* زيارة عمر البشير إلى روسيا؛ اتجهت بأقلام بعض المحللين إلى رؤى متنوعة؛ ليس المهم فيها ملامستها للحقيقة أو التحامها مع الصواب فحسب؛ لكن تنبع أهمية هذه الرؤى التي اطلعتُ عليها حتى في الجوانب الثانوية؛ ومنها عدم تحميل الحدث بأكثر مما يحتمل؛ نظراً لانكشاف الطالب والمطلوب..! فما عادت أفعال البشير (فجائية) أو حرِية بالدهشة إذا قرأناها وفقاً لشخصيته المضطربة الحائرة والمتناقضة بإفراط.. وتصح القراءة المعمقة باستصحاب (حاكميته الاستثنائية) والعلل الكبرى التي تشوبها.. فالمؤكد أن البشير في حالة لهاث محموم ليثبت أنه (رئيس) مثل بقية الرؤساء (الطبيعيين) في هذا العالم؛ ولذلك ظل يسعى للانفتاح شرقاً وغرباً في الآونة الأخيرة؛ بكل ما أوتى من (رخص!!) بعد سنوات طويلة من العزلة.. هذه السنوات أظنها كانت كفيلة بهلاك قلبه لو كان صاحب ضمير وطني حي.. لكن لتبلُّده وبرودة روحه وبعده عن الدِّين الحق ومشاعر أهل السودان الأسوياء لم يمت (بالذل).. فالإذلال الذي تعرّض له كرئيس مجازي أو (شاذ) كفيل بدَك الجبال الراسيات..! وزيارة روسيا تخرجه قليلاً للزهو؛ تزيد من احتمالات الثقة لديه وتلبي رغباته المكبوته بأن يكون (مقبولاً) بينه وبين نفسه أولاً..! فعقدة البشير التي لم تسبقها عقدة مماثلة في التاريخ الحديث هي بحثه الدائم عن (ذاته الرئاسية) وشرعنتها (حتى بالعلاقات العامة الخارجية!) والعمل بكل قوة لخدمة هذه الذات (المشوشة) ليس لغيرها قط.. لذلك لا نستغرب إذا صار وجوده أهم من وجود الوطن بالنسبة لديه؛ وكذلك بالنسبة للأجهزة (اللا وطنية) التي تحميه ولا تقل عنه سفهاً وفساداً وتشويهاً للبلاد؛ لقد وجدت فيه ضالتها..! الملاحظة العارضة في ما يخص البشير أن السعي لتحقيق الذات على المستوى الداخلي انعكس في محاولاته المستميتة للإقتراب من الشعب خلال الاحتفالات المختلفة؛ وذلك بتكرار (محفوظاته) النِفاقية التي تنال هتاف وتصفيق السذج والمغيبين؛ ثم نراه في الختام الاحتفالي بالمشهد المعروف؛ عندما يهز أردافِه ويلوِّح بعصا (التخلُّف) تتمَّة للشذوذ (الرئاسي)..! فأيّة رزيئة وقع فيها شعب السودان بهذا (الابتلاء) العظيم؟! * زيارة البشير إلى روسيا استكمال للصفعات التي اعتاد عليها كمتهم هارب من العدالة يتلوّن حسب حاجته للبقاء؛ وفي سبيل سلامته الشخصية لن يفاجيء أحداً إذا انكسر ل(تل أبيب) ناهيك عن موسكو؛ طالما ينتمي إلى تيار (إسلاموي) لا مبدأ له ولا وطنية ولا قيم.. فقد قرأنا أمس أن الرجل (الهِطْل) طلب الحماية الروسية من التدخلات الأمريكية.. وجاء بصحيفة الجريدة: (هاجم رئيس الجمهورية المشير عمر البشير السياسات الامريكية في المنطقة، واعتبرها واحدة من أسباب عدم الاستقرار، وقال البشير لدى لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في مدينة سوتشي الروسية أمس "موقفنا الثابت هو ضد