* الأرقام المتعددة بمفارقاتها لم تلفت نظري في ميزانية 2018م التي طُرِحت أمام برلمان الحزب الحاكم في السودان.. كما أن تعزيز (مأكلة) الأمن والدفاع بأكثر من 16% من جملة الميزانية مقابل تسفيه الصحة والتعليم وتهميش بقية القطاعات الحيوية في النسب المئوية لم يكن ملفتاً أيضاً.. نعم.. كل هذا لا يُلفت نسبة لاعتيادنا على حصة الجهتين الفاشلتين هكذا (بنصيب الأسد والفيل) كل سنة؛ فأصبح الأمر من الثوابت.. ولهذا سبب جهير لا غلاط حوله؛ هو أن السودان صار محمية للفساد والحماية تلزمها (عضلات) وكفى..! * الملفت للنظر لم يكن في الحسابات التفصيلية للميزانية والتي رصدتها صحيفة الجريدة أمس خير رصد بقلم الزميلة سارة تاج السر.. إنما الذي لفت غيري بأسى هو تصفيق (مساديد) البرلمان بعد فراغ وزير المالية محمد عثمان الركابي من خطاب الميزانية؛ مما استدعى أحد النواب المستقلين لأن يغضب تجاه زملائه الذين يصفقون لشيء يستحق النواح؛ كما أرى..! ولعل هذا أهم ما قرأته في الخبر؛ فكل التقدير للنائب المستقل؛ وليته يحافظ على الاستقلالية رابط الجأش؛ لا يخشى العصابات واللصوص المتنفذين؛ وليت نواياه تكون موغلة في الصدق؛ وقد عبِّر عن ما يغلي بصدور الكثيرين.. يقول الخبر: (اعتبر النائب المستقل مبارك النور أن المشكلة تتمثل في وجود طاقم اقتصادي فاشل بامتياز، وقال: كل عام تتصف الموزانة بأنها سيئة ولكنها الآن هي الأسوأ من نوعها ومحبطة للشعب السوداني، وأضاف "أنا مشفق على البلد والمواطن البسيط". وطالب النور بالاستعانة ببيت خبرة عالمي لإعداد موازنة السودان، وحل الطاقم الموجود فوراً، وزاد"لكن لابد من إجراء معاينات لمن يمسكون بدفة الاقتصاد" ووصف الطريقة التي يدار بها الاقتصاد بالعشوائية، ورأى أن الميزانية الحالية تؤكد وجود انهيار حقيقي بالقطاع الاقتصادي، وأوضح النور خلال تصريحات صحفية إن ما تقدم شيء مخيف للغاية، وأبدى أسفه للنواب الذين قابلوا الخطاب بالتصفيق" وقال: لو سألناهم ما يعرفوا صفقوا ليه"، وزاد: قائلاً: الوزراء عندهم شنو عشان يصفقوا ليهم). انتهى. 1 النائب وهو يرى مشهد المصفقين؛ ألم يستوحي شيئاً من الآية الكريمة التي جاء فيها: (… كمثل الحمار يحمل أسفارا)!! 2 النواب على حد تعبير النور لا يعرفون على ماذا يصفقون؛ والرجل محق؛ فمن جلبوهم للحظيرة البرلمانية يريدون صنف الضعفاء الذين إذا أمروهم أطاعوا؛ عميان البصيرة المنقادون من أجل بطونهم.. 3 النائب المستقل "طالب بالاستعانة ببيت خبرة عالمي لإعداد موازنة السودان" والأصح الإستعانة ببيت خبرة عالمي لإدارة (الركابي نفسه) والقصر الرئاسي والوزارات بمجملها. 4 التصفيق بلا داعٍ تحقير للذات؛ وهؤلاء تكيفوا على ذلك نظير الثمن، والتصفيق بلا سبب (قلة أدب) اختص الله بها البعض.. فمتى يدرك (الرجال!) ما يحطهم ويسلب أعز ما لديهم (الكرامة)؟! 5 خطاب الميزانية بما فيه من نقاط صريحة وخزعبلات جاءت بلسان وزير المالية يستحق منا وقفة لإضاءة بعض جوانبه المعتمة بالأوهام؛ ومنها خدع تجميلية ترتد لوجه الوزير ومخدميه.. فلنقرأ النموذج التالي من صحيفة الراكوبة: (أكد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي محمد عثمان الركابي أن أهم السمات العامة لموازنة العام 2018 تحقيق الاستقرار الاقتصادي بمعدلات نمو موجبة بزيادة الإنتاج في كل القطاعات وخفض حدة الفقر من خلال عدالة توزيع الدخول وزيادة فرص التشغيل.. الخ). * من الآخر وباختصار.. لا يوجد استقرار اقتصادي مع لصوص و(مليشيات) زادت عن الحد.. لا يوجد استقرار اقتصادي مع جماعة انتهازية بينها وبين الوطنية وحب الوطن كالذي بين الأرض والسماء..! لا استقرار اقتصادي مع الثغور الرسمية للتهريب.. لا استقرار اقتصادي مع السلطة التي تحولت لتاجر جشع وقاطع طريق.. الخ..! الإستقرار الإقتصادي مع السَّفه واللا مسؤولية مستحيل وليس صعب..! الوزير الركابي يعلم (والله يعلم) أن كل ما قاله في الفقرة السالفة الحالمة قابل للتحقق اقتصادياً وأكثر من ذلك؛ إذا كانت الدولة تدار بحكومة رشيدة ولا تدار بعصابة بليدة..! أعوذ بالله الجريدة