تحالف "صمود": استمرار الحرب أدى إلى كارثة حقيقية    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تدعم الفنان عثمان بشة بالترويج لأغنيته الجديدة بفاصل من الرقص المثير    "صمود" يدعو لتصنيف حزب المؤتمر الوطني "المحلول"، والحركة الإسلامية وواجهاتهما ك "منظومة إرهابية"    صحة الخرطوم تبحث خطة لإعادة إعمار المرافق الصحية بالتعاون مع الهيئة الشبابية    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    كمين في جنوب السودان    كوليبَالِي.. "شَدولو وركب"!!    دبابيس ودالشريف    إتحاد الكرة يكمل التحضيرات لمهرجان ختام الموسم الرياضي بالقضارف    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    ارتفاع احتياطيات نيجيريا من النقد الأجنبي بأكثر من ملياري دولار في يوليو    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    اكتمال عملية التسليم والتسلم بين رئيس مجلس الإدارة السابق والمدير العام للنادي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    ترامب يعلق على عزم كندا الاعتراف بدولة فلسطين    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    «ملكة القطن» للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني يشارك في مهرجان فينيسيا    وزارة المالية توقع عقد خدمة إلكترونية مع بنك النيل الأزرق المشرق    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    السودان..الإعلان عن إنزال البارجة"زمزم"    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الفقهاء عبدالرزاق السنهوري والسودان (4 والاخيرة)
نشر في حريات يوم 02 - 11 - 2016

كما ذكرت في الحلقة (3) فإن آخر ما سجله السنهوري في أوراقه عن السودان كان بتاريخ أول نوفمبر 1952، وورد فيه: «قرأت في إحدى الصحف نص الاتفاقية التي عُقدت مع المهدي والاستقلاليين، وأحمد الله أن الظروف حالت دون اشتراكي في وضعها، فيبدو لي أنها تتضمن تسليم السودان إلى المهدي، ومتى تسلم المهدي فعليه أن يسلمه للانجليز وإلا سلمه الميرغني».
وذكرت كذلك أن ما تقدم يثير العديد من الأسئلة مثل: ما هي الظروف التي حالت دون اشتراك السنهوري في وضع الاتفاقية بين الاستقلاليين والحكومة المصرية؟ وما هي أحكام تلك الاتفاقية؟ وهل احتوت على حكم يقضي بتسليم السودان إلى السيد عبدالرحمن المهدي أو يلزم المهدي بتسليمه من بعد إلى الإنجليز؟ وما هو سبب نقمة السنهوري على السيد علي الميرغني؟
وقد أرجأت إلى هذه الحلقة الأخيرة الإجابة على تلك الاسئلة حتى ينفسح لي المجال لتعريف القارئ بمشروع قانون الحكم الذاتي الذي أجازته الجمعية التشريعية في أبريل 1952 ورُفع إلى دولتي الحكم الثنائي في 8 مايو 1952. يؤسس هذا القانون لآخر مرحلة من مراحل التطور الدستوري في السودان وهي مرحلة الحكم الذاتي الكامل. وسيرى القارئ أنه كان موضوع الاتفاق الذي أبرم في 29 اكتوبر 1952 بين الاستقلاليين والحكومة المصرية. وقد أُفرغ هذا الاتفاق في المذكرة التي بعثت بها الحكومة المصرية إلى الحكومة البريطانية في 2 نوفمبر 1952. وأصبح أساس الاتفاق الذي أُبرم بين دولتي الحكم الثنائي في 12 فبراير 1953 بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان.
المفاوضات التمهيدية
عُقدت قبل وبعد وصول السيد عبدالرحمن المهدي إلى القاهرة في 20 اكتوبر 1952 مفاوضات غير رسمية بين الاستقلاليين وحكومة ثورة 23 يوليو 1952 للتمهيد للمفاوضات الرسمية. ضم وفد المفاوضات التمهيدية عبدالله الفاضل المهدي ومحمد صالح الشنقيطي وعبدالرحمن علي طه ومحمد أحمد محجوب وأحمد يوسف هاشم.
