* تابعنا الإنتقادات التي بدأت تظهر ضد قانون الصحافة الجديد (2017) والتي وصلت لأن يتجرأ ذراع حكومي مثل إتحاد الصحفيين إلى الجهر بالتبرؤ من هذا القانون.. في حين أن الإتحاد بوضعه (الخاص) يأتي القانون سنداً لتوجهاته كشريك مع النظام الحاكم في السراء والضراء؛ فهو لا يختلف عن مجلس الصحافة البئيس.. فما الذي يجعل الإتحاد (يمثِّل علينا) هذا الدور لولا تأكده بأن الأمور ستمضي لغاياتها في دويلة الإستبداد التي تكونت داخل الدولة السودانية؛ وأن الاحتجاجات ستكون مجرد (هوشة) مؤقتة تتمطى بعدها أجهزة القمع فوق الجميع وغصباً عن أصحاب العقول..! ولتبيان صورة قريبة لذهن القارئ عن هذا القانون الذي وضحت ملامحه القبيحة؛ لا نجد أفضل من تشبيهه بشخص يعطيك شيئاً بملعقة ويأخذه منك بالكوريق! أو (يعطيك بَصَلة ثم ينزعها منك لكنه يتكرّم عليك بقشرها)! أرجو أن يكون المثال واضحاً..! لقد صَدَقت شبكة الصحفيين في بيانها حول القانون بقولها إنه (الضربة المُميتة في جسد الصحافة السودانية المُنهك). مع ذلك كيفما جاء القانون فلا ينبغي أن يطغى على التفكير في إزاحة الطغمة الحاكمة التي فقدت كل مبررات بقائها؛ فهي سبب وجود العمالة الرخيصة من (ترزية القوانين). * في تقديري أن هذا القانون الذي صاغته الأيدي الراجفة داخل الدويلة الأمنية (القابضة) ليس بدعة إذا كان الأساس لهذه الدويلة خرِباً لحد أن تظل قياداتها الحالية (طليقة) تفعل ما تشاء في الشعب بالمزاج الدكتاتوري قبل القانون المفترى عليه؛ ودوننا من الكوارث والأحداث الشريرة للسلطة ما يعجز الذاكرة عن الإحصاء.. فإذا كانت صحافتنا الورقية في عهد البشير يتولى رئاسة تحريرها الفِعلية جهاز الأمن؛ فهي ليست بحاجة إلى القانون أصلاً (من أي نوع) إلّا شكلِياً؛ إنما الذي يجب الإنتباه له في القانون الجديد هو اليد الباطشة التي ستتولى ملاحقة الفضاء الحر؛ وعلى رأسه الصحافة الالكترونية كمعقل مهم للنضال وفضح رموز التسلط.. فالصحافة الورقية المكبلة حتى مِن جانب (الهلفوت) الذي يصادرها داخل المطبعة بلا قانون؛ والمكبلة من جانب الأمن الذي يمنع كُتابها بلا قانون أيضاً؛ هذه الصحافة مهما تعسف قانونها المكتوب أو تساهل فهو يظل لا يسوي ثمن حبره ولا يستاهل الإهتمام (إذا نظرنا نحو الكُليات لحاكمية الفوضى) في عهد رئيس انتهك كل شيء..! إذن الأولَى بالإهتمام هو الرعب الذي يسيطر على عصابة الخرطوم الحاكمة من الصحافة الإلكترونية ولذلك أدرجوها في قانونهم لقطع دابرها فتلحق بشقيقتها الورقية.. هذا حلمهم..! وجاهل من ظن أن الكتاب والصحفيين مستهدفين وحدهم بغلظة (المواد) المفصلة على (مقاس) الدويلة الأمنية! فالهدف المُمنهج المعلوم هو ألا يرى الشعب أبعد من موضع أقدامه.. وهيهات..! الصحافة الورقية تم القضاء عليها مبكراً (من غير قانون) ولذلك فإن التنوير والتبصير الذي تمارسه مواقع الإنترنت يُعوّل عليه في إحداث التغيير الذي يتطلع إليه شعبنا (حرية حياة كريمة خلاص من ظلم طال) وهذه المواقع أفضل معين لمقدِّمات أي عصيان أو ثورة على عصبة السلطة الحالية.. ومؤكد أن الصحافة الورقية لن تعجز عن هذا الدور لو لم تكن مقيدة على أرض مكشوفة للعدو (بالبلطجة) قبلَ هِباب القوانين..! * الكوارث والأزمات في السودان أكبر من التشريعات الجائرة.. فإذا كان قانون الصحافة (المعمول) يمثل استهدافاً آخر للشعب عامة وليس للصحفيين فقط؛ علينا أن نرتقي لما هو أسمى من الرفض والاحتجاج (المؤدب) فنحن لسنا أمام سلطة طبيعية؛ نحن أمام (خموم بشري) إجرامي؛ ولا جهاد أعز وأنبل من مقاومة هذا (الخموم) من أجل إنقاذ السودان؛ وليس من أجل انتصار الصحافة على قانون عبثي تفرضه سلطة لا شرعية لها وظلت فوق المواثيق والأعراف..! خروج: * بدلاً من ظاهرة الاحتجاجات على القوانين المتبدلة على الدوام لتمكين شوكة الإستبداد ونهب الوطن؛ علينا كشعب أن نتحِد لقطع رأس الحية؛ ونعني قيادات نظام البشير الذي أمِن من العقوبة لزمان طويل فاستمر في غيِّه؛ بل واستثمر سِلمِيتنا ليسرف في البغي.. فالسِلمية لن تكون واقياً أمام وِحش..! والمقاومة لا تكون إلّا بالعمل الجماعي الدؤوب الشجاع والالتحام بين كافة المكونات المُعارضة؛ فلا تجدي (الفئات) المحدودة والأصوات المؤقتة..! إذا كان أجدادنا استبسلوا في حروبهم ضد الغزاة في أزمنة غابرة؛ فلنسأل أنفسنا بعمق: هل غزاة الأمس كانوا أشد صلفاً وضرراً وإجراماً من غزاة اليوم؟! أعوذ بالله الجريدة الالكترونية