* أنفقت من الوقت ساعات لأجد مدخلاً مناسباً وموضوعياً للحديث عن حشف الرجل الذي (خُلِق ليكذِب).. لكن تلاشت كل محاولات الإمساك بالمعاني.. فحينما تكون المصيبة أعظم تتعاظم دونها المداخل التي ننشدها للتعبير فنفشل.. وفي هذه الحالة يكون الصمت أبلغ من الكلام والاستغفار أنفع من الملام..! ثم لمن نلقي اللوم إذا كان خطاب المذكور موجه في الغالب لغير العقلاء من الناس كما يبدو.. فمستواه الخطابي يليق بالرعاع وحدهم..! وهم أحرار إذا صدقوه أو دغدغ عواطفهم..! * أتحدث عن عمر البشير؛ وقد اخترنا من تصريحاته أجزاء مما ورد بصفحة أخبار (الجريدة)؛ ففي إشارة لحملة جمع السلاح التي تتولاها حكومته ومليشياتها بدءاً من دارفور؛ قال البشير: (إن الباب مفتوح وأي زول عندو سلاح يجي يسلمو) ولفت الى أن حيازة واستخدام السلاح جريمة وعقوبتهما معروفة، وتابع: استخدام السلاح بغير القانون والأجهزة القانونية يعاقب بمواد الحرابة وعقوبتها معروفة، وأردف: (نحن مطبقين الشريعة وما خجلانين ونقول للقضاء نفذوا القانون كما موجود عندكم، واحكموا ونحن بنفذوا). 1 هذا الدكتاتور (المهلهل) يتحدث عن (جريمة حيازة الأسلحة) وليست لديه الشجاعة ليتحدث عن الأبرياء الذين قتلهم بسلاحه المنتشر في كل أرجاء السودان..! إنه وبلا أدنى شعور بالخجل يحتقر الشريعة بانتقائية جسيمة حينما يقول (نحن مطبقين الشريعة)؛ فأحكامها التي يرتضيها للغير لا تطبَّق عليه في ما هو أخطر من حيازة السلاح الذي يحمي به البعض أنفسهم وممتلكاتهم في مفازات بلا أمن أو حكومة.. ولكم أن تعددوا جرائم البشير في سرّكم.. فقد مللنا تعدادها..! 2 الكذاب يعلم أنه يتلاعب باسم الشريعة؛ وهذا أقصى ما عنده.. لو كان يعرف الله وشرعه حقاً لما رددها على لسانه وهو الذي يمتليء يقيناً بأن ما ملكه طوال فترة حكمه الظلوم لا يجوز التساؤل حوله بصيغة: (من أين لك هذا؟).. أظنه يصطفي ذاته ووسواسه يحدثه: (أنت فوق الشريعة والقانون يا عمر)..! أليس (مقبولاً) أن يعظنا الشيطان إذا كان (خصيم الشريعة) يتكلم عنها بهتاناً؟! هذا أبسط ما يقال دون الدخول في مملكة البشير العريضة (بدكاترتها) وقد ضربت الرقم القياسي بالكبائر و(الصغائر) معاً..! * في سياق آخر نقرأ من الجريدة: (باهى البشير بثورة التعليم العالي وتحدى من ينتقدوها بأنها جاءت على حساب الكم وليس الكيف، وزاد: أن نتائج ثورة التعليم العالي واضحة، واستند على ذلك بأن القبول للجامعات العام الحالي تجاوز 400 ألف طالب، وقلل من انتقادات تزايد هجرة الكفاءات، وردد: من يتحدثون عن هجرة الاساتذة والاطباء والمهندسين، هم لم يهربوا ولكن لأنهم مرغوبون). * واضح أنه مفتون برقم القبول للجامعات أو الأصفار.. جهله المُطبق يزين له (الكم) ويعميه عن (الكيف) رغم مغالطته الظاهرة ما بين الإثنين.. إنه لا يرى ترتيب جامعاتنا في سجلات الفشل والخزي.. فكيف حال مراحل التعليم الأخرى بعد الغزو التدميري الذي مارسه نظام البشير تجاه التعليم بخديعة (الثورة) المفتراة..! ثم تراه يدلّس حول هجرة أصحاب المهن والتخصصات برسم واقع عكسي تماماً يجلِيه الخبر.. فلو وجد هؤلاء التكريم والبيئة الصالحة في بلادهم؛ ما الذي يدفعهم لرهق الغربة وبهذه الأعداد المهولة؟! أليس هو جحيم البشير ورهطه؟! * الأدهى من كل ما تقدَّم؛ إشارة (الطنجير) في الخبر إلى: (أن هدف الحكومة منذ قدومها ليس الحكم وإنما تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني). * السطر أعلاه غلبني إيجاد مخرج له بالتعبير المناسب؛ لأن حمولته أشد ثقلاً وصلابة من الكذب (ذاته)!! وسبحان الله.. فما جرى في السودان منذ العام 1989م وحتى (أمس) كان استهدافاً مقصوداً لنسف الاستقرار (السياسي؛ الإقتصادي؛ الأمني) بالضبط..! شواهد ذلك أوضح من شمس الصيف.. وإلّا كيف يجد اللصوص ضالتهم إذا هدأت البلاد..! بل كيف يتهيأ للقتلة والإرهابيين والمهربين مسرحهم إذا لم يتوفر لهم (الأمان) بالفوضى والخراب؟! إن (عدم الاستقرار) الذي اشتغلت له السلطة بكافة معاولها يكفي زمانه ونفقاته لتشغيل مئات المصانع وإنشاء آلاف المشاريع وإحياء ملايين الأنفس.. لكن…! أعوذ بالله الجريدة (الصفحة المحظورة).