في أحد الاجتماعات مع محمد نجيب وعلي ماهر بسط الاستقلاليون وجهة نظرهم، وأكدوا على حسن نواياهم وحرصهم على الوصول إلى تفاهم يقوم على أسس سليمة. وحذروا من أن أي محاولة من جانب مصر لتأجيل تنفيذ دستور الحكم الذاتي سينظر إليها السودانيون بعين السخط وسيعتبرونها عداءً موجهاً من مصر إلى السودانيين. وأهاب الاستقلاليون بالحكومة المصرية أن توافق على دستور الحكم الذاتي حتى لا يتعطل التطور الدستوري في السودان، وأن تقترح ما ترى من التعديلات التي تستخلص للسودانيين وحدهم سلطات الحكم الذاتي.
وبناء على طلب محمد نجيب أعد الاستقلاليون مذكرة تتضمن ملاحظاتهم على دستور الحكم الذاتي والتعديلات التي يقترحونها حتى تكون للسودانيين السيطرة التامة على الحكم الذاتي. إنحصرت تلك المقترحات في النقاط التالية:
1- حق الحاكم العام في «الفيتو» في مسألة الجنوب ومساندة الوزيرين الجنوبيين.
-2تحويل سلطات الحاكم العام للسودانيين.
-3 تعديل قانون الانتخابات حتى تكون الإنتخابات مباشرة في جميع دوائر السودان الشمالي لمجلسي النواب والشيوخ.
-4تحديد تاريخ معين لتقرير المصير.
وفي اجتماع لاحق درس الاستقلاليون مع مندوبي مجلس قيادة الثورة حسين ذو الفقار صبري وصلاح سالم، دستور الحكم الذاتي دراسة مفصلة إلى أن أقنعوهما بأن التعديلات المطلوبة للدستور لا تستغرق وقتاً طويلاً، ولا معنى لتأجيل تنفيذ الحكم الذاتي في السودان.
وبناءً على ما عرضه الاستقلاليون في الاجتماعات السابقة، طرحت الحكومة المصرية على الاستقلاليين في 21 أكتوبر 1952 بعض النقاط كأساس للبحث فقبلوها أساساً للمفاوضات الرسمية. وقد نصت النقاط على الآتي:
-1الهدف: تقرير السودانيين مصيرهم في حرية تامة إما بإعلان استقلال السودان بحدوده الجغرافية عن كل من مصر وبريطانيا أو أي دولة أخرى أو الارتباط مع مصر، على أن يسبق ذلك قيام الحكم الذاتي الكامل في السودان فوراً.
2 – اشتراطات (أ) تعديل دستور الحكم الذاتي المقترح بما يحقق سيطرة السودانيين أنفسهم على الحكم الذاتي فوراً.
(ب) إعتبار فترة الحكم الذاتي تصفية للإدارة الثنائية وليس امتداداً لها.
(ج) زوال النفوذ الأجنبي في البلاد وذلك عن طريق سودنة الإدارة الحكومية في السودان.
-3 الوسائل: بحث الوسائل العملية التي تؤدي إلى تحقيق ما هو مذكور أعلاه.
وفي الخامسة من مساء الثلاثاء 21 اكتوبر 1952 إلتقى محمد نجيب لمدة أربع ساعات بعبدالرحمن علي طه. وعقب اللقاء صرح محمد نجيب بأن الحديث تناول تنظيم سير المباحثات مع حزب الأمة في المسألة السودانية، وأنه تم الاتفاق على ان تبدأ المباحثات الرسمية مساء يوم الأربعاء 22 اكتوبر 1952. وتطرق الاجتماع لوجهة نظر حزب الأمة بشأن دستور الحكم الذاتي، وموعد الانتخابات، وإلى اللقاءات التي عقدها المهدي في لندن مع ونستون تشيرشل وأنتوني إيدن.
المفاوضات الرسمية وثورة السنهوري
على أساس نقاط البحث التي اتفق عليها بدأت المفاوضات الرسمية بين الاستقلاليين والحكومة المصرية باجتماع عُقد برئاسة مجلس الوزراء في الساعة السادسة من مساء الاربعاء 22 اكتوبر 1952. تكون الوفد الاستقلالي من عبدالله الفاضل المهدي وعبدالرحمن علي طه وعبدالرحمن عابدون ويعقوب عثمان عن حزب الأمة، ومحمد صالح الشنقيطي ومحمد أحمد المحجوب وأحمد يوسف هاشم عن الاستقلاليين المستقلين، وأيبويه عبدالماجد وميرغني حسين زاكي الدين عن زعماء القبائل. وأُختير زيادة أرباب سكرتيراً للوفد وتكون الجانب المصري من محمد نجيب، وعلي ماهر، وعبدالرزاق السنهوري رئىيس مجلس الدولة، وحسين ذو الفقار صبري وصلاح سالم.
