خزانة الأمثال الشعبية السودانية تختزن العديد من الأمثال، التي تذم بؤس الحال الذي يكون عليه من يُولّي أية درجة من السلطة أو المسؤولية، أو يُعهد إليه بإدارة مرفق ما بشكل صوري واسمي، لا يمكنه من فعل أي شيء أو اتخاذ أي قرار ذي بال، مثل هذا الشخص أو المؤسسة التي تكون على شاكلته، يقول عنه المثل الشعبي ( ريسو وتيسو ) أو ( عمدة خالي أطيان ) أو سلطان بلا رعية أو ما جرى مجراها من أمثال، والمؤكد أن هذه الأمثال لم تكن وصفاً تجريدياً لحالة خيالية، وإنما تمثلت الواقع وعبرت عنه وعكسته، الأمر الذي يشير إلى أن تاريخ الرؤساء التيوس في السودان قديم قدم هذه الأمثال التي حكت عن هذه الظاهرة التي ما تزال ظاهرة بين ظهرانينا، الفرق الوحيد أنها مع التطور لم تعد وقفاً على الذكور، بعد أن نجحت كفاحات المرأة العاملة في أن تبوئها المقام الذي قد يضعها هدفاً للمثل في حال انطباق حالها عليه .. ونستشهد هنا بمعتمد رئاسة بولاية الخرطوم اسمها ميادة ونسأل عما اذا كان مواطنو الخرطوم يعلمون بأن لديهم معتمدا بهذا الاسم أو قرأوا شيئاً في الصحف عنه؟.. أكاد أجزم بأن هذا المعتمد وغيره ممن يسمون معتمدي الرئاسة بالولايات، لا يعرفهم ولم يسمع بهم أحد أو يحس لهم أثراً في حياته، غير الدائرة الضيقة من أهلهم ومعارفهم وأصدقائهم والقيادات الحزبية التي عبرها تسنموا هذه المناصب الهلامية. الواقع أن المشكلة ليست في شخص الأستاذة ميادة، وإنما في هذا المنصب الهلامي الترضوي الشرفي الحشوي المبتدع، الذي ليس له توصيف محدد ولا وصف وظيفي ولا مهام واختصاصات معروفة، وقد فرضه نهج المحاصصات المعطوب، لتسكين الأحزاب والقبائل والحركات في النظام ، ونظرة خاطفة على من يتولون هذا المنصب على امتداد القطر، تكشف لك أن حوالي تسعة وتسعين في المائة منهم إما من متمردي الحركات الذين سالموا أو من أحزاب الموادعة والتوالي الصغيرة المتشظية من الأحزاب الأم والأصل التي شاركت في الحوار، فالأستاذة ميادة مع كامل الاحترام والتقدير لها، شخصية أعرف أنها كانت ناشطة سياسية من مؤسسي الحزب الديمقراطي الليبرالي بل تسنمت رئاسته وهي المحطة التي عبرت منها إلى هذا المنصب الذي أخمد ذكرها وأذهب بريقها وأبطل فعلها ومفعولها وحركيتها، فلم يعد لها نشاط يذكر أو سيرة تجتر سوى بعض المناسبات المحدودة ، هذا هو كل ما يفعله معتمدو الرئاسات بكل الولايات، يكادون لا يفعلون شيئاً ذا بال يؤبه له، حالهم كحال ذلك الموظف في الطرفة التي تحكي عن أن إحدى المذيعات أجرت استطلاعاً في أوساط كبار الموظفين عن كيف يمضون يومهم العملي، قال أحدهم ( بصحا من النوم، البس السفنجة، أدخل الحمام، أتسوك واستحمى وأغير وأسرح شعري وأبخ شوية كلونيا وأطلع من البيت أركب الفارهة، أدخل المكتب، أطلع من المكتب، وطالع وداخل لحدى الضهر أرجع البيت وهكذا دواليك ) .. وبعد... أما آن الأوان والبلاد تستشرف كما قيل تغييراً وتعديلاً وإصلاحاً في بنية الحكم ومناهجه ، أن تشطب الحكومة من سجلاتها هذه الوظيفة التي لا معنى لها غير أن تكلف الخزينة العامة صرفا لا داعي له ولا طائل من ورائه؟ .. الصحافة