في الطرفة القديمة أن سودانياً «حلفاوياً» من المتحمسين بشدة للوحدة بين مصر والسودان، كان يشارك في تظاهرة عارمة تطالب بالوحدة الاندماجية بين البلدين، ولما كان بلديات الزملاء أبو الجعافر ومصطفى البطل ومحمد سعيد وأسامة ابوشنب وزكريا حامد هذا يهتف بحماس وبصوت قوي وجهور، حمله البعض على الأعناق ليقود الهتاف الذي بدأه بترديد شعار «مصر والسودان حتة واحدة»، ولكن بعد أن أنزلوه أرضاً وتحسس جيوبه وافتقد حافظة نقوده التي نُشلت في فورة حماسه، صرخ هاتفاً بحدة وبصورة أقوى من هتافه السابق «مصر والسودان ستين حتة»، وتذهب بعض الروايات التي نوردها ولا نتبناها أو نقطع بصحتها، أن ذاك السوداني الحلفاوي صاحب هذا الهتاف الشهير كان هو القيادي السابق الشهير بالحزب الاتحادي والوزير الأسبق محمد نورالدين رحمة الله عليه، وعطفاً على هذه الواقعة الطريفة من المؤكد أن بعض ما تفعله الحكومة المصرية الآن في حلايب وما ترتكبه من فظائع وانتهاكات ومضايقات بحق السودانيين أهل حلايب،واستمرائها واستمرارها في هذه الأفاعيل المؤلمة والصادمة والباعثة على الغضب بما يتعرض له أهل المنطقة الأصلاء من تعذيب وإهانة دون ذنب جنوه ، لن تكون مشاعر السودانيين تجاه مصر بعد الذي رأوه منها في حلايب بأفضل من مشاعر صاحبنا الحلفاوي بعد نشل جزلانه، بل الراجح أنها ستكون أسوأ من ذلك بكثير، وبالضرورة فإن هذا الاحتلال المصري المؤسف لحلايب مقروءاً مع الاخبار المفجعة التي لم تنفك الصحف السودانية عن رصدها يوميا والتي بلغت حد القتل والاغتيال ، ووصلت مؤخرا الى درجة اغلاق بوابة حلايب في وجه أهلها ، لا شك أن كل ذلك سيعبئ قطاعات واسعة من الشعب السوداني بمشاعر سالبة وربما تبلغ درجة العدائية تجاه مصر... صحيح أن الحكمة تقتضي أن يحرص الطرفان السوداني والمصري على أن تكون العلاقات بينهما هي الأميز والأكمل والأقوى للاعتبارات المعروفة، وصحيح أيضاً أن لا أحد في الجانب السوداني يرغب في تدهور هذه العلاقة، ولكن الصحيح جداً جداً أن لا سوداني واحد يقبل تلك الإهانات والفظاظات التي يتعرض لها مواطنيهم وبني جلدتهم هناك دون جريرة، على النحو الذي ظلت ترصده الصحافة السودانية وتنوء به الأسافير، فما ظلت تفعله وماتزال تفعله السلطات المصرية بسكان حلايب السودانيين الذين لم يرتكبوا جرماً أو ينتهكوا حرمة، لهو تصرف غريب يدعو للتشكك في أهدافه ومقاصده، ويجب أن لا تمرره حكومتنا دون تحقيق ومساءلة وضمان عدم تكراره، أما قضية حلايب العالقة فتلك حكاية أخرى.. الصحافة