ومع أن الاجتماع بدأ ودياً إلا أنه سرعان ما فجر عبدالرزاق السنهوري أزمة كادت تقصف بالمفاوضات. فقد أعلن السنهوري أنه لا يوافق على أن يُمنح الحكم الذاتي الكامل فوراً للسودانيين، وهدد بالانسحاب من الجانب المصري إذا كانت «عبارة الذاتي الكامل فوراً» الواردة في الفقرة الأولى من نقاط البحث تمثل رأي الحكومة المصرية.
إبعاد السنهوري من الجانب المصري
إستنكر الاستقلاليون ما بدر من السنهوري، وبعثوا في 23 اكتوبر 1952 برسالة إلى محمد نجيب عبّروا فيها عن الاستياء الشديد لموقف السنهوري وخطره على استمرار المفاوضات. أعد الرسالة عبدالرحمن علي طه وصدرت بتوقيع رئىيس الوفد الاستقلالي عبدالله الفاضل المهدي. جاء في إحدى فقرات الرسالة: «والذي أدهشنا حقاً، بل حز في نفوسنا أن يفاجئنا الأخ الكريم بتنكره لعبارة (الحكم الذاتي الكامل فوراً) الواردة في نهاية الفقرة الأولى من نقاط البحث، وأن يهدد بالإنسحاب إذا كانت هذه العبارة تمثل رأي الحكومة!! فهل كان يرى في عبارة الحكم الذاتي الكامل فوراً مطلباً غير مشروع جئنا نستجدي تحقيقه أو نتقبله هبة ومنة؟ أو تراه قد فاته أنّا أصحاب حق طبيعي أردنا أن نستعين بإخوة كرام على استخلاصه بأقرب فرصة ممكنة!! أو تراه قد فاته أيضاً – وهو اللبق الحكيم – أننا باستخلاص حقنا كاملاً وعلى الفور إنما نريد أن تستقر الأحوال السياسية في بلادنا لنكون لمصر القوة والسند، ونتمكن من تنظيم علاقتنا بها على وجه يكفل الخير والبركة للبلدين الشقيقين!! إن تلك الثورة النفسية الجامحة قد أفسحت المجال للريب والظنون، والشك في حسن القصد من ناحية الأخ الفاضل عضو المباحثات…».
وقد أدت هذه الرسالة إلى استبعاد السنهوري تماماً من الجانب المصري في المفاوضات. ويبدو أن إصرار السنهوري على التمسك بالسيادة المصرية على السودان كان سبباً في مناسبة أخرى لحدوث مواجهة حادة بينه وبين حسين ذو الفقار صبري. فقد ذكر محمد نجيب في كتابه «كنت رئيساً لمصر» أن السنهوري إعترض على مذكرة بشأن السودان أعدها حسين ذو الفقار صبري لأنها لم تنص على أن لمصر حقوق سيادة على السودان. وقد أشار إلى هذه المواجهة حسين ذو الفقار نفسه في كتابه «السيادة للسودان».
إستئناف المفاوضات
إستؤنفت المفاوضات بين الاستقلاليين والحكومة المصرية باجتماع عُقد يوم السبت 25 اكتوبر 1952. وقد تقرر في هذا الإجتماع تشكيل لجنة فرعية من الجانبين لبحث اقتراحات تعديل دستور الحكم الذاتي. مثل الجانب الاستقلالي في اللجنة الفرعية عبدالرحمن علي طه ومحمد صالح الشنقيطي ومحمد أحمد محجوب وزيادة أرباب ويعقوب عثمان. ومثل الجانب المصري حسين ذو الفقاري صبري وصلاح سالم.
