رمز الوسامة !!! صلاح عووضة * على مقعد خشبي في الصالة الخارجية لمصلحة الأراضي جلست انتظر دوري لمقابلة المدير وأنا طالب بعد في الجامعة.. * كان من السهل مقابلة المسؤول- أيما مسؤول- في ذياك الزمن (الوسيم).. * الوسيم أناساً ومدناً وتعاملاً وعلائق و(تلفزيوناً) و فناً و خدمةً مدنية.. * وأنا في لحظات الإنتظار تلك إذ نُودي عليّ لمقابلة مدير الأراضي فتحي كرار .. * كان الغرض من تلكم المقابلة هو الاستفسار عن السبب الذي جعل أرض الوالد تؤول ملكيتها إلى شخص آخر.. * وبوسامة (تعاملية)- لا تفرق بين صغير «فنطوط» و مسؤول كبير- اهتم الراحل بالقضية حتى إذا ما خرجت من عنده هُرِعت إلى البوستة (أشدُّ) برقيةً لحلفا أبشر فيها الوالد بأن الأرض قد عادت إليه تجرجر أطرافها.. *وكرار هذا للعلم مات و هو يسكن في منزل إيجار وليس مثل بعض من أتوا بعده – في زمان الإنقاذ – ممن (كاوشوا) على الأراضي وهم يهتفون (هي لله).. *مات أثناء تأدية واجبه – بمكتبه – يمنح القطع السكنية ل(مستحقيها) وليس للموالين والمتوالين ومن تبعهم بموالاة .. * وفرحتي ب(الإنصاف) ذاك لم تكن تقل عن فرحة أخرى خلال لحظات الإنتظار بالصالة الخشبية.. * فقد استرعى انتباهي توقف عربة مرسيدس (كحلية) اللون يترجل منها مطرب كنت- وما زلت- أعشق أغنياته بقدر عشقي ل(الديمقراطية).. * ثم ذُهلت حين قدم نحوي المطرب (الوسيم) يحييني وكأنه كان يعلم أنني أحفظ أغنياته عن ظهر قلب- من شدة إعجابي بها- في ذياك الزمان ذي (الوسامة).. * إنه عميد الفن السوداني أحمد المصطفى الذي أدين لوسيم (معتق) آخر بفضل اجتثاثنا من (ذا الزمان)- لساعتين- كيما أكتب كلمتنا هذي من وحي الذي مضى.. * فما زلت أذكر كيف (تسمَّرت) أمام شاشة التلفاز أشاهد حلقة من برنامج (أسماء في حياتنا) استضاف فيها الرائع عمر الجزلي صاحب (الدويتو) الغنائي الشهير مع المطربة اللبنانية صباح.. * وقبل أيام (تسمَّرت)- أيضاً- أشاهد الجزلي نفسه وهو يخصص سهرة عن أحمد المصطفى بعنوان (أجيال) يستضيف فيها ابنه عز الدين.. * وتخللت السهرة المذكورة أغنيات لأحمد المصطفى من حلقة (أسماء في حياتنا) تلك شدا فيها ب(ظالمني) و (راحل مقيم) و (في سكون الليل) و (أنا أمدرمان).. * كان (وسيماً) في مظهره وملبسه وغنائه وحديثه تماماً كما كان رصفاؤه- ومن هم بعده- من أمثال وكابلي ووردي وزيدان و خوجلي وعبد القادر سالم.. * ثم خلف من بعدهم خلفٌ جسدوا القبح بكل معانيه ؛ شكلاً ومظهراً وملبساً و (مسلكاً) وغناءً.. * إنهم رموز لزماننا (الدميم) هذا الذي أضحى عنوانه (تُلُب) و(تِليب) و(حرامي القلوب تَلب).. * ويبقى أحمد المصطفى رمزاً (وسيماً) لزمان (الوسامة).. * وشكراً (الوسيم) الجزلي في زمان (القبح!!!) . بالمنطق – صلاح الدين عووضة صحيفة الأهرام اليوم.