التعذيب وكافة أشكال المعاملة اللاإنسانية ضد أي فرد، ضمن نطاق ولاية الدولة. إضافة لذلك فإن الدولة ليس فقط عليها إلتزام سلبي بالإمتناع عن إرتكاب هذهالأفعال، وإنما يقع عليها التزام إيجابي للتأكد من عدم تعرض الإفراد المتواجدين داخل نطاق إختصاصها للتعذيب على أيديدول أخرى او أفراد. ويتوجب ان تتخذ الدولة كافة الإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية الفعالة لمنع أعمال التعذيب في أيمكان يخضع لاختصاصها القضائي. كذلك يقع على الدولة واجب إجراء التحقيقات اللازمة، كلما وجدت أسباب معقولة تشير الى ان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في نطاق اختصاصها. ويتبع ذلك ان تلتزم الدولة بأن تضمن لضحايا التعذيب الحق في التقاضي والتعويض والحماية وإعادة التأهيل، حسب المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وان يضمن النظام القانوني للدولة عدم قبول أي اعترافاو أقوال يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب. يترتب على ما تقدم إلتزام هام على الدول بأن تمتنع عن تسليم أي شخص يقيم على أراضيها او إبعاده الى دولة أخرى حيث يرجح ان يتعرض فيها للتعذيب او المعاملة الوحشية، حتى إذا كانت الدولة المستقبلة هي وطنه الأصلي. ونشير في ذلك الى مثال قضية أبوقتادة(Othman (Abu Qatada) v UK 2012) والذي لم تستطع بريطانيا ترحيله الى موطنه الأردن الا بعد صراع طويل في المحاكم البريطانية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إستمر لعدة سنوات وكلف الخزينة البريطانية العامةحوالي 20 مليون جنيه إسترليني. وذلك بعد اقنعت الحكومة البريطانية المحكمة بأنها حصلت على تعهدات وتطمينات دبلوماسية (Diplomatic assurances) من الأردن تؤكد بأن أبوقتادة لن يتعرض للتعذيب ولن تستخدم ضده أي بينة تم الحصول على عليها بواسطة التعذيب. ولم تقبل المحاكم في هذه القضية حجج الحكومة البريطانية بأن يسمح لها بإبعاد أبوقتادة الى وطنه الأم بسبب انهشخصمتطرف، يشكل وجودة خطرا على أمن البلاد وسلامة مواطنيها.
حظر التعذيب والمعاملة (او العقوبة) الوحشية او الحاطة من الكرامة في القانون السوداني
كما اشرنا،اصبحت جريمة التعذيب تتمتع بالمكانة العالية لما يعرف بالقواعد الآمرة (السامية) للقانون الدولي، وبالتالي هي ملزمة لجميع الدول دون استثناء. كذلك السودان صادق على عدد من المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب. ويشمل ذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م (ICCPR)، الذي انضم اليه السودان في العام 1986م،وكذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981م. هذه الإتفاقيات الدولية تعتبر جزءا لايتجزأ من الدستور السوداني بموجب نص المادة 27(3) من الدستور التي تنص على ان كل مواثيق حقوق الإنسان التي وقع عليها السودان تعتبرجزءا لايتجزأ من الدستور. كذلك تنص المادة 33 من الدستور على انه يجب الا يعرض أي شخص للتعذيب او المعاملة الوحشية او اللاإنسانية او الحاطة من الكرامة. بناء على ذلك فإن السودان ملزم بموجب القانون الدولي وبموجب دستورهبإتخاذ كافة ما يلزم لمنع إرتكاب جرائم التعذيب، وكذلك تجريم كافة صور التعذيب البدني والنفسي، والقيام يالتحقيقات اللازمة متى ما اثيرت إتهامات وشكاوى متعلقة بحالات تعذيب. من جانب آخر، لم يوقع السودان على إتفاقية