عندما يقول أي ديكتاتور أمام أي مايكرفون أنه سيجلب الأمن والسلام، فتأكد أنه بعد الخطاب مباشرة ستهجم القوات العسكرية والأمنية على الناس ولو كانوا في معسكراتهم، وتضربهم بالرصاص الحي،فيسقط الناس ما بين قتلى وجرحى، وتخرج الدعاية الرسمية لتقول أن الآلاف استقبلوا (الإمبراطور) بالورود والزهور وقدموا له الهدايا. ولأن المثل السائد يقول (خربانه من كبارها) فإن وزير المالية في أي نظام ديكتاتوري عندما يعلن عن خلو ميزانيته من الضرائب، فإنه يعني أنها مثقلة بالضرائب ورفع الأسعار، ولو قال أن التضخم انخفض فاعلم أنه في القمة، ولو تحدث عن رفع الأجور والمعاشات، فهو يعني الخصخصة وفصل العاملين. ولو سافر وزير الخارجية إلي ما وراء المحيط فإنه ذهب لتوقيع اتفاقيات الإستسلام للشروط الإقتصادية والسياسية والعسكرية، وترك السيادة الوطنية في درج مكتبه قبل أن يركب الطائرة . وقس على ما سبق الوزراء الآخرين،فالإعلان عن ثورة الإنقاذ الصحي، معناها تحطيم الصحة،وثورة التعليم العالي معناها تخريب الجامعات والمعاهد وطرد الطلاب ومنع النشاط السياسي. ولو قال وزير البترول أن إنتاج النفط سيزداد بواقع كذا ألف برميل، فالمقصود صرف الإنتباه عن الأزمة الإقتصادية ومحاولة تسويق الوهم، ويحذو حذوه وزير المعادن، والزراعة حينما يعلن عن نجاح الموسم الزراعي، ومعناه نجاح الرأسمالية الطفيلية في القبض على المزارعين وإيداعهم السجن والإستيلاء على حواشاتهم. ولا يمر يوم إلا وهنالك تصريحات مضروبة من حكام أقاليم ومعتمدين (جمع معتمد) ومساعدين، ومستشارين عن التنمية والرخاء الموعود بما فيها الطرق المسفلتة وكهربة الريف، وشبكات المياه،، وتمر السنوات والتنمية في خبر كان، وطريق الزلط لن يراه الناس إلا يوم القيامة العصر. وفي غمرة هذا الإستغفال والإستهبال، تشتعل معارك الحقوق والحريات، ويدرك الناس أن مطالبهم المشروعة تتطلب الثورة حتى ينالوها، ويعرفون أن شبكة المياه لا تمتد إليهم إلا إذا ساروا في مظاهرة ناحية مكاتب المسؤولين (النايمين)، ويدركون بما لا يدع مجالاً للشك أن الكهرباء لن تصلهم إلا بنفس الطريقة، وهكذا فإن القدرة على التنظيم والمقاومة تتنامى، والمطالب المنسية تصبح واقعاً حقيقياً. وليست المطالب الخدمية فقط هي نهاية المطاف،فحرية التنظيم،والتعبير واعتناق الأفكار والنشر،والاعتقاد،هي القاعدة وتقييدها هو الإستثناء، وانتزاعها من براثن الديكتاتورية يعنى التخلص من الإضطهاد والقهر. من نظريات الديكتاتورية أنه كلما ازداد القهر كلما زاد عمر النظام، ومن نظريات المقاومة الشعبية أن هذا القهر يشعل نار المقاومة ويقرب أوان الإنتصار. وهؤلاء الذين قالوا يوماً للشعب (الحس كوعك)، سيقولون أمام محاكم الإنتفاضة، أنهم كانوا مخدوعين وأن ثورة الشعب كانت عظيمة، مثلما قال الوزير المايوي الشهير،أو سيعرضون الكشف عن أسرار النظام باعتبارهم (شاهد ملك) كما فعلها ضابط الأمن الشهير بعد انتفاضة أبريل المجيدة. [email protected]