لقد جنى ( هؤلاء) على الإسلام و هم لا يعلمون.. و مأواهم جهنم و هم لا يدرون! ينتهي الرئيس من خطابه ( الجامع) في أي ميدان عام.. يتدافع الأرزقية نحوه في حماس جاد جداً، حماس يقطع النَفَس.. و التهليل و التكبير يصدران بتواصل لا ينقطع.. و تهتز لِحىً تحيط ب( جضاضيم) لامعة و تتحرك كروش منتفخة بالسحت.. و الشالات ترفرف على إيقاع النسائم و الليل يكاد يرخي سدوله.. و الطبول تُدق في حماس غامر و متناغم.. و الحالة العامة في الميدان تشتط أهازيج و رقصات فرسان " دخلوا البلد و…" و غبار يرتفع ارتفاع الحماس و الرقص الأشتر.. و يفاجئني بيتُ شعر قادم من أفقٍ مجهول، أضحك و أنا أصغي إلى شاعر ذاك بيت الشعر النبيه و هو يصف المشهد:- " لا تخدعنَّك اللِحى و الصورُ.. تسعةُ أعشارِ من ترى بقرُ!" أصمتُ بعد الضحكة الصاخبة صخبَ الايقاعات المجنونة.. أرنو إلى الحياة و زيفها.. و المتدافعون يتخبطون.. و يرقص الراقصون في نشوة عاجزة عن إدراك أن في دارفور امرأة يغتصبها الجنجويد في نفس اللحظة.. و طفل في جبال النوبة تمزقه طائرة سوخوي لحظتها.. و أسرة تباد عن آخرها في النيل الأورق في نفس الوقت.. و يهلل و يكبر المهللون و المكبرون و هم يعلمون، علم اليقين، أن الخطاب ( الرئاسي) يتقاصر عن تحقيق عُشر معشار ما جاء في مضمونه عن الاستقرار و الأمن و السلام.. و التنمية المستدامة.. ربما يكونون مغيبون لحد السَفَه.. لكن معظمهم، بالتأكيد، جزء من ساتر كبير تم اعداده لتغطية الكذب و النفاق الجاثم فوق المشهد السياسي في السودان.. و الشعب السوداني يتفرج على ما يحدث من تمثيلية لم يتم اخراجها في التلفاز بشكل مقنع.. و الشعب مدرك لما تحت الساتر من إفك و ضلال.. لكن لا يستطيع الفكاك من سماع ما يقال من وعود و ( بشريات) شبِع منها.. و ليس أمامه سوى إغلاق التلفاز أو الرحيل إلى قنوات أخرى.. بحثاً عن ظل يقيه من سَموم ( الانقاذ).. تهليل أجوف و تكبيرات جوفاء.. سقطت الثقة بعيداً عن كل من يكبر أو يهلل في أي مجلس من المجالس، حتى و إن كان الذي هلل و كبر مسلماً مؤمناً بما يصدر منه تهليلاً و تكبيراً، و دون غرض دنيوي.. بل و صارت حتى البسملة تثير الشك في غرض من ينطقها علناً و بصوت عالٍ أمام الجماهير في أي مكان! لقد أفقد المتأسلمونُ الثقةَ في جميع الداعينَ إلى مقاصد الاسلام، و الثقة أهم ركائز الدعاة، افتقدوها بعد أن ارتبطت شعائر اسلام ( الانقاذ) بحبال متينة من التدليس المفضي إلى الشكوك المنفرة.. و المزيلة لفرص نفاذ المقاصد إلى القلوب غير الصدئة.. و نكات كثيرة تدور حول ( الانقاذيين) و حول النهب ( رجالة و حمرة عين) و حول السرقات القانونية في مواسم التحلل، كثيرة هي النكات.. و تقول احداها أن أحد المتهمين بالسرقة وقف أمام القاضي.. و بدأ حديثه بالبسملة و الصلاة على الرسول الأعظم.. قبل أن يُعرِّف نفسه باسمه.. و بعد الفراغ من تقديم نفسه، كان اسم المتهم اسماً يطُلق على غير المسلمين ما جعل القاضي يسأله عما إذا كان مسلماً.. و لما نفى انتماءه إلى الاسلام.. سأله القاضي عن السبب في البدء تقديم نفسه بالبسملة و الصلاة على الرسول.. فرد المتهم بأن هذا ديدن كل الحرامية هذه الأيام..! هذا هو المفهوم في الشارع العام! لم يعد الطريق سالكاً للغش باسم الشريعة الاسلامية.. و مع ذلك، لا نزال نسمع الرئيس/ البشير يعزف على وتر الشريعة في كل خطاب سياسي.. و لا يدري مدى المفعول العكسي لخطاباته.. و ازدياد عدم اليقين في النفوس اليائسة من أي خير يأتي من نظام غاص في نعيم الدنيا و هو يدعو الناس إلى التمسك بأهداب الدين.. و نحتار في مدى معرفة الرئيس بمتغيرات المفاهيم و المطلوبات الشعبية:- ( الشعب يريد اسقاط النظام!).. لن يفهم ذلك و لديه من المساعدين و المستشارين أكثر مما لدى الرئيس/ أوباما.. بالإضافة إلى أن لدى البشير من العلماء أعداداً أكثر من ما لدى أي سلطان سلجوقي.. و أعداد لِحى تدخل القصر.. و تتحرك في اتجاه.. و أعداداً من لِحى كثيفة تخرج من القصر.. و لحىً تتحرك في جميع الاتجاهات في كل المواقع و كل ركن في البلد.. لكن: " لا تخدعنَّك اللِحى و الصورُ.. تسعةُ أعشارِ من ترى بقرُ!"