مطاردة داروين.. في إسطنبول خليل علي حيدر «أُثير جدل كبير في الساحة التركية بعد إعلان مسؤول كبير في قطاع التعليم في تركيا أنه سيتم وقف تدريس نظرية النشوء والارتقاء لشارلز داروين في المدارس الثانوية»، معتبراً أنها «نظرية مثيرة للجدل ويصعب فهمها». وأوضح ألب أرسلان دورموش، رئيس المجلس الوطني للتعليم، أن فصلاً بعنوان «نشأة الحياة والتطور» سيحذف من كتب الأحياء الأساسية، التي يتم تدريسها بالمدارس، وأن تلك المناهج ستتاح فقط لطلاب الجامعات من عمر 18 و19 عاماً. وإيقاف تدريس نظرية داروين، جاء، بحسب «الشرق الأوسط»، وسط تغييرات لحذف الموضوعات، التي وصفها دورموش ب«أنها مثيرة للجدل». وأضاف رئيس المجلس الوطني التركي للتعليم، أنه قد تم تجديد المناهج «للتركيز على القيم الوطنية وتسليط الضوء على الإسهامات التي قدمها العلماء الأتراك والمسلمون، كما أن دروس التاريخ ستتخطى المركزية الأوروبية -التي تركز على الحضارة الغربية- وستركز دروس الموسيقى على جميع ألوان الموسيقى التركية». ومن خطط الحكومة أيضاً لتعزيز قبضتها على مجال التعليم والحياة الثقافية، كما يفهم من إشارة الصحيفة، فتح المجال أمام خريجي مدارس إعداد الخطباء والدعاة، المسماة «مدارس إمام خطيب»، للالتحاق بمختلف الكليات العسكرية بعد أن كانت شهادتها تؤهل الطالب في الغالب للالتحاق بمجالات دراسية معينة في الجامعات». ومما له دلالة واضحة بمجالات أخرى إدخال السلطات النقدية «تغييرات في أوراق العملة التركية -الليرة- لتحمل إلى جانب صورة أتاتورك بعض رموز تركيا في العهد العثماني». وبدوره أشار موقع «إيلاف» إلى أن البوابة الإلكترونية التركية قالت: «إن الخطة التعليمية الجديدة من قبل وزارة التربية والتعليم، أُعدت لتستثني ليس فقط نظرية داروين، ولكن أيضاً بعض الموضوعات الأخرى مثل مبادئ العلمانية وبعض إنجازات الرئيس الأول للجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك». ومن خصائص مذهب داروين، يقول الأديب المفكر عباس محمود العقاد، أنه يثير الاعتراض من منطلقات دينية وثقافية، قبل الوقوف على شروحه وبراهينه! ويضيف العقاد أن مذهب داروين «لقي في الشرق العربي مثل ما لقيه من التحريف والاعتراض في البلاد الأوروبية، وتتابعت أدوار السماع به ثم الإشاعة عنه ثم الرد عليه بين المفكرين وقراء العلم الشرقيين كما تتابعت قبل ذلك بين مفكري الغرب وقرائه، وتكرر هذا كله في الشرق العربي كأنه يحدث للمرة الأولى». ويقول العقاد إن فكر داروين جُوبه في المشرق بالصد والرد، ونوقش بقسوة. ومن مصلحي المشرق الذين زاروا إسطنبول وأقاموا فيها السيد جمال الدين الأفغاني الذي هاجم نظرية داروين في كتابه المعروف «الرد على الدهريين» قائلاً: «وعلى زعم داروين هذا، يمكن أن يصير البرغوث فيلاً بمرور القرون وكر الدهور، وأن ينقلب الفيل برغوثاً كذلك. ولو عرضت عليه الحيوانات المختلفة البُنى والصور والقوى، وهي تعيش في منطقة واحدة، ولا طاقة لها على قطع المسافات البعيدة.. فماذا تكون حجته في علة اختلافها؟». وينتقد العقاد خصوم داروين فيقول: «إن الكتّاب الذين تناولوا هذا الموضوع من الوجهة الدينية قد أخطأوا -دينياً وعلمياً- في إنكارهم باسم الدين أموراً لا تزال قيد البحث بين الإثبات والنفي، ويجوز أن تسفر بحوث الغد عن إثباتها بما يقطع الشك فيها.. كما يجوز أن ينفيها بما يزيل مواضع الخلاف فيما بين عقائد الدين وحقائق العلوم». ويذكِّر العقاد قُراءهُ بموقف من وقفوا ضد مختلف الأفكار والحقائق العلمية والفلكية، مثل إنكار دوران الأرض حول الشمس! من المستبعد أن يأخذ الأتراك كل هذا بالحسبان وهم في هذا الصراع السياسي وأوج نمو الإسلام السياسي هناك، حيث كان النقاش قد تجدد عام 2009 بعد أن سحب مجلس البحوث العلمية والتكنولوجيا التابع لمجلس الوزراء التركي عدداً لمجلة يضم تقريراً حول مصير نظرية التطور.