فرغ إجتماع اللجنة الفرعية بتاريخ 27 اكتوبر 1952 من بحث كافة التعديلات المقترحة لدستور الحكم الذاتي. ثم عقد الجانبان إجتماعاً في 28 اكتوبر 1952 لإعداد الصيغة النهائية للاتفاق. وفي الساعة التاسعة والربع من مساء يوم الأربعاء 29 اكتوبر 1952 تم بمقر رئاسة مجلس الوزراء التوقيع على الاتفاق بين الحكومة المصرية ووفد الاستقلاليين. وقع عن الحكومة المصرية محمد نجيب وعلي ماهر وحسين ذوالفقار صبري وصلاح سالم، ووقع عن الاستقلاليين عبدالله الفاضل المهدي ومحمد صالح الشنقيطي وعبدالرحمن علي طه ومحمد أحمد محجوب وأحمد يوسف هاشم وعبدالرحمن عابدون وبابو نمر وزيادة أرباب وعبدالسلام الخليفة وميرغني حسين زاكي الدين ويعقوب عثمان وداود الخليفة وايوبيه عبدالماجد.
أحكام الاتفاق
لا يتسع المجال لتقديم عرض تفصيلي للاتفاق. سنكتفي ببيان السمات العامة وبعض آليات مرحلة الحكم الذاتي الكامل. على الأقل لنتبين من خلال ذلك ما إذا كان بالاتفاق حكم يقضي بتسلم السودان للسيد عبدالرحمن المهدي كما زعم السنهوري.
أقرت الحكومة المصرية بحق السودانيين في تقرير مصيرهم في حرية تامة إما بإعلان الاستقلال عن كل من مصر وبريطانيا وأية دولة أخرى أو الارتباط مع مصر على أن يسبق ذلك قيام الحكم الذاتي الكامل فوراً في السودان.
– يُحتفظ للسودانيين بحقوقهم في السيادة على بلادهم إبان فترة الانتقال حتى يتم لهم تقرير المصير.
-تستهدف فترة الانتقال غرضين: تمكين السودانيين من ممارسة حكم ذاتي كامل، وتهيئة الجو الحر المحايد الذي لا بد له من تقرير المصير.
-تتمثل السلطة الدستورية العليا أثناء فترة الانتقال في الحاكم العام الذي يمارس سلطاته بمعاونة لجنة دولية.
– إنشاء لجنة دولية لتشرف إشرافاً فعلياً على التمهيد للانتخابات، وإجرائها وذلك لضمان حيدتها.
– تشكل لجنة دولية للسودنة للإسراع في سودنة الادارة والبوليس وأي وظائف أخرى حتى يتسنى للسودانيين تقرير مصيرهم في حرية تامة. وحدد الاتفاق مدة ثلاثة سنوات كحدد أقصى لانجاز مهمة لجنة السودنة.
– حُذفت من المادة 100 من مشروع الدستور سلطة الحاكم العام الخاصة بالجنوب مما أثار لاحقاً سخط الجنوبيين.
-أعرب الطرفان عن الأمل في أن تتقدم الحكومة المصرية بالمسائل التي تم تفاهم بشأنها كتعديلات منها للدستور المقترح للحكم الذاتي للسودان قبل 8 نوفمبر 1952 تمهيداً لقيام الحكم الذاتي الكامل في 31 ديسمبر 1952 وتقرير المصير في أي وقت يشاؤه البرلمان السوداني بشرط الا يتجاوز ذلك 31 ديسمبر 1955.
يتبين مما تقدم أن الاتفاق خالٍ من أي حكم يقضي بتسليم السودان للمهدي كما ادعى السنهوري فذاك محض إفتراء.
إذ ضمن الإتفاق للسودانيين حق تقرير المصير، وحفظ السيادة على السودان لأهله حتى يقرروا مصيرهم بحرية تامة.
رفضوه في لندن وقبلوه في القاهرة
سبق أن ذكرنا أنه ممثلي الأحزاب الاتحادية قدموا لإيدن في لندن بتاريخ 11 اكتوبر 1952 باسم جبهة الكفاح مذكرة أعربوا فيها عن رفضهم لمشروع دستور الحكم الذاتي وعزمهم على مقاطعة أية انتخابات تجرى بموجبه في ظل النظام القائم في السودان مهما كانت إجراءات الإشراف المتخذة سواء كانت مشتركة أو خارجية. وفي 21 أكتوبر 1952 أصدرت الاحزاب الاتحادية في القاهرة بياناً أكدت فيه أنه لن يصدها شيء عن السير فيما رسمته من مقاطعة الدستور والاشتراك في انتخاباته في ظل النظام القائم في السودان.
