من أمثالنا الشعبية السودانية التي أراها سالبة وانهزامية، المثل الذي يقول ( لا بريدك ولا بحمل بلاك ) ومنها أيضاً (جناً تعرفو ولا جناً ما بتعرفو، أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة، اسأل مجرب ولا تسأل طبيب، اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب..وهلمجرا من أمثال على هذه الشاكلة)، وهي كما ترون أمثلة محبطة ومثبطة للهمم، تناهض التغيير وتدعو للتآلف والتعايش مع الحال الماثل والوضع المعيش رغم سوئه ورفضهم له، وفي معنى هذا المثل تقول الطرفة إن أحد إخوتنا الجنوبيين (قبل الانفصال طبعاً)، كان يمالئ الإنقاذ ويؤيدها بحكم العادة والتعود، حاول مرة بعض أقطاب المعارضة استقطابه إلى جانبهم، ولكنهم عبثاً حاولوا نزعه من صف موالاة الإنقاذ وضمه إلى جانبهم، لم يتركوا سيئة ولا دسيسة إنقاذية إلا أحصوها له، ورغم ذلك ظل مستمسكاً بإنقاذيته، لجأوا لحيلة أخيرة علها تنجح معه فعرضوا عليه مبلغ مائة ألف جنيه (بالقديم طبعاً)، حيث لا قبل للمعارضة المفلسة بالملايين.. على طريقة أكلوا توركم وأدوا زولكم.. قبض صاحبنا مبلغ (الكرية) وأدخله في جيبه ثم (تبنه) بكلتا يديه، بعد أن اطمأن إلى أنه قد أحكم قبضته على المبلغ، أشاح بوجهه بعيداً وقال (إنقاذ دا ااااي ما كويس وبجي كرانج خالس خالس لاكين بس نحنا إتعودنا عليهو)، وللمعلومية كرانج بلغة الدينكا تعني تعيس وبائس، وكأني بهذا الأخ الجنوبي الفاضل أراد أن يقول ( الانقاذ دي لا بريدها ولا بحمل بلاها وجناً تعرفو ولا جناً ما بتعرفو) .. الشاهد هنا أن البعض منا باتوا يلوكون مؤدى هذا المثل المحبط والمثبط حتى عندما يستبد بهم الغضب من عمايل وفعايل الإنقاذ ويمطرونها بسياط الشتم ويرمونها بوابل من عبارات السب، ولكنهم رغم كل ذلك يظل حالهم معها كحال صاحبنا الجنوبي (لا بريدك ولا بحمل بلاك)، بمعنى أنها بالنسبة لهم بمثابة الجن الذي عرفوه وألفوه وفضلوه على ما عداه من (مجانين).. وقد بدا لي من يرددون هذه العبارات العاجزة وكأنما يصفون الشعب السوداني بالعجز والاستكانة والمسكنة، ذلك لاستشهادهم بذلك المثل السالب الذي يغيب العلم ويلغي تفسيراته ويبرر للعجز عند مواجهة الصعاب، ويعمد للإبقاء على السيء خوفاً من أن يكون البديل أسوأ، وهذا مما يناقض المبادئ الديمقراطية ويتقاطع مع مفهوم الحرية ويصادم العدالة، علاوة على أنه يدعو للتخذيل والاستسلام والتسليم بالأمر الواقع ويكرس للتقاعس، وألا يتطلع الإنسان لأبعد من موقع قدميه، وألا ينظر لأبعد من أرنبة أنفه، ويظل حبيساً بين ماضيه الآفل وحاضره المعيش فقط، بلا نظرة للأمام وللغد والمستقبل.. الصحافة