مناهضة التعذيب وغيرهمنضروبالمعاملةأوالعقوبةالقاسيةأواللاإنسانيةأوالمهينة 1984م. والسبب وراء ذلك هو أن القانون الجنائي السوداني لا يجرم "العقوبات" القاسية او المهينة، بل العكس يشرعنها وينص عليها. ويشمل ذلك العقوبات البدنية بشكل عام، وعقوبات الجلد وقطع الأطراف والرجم على وجه الخصوص، على أساس انها عقوبات إسلامية منزلة. هذا بالرغم من وجود "قرارات غير معلنة" بعدم تطبيق عقوبات الرجم وقطع الأطراف عمليا. والواقع ان وجود هذه العقوبات في القانون الجنائي لسنة 1991م يتعارض كلية مع نص المادة 1-6-2 من إتفاقية السلام الشاملة 2005م التي تنص صراحة على انه يجب الا يعرض أي شخص للتعذيب او المعاملة او ((العقوبة)) الوحشية او اللاإنسانية او الحاطة من الكرامة. هذا النص كررته المادة 33 من الدستور.ومن التناقضات الأخرى انه لا يوجد نص في قانون العقوبات السوداني ينزل (يقونن) هذا النص الدستوري من خلال النص على جريمة التعذيب.وفي تعارض تام مع التزامات السودان بموجب القانون الدولي وبموجب نصوص دستوره، فيما يتعلق بحظر التعذيب، نجد ان المادة 50(1) من قانون الأمن الوطني لسنة 2010م تعطي لأعضاء جهاز الأمن الوطني سلطة إعتقال أي شخص مشتبه فيه لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتجديد بواسطة مدير جهاز الأمن لمدة خمسة عشر يوماً، قابلة للتمديدبواسطة مجلس الأمن الوطني لمدة ثلاثة أشهر أخري (ما مجموعه أربعة أشهر ونصف). نشير هنا الى انه عندما يكون الشخص معتقلا في ظروف لايسمح له فيها بتوكيل محام او بمقابلة أسرته،ويكون فقط تحت رحمة الجهة التي اعتقلته، يعرف هذا بالعزل التام (Incommunicado detention). مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إعتبر إمتداد هذا النوع من الإعتقال لفترة طويلة يمكن ان يرقى (لوحده) الى التعذيب اوالمعاملة الحاطة من الكرامة. كذلك توصلت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في العام 2006م الى ان قيام الولايات المتحدة الإمريكية بإختطاف وإعتقال الأشخاص المتهمين بالإرهاب في مناطق متعددة حول العالم، يمثل إنتهاكا للحظر على التعذيب والمعاملة القاسية. في ظروف إعتقال كهذه يكون الأفراد مكشوفين وعرضة للتعذيب والمعاملة الوحشية وغيرها من إنتهاكات حقوق الإنسان. ومثلما منحهم سلطات واسعة، نجد ان قانون الأمن الوطني قد منح أيضا أعضاء جهاز الأمن حصانات شبه مطلقة من المسآلة. وحسب نص المادة 52 (1) من القانون، فإنهلا يجوز اتخاذ أي إجراءات مدنية أو جنائية ضد عضو جهاز الأمن في أي فعل متصل بعمل العضو الرسمي إلاّ بموافقة المدير العام. وانه يجب على المدير العام إعطاء هذه الموافقة فقط إذا كان موضوع المساءلة "غير متصل بأعمال الجهاز." وتمتد ذات الحصانات لتشمل المتعاونين مع الجهاز. هذا الخلفية تفسر السجل غير العادي للنظام فيما يتعلق بأعمال التعذيب والمعاملة او العقوبة القاسية والحاطة من الكرامة، كممارسة ممتدة-إعتيادية-يومية-واسعة النطاق، كما وثقتها التقارير العديده للمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية المعنية. يكشف هذا السجل الى أي مدى يقف السودان منقطعا عن عالمه وزمانه، بعيدا عن الوفاء بالتزاماته بحظر جريمة التعذيب وكافة صور المعاملة الوحشية واللاإنسانية اوالحاطة من الكرامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.