ولكن في 1 نوفمبر 1952 وقع قادة الأحزاب الاتحادية وهم إسماعيل الأزهري ومحمد نور الدين وحماد توفيق ودرديري محمد عثمان وعلي البرير مع محمد نجيب وحسين ذو الفقار صبري وصلاح سالم وثيقة ذكروا فيها أنهم أحيطوا علماً بالأسس التي تم الاتفاق عليها بين الحكومة المصرية والاستقلاليين في 29 اكتوبر 1952 وأنهم إعتبروا تلك الأسس «حداً أدنى لما يمكن أن تقبله الحكومة المصرية في مباحثاتها مع الحكومة البريطانية بشرط أن تعمل الحكومة المصرية بكل السبل للوصول للمشروع المعدل الذي تقدمنا به». كما أعلن قادة الأحزاب الاتحادية في نفس الوثيقة أنه مع احتفاظهم بمبادئهم التي تقوم أساساً على الجلاء والاتحاد مع مصر عن طريق تقرير المصير «فإننا لغرض تنظيم الجلاء وايجاد الجو الحر الملائم لممارسة حق تقرير المصير، قد إرتضينا أن تكون هناك فترة إنتقال لا تزيد عن ثلاث سنوات لتصفية الإدارة الحالية على أن نشترك أثناءها في انتخابات البرلمان بعد وضع الضمانات التي رأيناها كافية لحرية وسلامة تلك الانتخابات».
وعندما سئل اسماعيل الأزهري في 6 نوفمبر 1952 عن وعده الأول بمقاطعة المؤسسات الدستورية، أجاب بأنه وعد بذلك عندما كانت المؤسسات تقوم على الوحي البريطاني. أما الآن ومصر الرشيدة تقود المعركة، فنحن مطمئنون كل الاطمئنان إلى الهدف القريب والبعيد.
نقمة السنهوري على السيد علي الميرغني
لا يخالج المرء شك في أن سبب نقمة السنهوري على السيد علي الميرغني هو أن الميرغني لم يكن من دعاة وحدة وادي النيل أو أي شكل من أشكال الاتحاد مع مصر. ففي الخطاب الذي ألقاه في قصر الحاكم العام في الخرطوم في 26 أبريل 1922 أمام اللورد أللنبي المندوب السامي البريطاني في مصر، قال السيد علي: «إن السودان بلاد منفصلة عن مصر لها جنسيتها الخاصة بها فيجب أن تترك في سبييل التقدم حسب قواعد الرقي الخاصة بها».
وفي إحدى المناسبات النادرة التي تحدث فيها السيد علي بشكل مباشر في أمر سياسي، أدلى في أغسطس 1953 بتصريح لكنريك مساعد مستشار الحاكم العام للشؤون الدستورية والخارجية جاء فيه أن شعارات «الوحدة» و«تاج واحد» ومثيلاتها قد ماتت، فالأمة السودانية ترغب في الاستقلال وستحصل عليه. وعندما سأله كنريك عما إذا كانوا يفضلون شكلاً من أشكال الفيدرالية مع مصر، أجاب السيد علي بأن كل هذه الأشياء أصبحت من أمور الماضي. فالكل يرغب في سودان مستقل وعندما يتحقق فسيدخل السودان في علاقات مع بلدان أخرى وبلا شك فإن العلاقات مع مصر ستكون أوثق.
وفي لقاء آخر بالسيد علي في 23 مايو 1954 ذكر كنريك أن السيد علي أخبره مرات عديدة وبطرق مختلفة بأن على البريطانيين ألا يخشو إطلاقاً إتحاد السودان مع مصر بأي طريقة ملموسة. وأضاف أنه ستكون هناك صداقة وتعاون ولكن على أساس استقلال كل بلد. ومضى السيد علي الميرغني للقول إن الناس يتحدثون عن الفيدرالية أو جيش مشترك أو دائرة شؤون خارجية موحدة ولكن كل هذا كلام فارغ. فهؤلاء الناس يتغاضون عن الحقيقة الجوهرية وهي أن السودانيين يرغبون في حكم أنفسهم من كل النواحي وسيرفضون أي شكل من التبعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.