* كان الملمح الأبرز للجماعة الحاكمة في السودان وإلى وقت ليس بعيد؛ أنهم يتخذون من الدين جبة فضفاضة في إرهابهم باسم الجهاد؛ ولأن طبيعتهم الإرهابية لن تتغير أزاحوا الغطاء الديني جانباً بعد تمزقه تحت أبصَار الوعي؛ وبدلوا حالهم (مع الاحتفاظ بدقون الضلال سالمة!) فرأينا المليشيات الإرهابية (اللا دينية!) تكميلاً للمسيرة القاصدة لتمزيق نسيج السودان الإجتماعي بتقتيل أهله ونشر الخراب والمآسي بين ربوعه؛ بينما تُركت الحدود مهملة تتحاشى قوات الجماعة مناطقها المحتلة (كأن الجنة أو الشهادة ليست مكتوبة في تلك المناطق)..! فتركيزهم دائماً على (عدو الداخل) غير المنتمي لتنظيمهم بإعتباره أولوية لحصارهم وفتكهم..! * وبالأمس القريب زحفت المليشيات شرقاً (ليس بغرض شن الحرب على عدو خارجي يتربص كما زعموا) إنما ذهبت لتفجعنا بانتهاكاتها تجاه المواطنين والتي ما تزال أخبارها تأتينا من الغرب كلما أكملت الساعة دورتها؛ حيث لا يفرِّق إرهاب المليشيات بين سكان المعسكرات وسكان القرى والحضر في دارفور..! ضخ نظام الخرطوم إشاعات فضحناها وقتئذ حين إدعى وجود أعداء في الحدود الشرقية ليوطد للفوضى قَدَماً في كسلا الوريفة وجوارها عبر المليشيات.. ولاحقاً تنصّل النظام من إدعاءاته بتمييع الأعداء المفترضين على لسان وزير خارجيته غندور حتى لا تزعل مصر المشار إليها ضمن أولئك الأعداء..! مَاعَ الإفتراء المُضحك كقطعة ثلج وكأن شيئاً لم يكن.. المهم أن المليشيات وصلت كسلا لتستهل دورة الفوضى كما رأينا في فاتحة أعمالها من خلال بعض التجاوزات حملتها الأخبار؛ لتتطور التجاوزات لاحقاً إلى كبائر..! كانت لمقالات الكُتاب وسخرية الشعب أثرها في كشف حِيل المنافقين الحاكمين الذين أرادوا أن يتضامن شعب السودان معهم لمواجهة الأعداء المتخيلين! فإذا الشعب يرد بصوت موحّد بأن لا عدو غير المنافقين أنفسهم! انقشعت الكذبة رغم التصريحات المضللة وحشود المليشيات.. الغريب أن هذه المليشيات لم تذهب لمكان الأعداء بشحمهم ولحمهم في منطقة الفشقة؛ حيث يتمدد بأراضيها الاستيطان الأثيوبي بقُرَى جديدة وشوارع!! كما لم تفكر في الذهاب لحلايب التي يحتلها الجيش المصري مطمئناً واضعاً ساقاً فوق ساق يدخن الشيشة؛ ربما لعلمه بأن مليشيات النظام السوداني حدودها القصوى في (الرجالة) هي الاستئساد على المواطنين العُزَّل داخل البلاد؛ كما حدث في كسلا قبل يومين.. فقد شهدت المدينة جريمة إرهابية بشعة.. استشهد مواطن برئ كان يجلس آمناً في بيته عندما هجمت عليه مجموعة بكلاشاتها وأردوه قتيلاً بلا سبب سوى احتجاجه على استباحة منزله (والقصة معروفة)..! المليشيات تستبيح على كيفها.. والأمثلة في الخرطوم وحدها كافية لانتباهة الشعب الذي آن له أن يستعد لحماية أعراضه وأغراضه؛ ناهيك عن الأمثلة في دارفور التي أصبحت الإنتهاكات فيها أكثر إعتيادية من صلاة الجماعة.. فما ظلت تشهده دارفور وما شهدته كسلا مؤخراً يمكن أن يحدث في أي مكان.. والسلطة التي لم تعد محل ثقة المواطن بهذا القتل العشوائي المستفز؛ ترسل رسالة ترسِّخ في الأذهان منهج (إدارة التوحُّش) بأفعال المليشيات! وأظن أصحاب المنهج ذاتهم استلهموه من (إخوان السودان)!! فحين يصير القتل عادياً يكون ذلك بمثابة فتح مبين لإرهابيي الخرطوم.. أي حين يصير القتل عادياً يسهل لديهم انتقاء أيّة ضحية بيسر تحت ستار فوضى المليشيات ودون انتظار لدهشتنا؛ فالإعتياد يبددها..! والأفضل للناس أن يفكروا في حماية أرواحهم حتى لا يفاجأوا (بالسكارى!!) يدخلون بيوتهم لتصفيتهم بلا سبب سوى الانتفاخ ب(بَدلَة) الطغيان..! ليفكر الناس في الذهاب للبؤر التي تُستخرج منها رخص السلاح الفتاك للأجانب؛ والمواطن السوداني أولى بالرخصة إذا استطاع سبيلا؛ ليطمئن ولو قليلاً على حياته.. فالنظام المشغول بكنوزه وأسفاره ومصير أفرادِه لا يحمي إلّا (ناسهُ). * أكثر من رواية خرجت حول جريمة كسلا قبل أن تستبين رويداً رويدا؛ أصدقها ما حمله موقع صحيفة الراكوبة.. وعند مصدري خبر؛ فأمس تحدثت طويلاً مع الزميل (…) المتواجد في مكان الجريمة؛ أفاد بأشياء خاصة بالواقعة؛ أهمها أن طابور الشخصية حدد القتلة حَمَلة الكلاشات الممتلئين زهواً وفجوراً بأزيائهم وأهوائهم..! وتحديد القتلة مبكراً مسألة مقدّرة ومُثمَّنة إذا لم تعقبها (لولوات) أو استجد في الأمر شيء..! وأعلم بأن القول الفصل في جريمة كسلا يجب ألا نستبق به بعض الجهات التي تُسمَّى (رسمية) لنسمع روايتها رغم ميلها للتعتيم في بعض الجرائم ذات الصلة بدوائر الإستبداد؛ أقول ذلك حرصاً مني على عدم فتح ثغرة (لبلاغات جديدة)! فأجهزة النظام السارق لعرقِنا ودمنا لا تتكفل بمشاوير النيابات والمحاكم..! فهل ستكشف الجهات المعنية التفاصيل بأمانة حول جريمة كسلا أم ستهملها؛ كما أهملت بعض الجرائم التي مللنا من التذكير بها..! * رحم الله الشهداء ضحايا المليشيات البربرية في الجهات الأربعة.. وما حلَّت المليشيات بمكان إلّا فرَّ منه الأمان..! أعوذ بالله ……… الجريدة الإلكترونية