التدخلات في المنطقة العربية خاصة في الغزو الامريكي للعراق ودفعنا ثمنه حتى مع الدول العربية وكل ما تعانيه المنطقة سببه التدخلات الامريكية" وأكد رئيس الجمهورية تطابق مواقف الخرطوم مع موسكو في الملف السوري، وذكر "خسارة سوريا كانت حتمية مع التدخل الأمريكي فيها، لكن تدخل روسيا في الوقت المناسب أنقذ سوريا"، وأضاف: لا تسوية سياسية من دون الرئيس السوري بشار الأسد. ووصف البشير حسب قناة "آر تي" أمس؛ الوجود الامريكي في البحر الاحمر بالمشكلة، وذكر أن السودان يراقب الوضع في البحر الأحمر والتدخل الأمريكي في الوضع بمثابة مشكلة، وأشار إلى أنه سيبحث هذه المسألة من وجهة نظر استعمال القواعد لصالح روسيا في تلك المنطقة، ولفت للدور الروسي المساند للسودان في مجلس الأمن والذي رأى أنه جنب السودان المؤمرات). انتهى. * هل لهذا الحد البشير مهموم بالكوارث الأمريكية في المنطقة العربية؟ رغم أن وجوده في الحكم خلال 28 سنة مثّل أكبر كارثة إنسانية للسودان..! فالواضح أن البشير (شبيه بشّار) يغازل روسيا ابتزازاً لسادته الأمريكان؛ لعلهم يفكوا الخناق عنه قليلاً؛ وفي الوقت نفسه يحاول التحصُّن بالروس لقناعته بأنه لن يؤتى منهم.. وهو المحاط بالمخاطر من كل جانب كراعي رسمي للإرهاب ومجرم حرب (مطلوب القبض عليه دولياً)! وبعيداً عن الموازنات التي تدفع روسيا لاستقبال هذا المنبوذ (استقبالاً مهيناً كالعادة) يبقى السؤال: هل مازال الكذاب يعتقد أن الأمريكان يتآمرون أكثر مما تآمر هو وجماعته الإسلاموية على السودان؟! بل حتى عدائهم الذي ظل معلناً على الروس والأمريكان لزمان طويل كان جزءاً من تآمرهم على السودان بمراهقة سياسية صرفة..! الكذاب الذي ظل طوال سنوات يرمي أحمال فشله الخاص على السياسة الأمريكية ينسى أنه مدبِّر الإبادة الجماعية في السودان وصانع الإنقسامات فيه والصراعات القبلية؛ ومؤجج النعرات العنصرية؛ ومجفف الحياة؛ والمفرِّط في التراب.. ثم يأتي في لحظة ضعف وطمع وسذاجة و(مغازلة) أمام بوتين؛ لينتفخ على سادته الأمريكان بعد أن انحنت سلطته أمامهم طويلاً حتى بانت عوراتها..! فماذا أبقى هذا الذليل من كرامة البلاد التي سرقها وهو يمسي مع حِلف ويصبح مع آخر؟ هل يتوهم أنه (قدر الأمريكان) ويريد المغامرة بمعاداتهم من جديد حسب نزواته؟ هل ضاقت عليه (الوسيعة) جراء ما اقترفت يداه في السودان؟ فلا شك أن الخذلان (الإلهي) أقرب إلى أمثاله الدمويين الخونة..! التائه المخذول يبحث عن الحماية بالقواعد الروسية ولا يبحث عنها بالعدل والنزاهة أمام الشعب؛ فقد ضل السبيل..! خروج: * في بعض الأخبار أُستخدِمت عبارة (الرئيس الروسي يستقبل نظيره السوداني) أو قريباً من هذا السياق.. والملاحظة العارضة فقط على كلمة (نظيره) فهي مجحفة في حق أي رئيس (حقيقي)! لأن البشير لا نظير له سوى البشير. أعوذ بالله الجريدة