ما يدعو إلى السخرية والاستفزاز أنَّ هناك مسؤولين لا يزالوا يرددون العبارة المحفوظة "ارتفاع الأسعار غير مبرر" وهي مقولة العاجز عن الفعل الذي يكفيه فقط أن يترك أسباب ارتفاع الأسعار مفتوحة وعائمة. المشهد العام ملخصه أنَّ لا أحد بات يحدث ردة فعل تجاه أي زيادة، صحيح، حتى قبل فترة كان المواطنون يحتجون في الأسواق والمحلات حينما يعرض عليهم التاجر أسعار السلع، لكن ومنذ الانفجار الأخير، لم يعد هذا الاحتجاج، كما غاب السؤال التقليدي للمواطن عن سبب زيادة سلعة ما. الوضع الآن، أصبح المواطن يشتري ما استطاع شراءه لسد الجوع، هذا لم يعد محل مغالطات.. المواطن يعلم تماماً الانهيار الاقتصادي الذي يحصد ثماره على رأس كل ساعة، فلم تعد عبارة "جشع التجار" مقنعة للشارع. أمس نُشرت في الوسائط صورة لرئيس الوزراء والنائب الأول، بكري حسن صالح وهو يتجول داخل مخازن السكر، ثم جولة على السوق. لا أدري ما الدافع لهذه الحملة، أن ينزل رئيس الوزراء بنفسه ليطمئن على مخزون السكر وضبط الأسعار، هل هي رسالة مفادها أنَّ القيادة مع الجماهير في وقت الشدة.. لكن الرسالة الأبلغ هي، أن يصل الأمر مرحلة أن تنزل الرئاسة إلى الأسواق، فهذا يعني دون كثير اجتهاد أنَّ الأمر برمته خرج عن السيطرة. الأزمة بائنة كالشمس ولا تحتاج إلى نزول رئيس الوزراء ووزراء القطاع الاقتصادي كي يبحثوا عنها بين مخازن السكر أو أطباق البيض، وملخص الجولة وفقاً للمنشور في بعض الصحف يؤكد تماماً غياب الحل بل غياب الرؤية.. أن تنتهي مثل هذه الجولات الرئاسية بعبارة "ارتفاع الأسعار غير مبرر" يعني هذا أنَّ لا حل. الأزمة الحقيقية والتي تتطلب المواجهة بشجاعة وضمير هي أن البلد رُبط مصيرها بمصير أفراد، لا حل لأزمة البلاد إلا بحل أزمتهم هم.. الحل ليس بين جوالات السكر والتنقيب في "بوليصات" الشحن لمقارنة الأسعار.. الحل وجهته واضحة وطريقه واحد. دون ذلك، تبديد للزمن وتضييع لفرص الحل التي يُمكن أن تُنقذ ما تبقى وتحفظ ما تبقى من دماء. يكفي جداً هذا الكم الهائل من الشعارات والوعود الكذوبة التي حولت المشهد إلى كوميديا لا تتوقف.. لا يحتاج الوضع سوى المواجهة.. مواجهة الأزمة بضمير وشجاعة. التيار