لم يكن مفاجئاً قرار إقالة وزير الخارجية إبراهيم غندور، لأن الوزير تقدم باستقالته قبل فترة وجيزة ثم تراجع عنها، لكن المفاجئ الجرأة التي تحلى بها الوزير وهو يعلن حالة إفلاس أمام العالمين، ويستنجد ويستغيث بالبرلمان للتدخل لحل أزمة الخارجية التي عجزت عن سداد مستحقات بعثاتها الخارجية لسبعة أشهر، وكان مناسباً أن يختم غندور استغاثته تلك باستقالة أمام الملأ، لكن يبدو أن الإقالة هو ما جرت عليه العادة. ليس ولو بدرجة 1% أن يكون سبب إعفاء غندور خطابه في البرلمان قبل يومين والذي كشف فيه حجم الأزمة الاقتصادية وخواء خزينة البنك المركزي من النقد الأجنبي للدرجة التي تعجز فيها عن توفير (30) مليون دولار. كما إنه من غير المصدق أن يعجز المركزي عن سداد هذه المبالغ رغم العجز الاقتصادي البائن، الواضح أن المركزي تلقى توجيهات بالإمساك عن صرف هذه المستحقات، ورغم أن غندور لم يفصِّل ما إن كان هذا العجز قاصراً على محطات بعينها أراد القصر تقليصها أم أن الأمر عام على كل المحطات، بعض السفراء أكدوا أن الأمر قاصر على محطات بعينها. الصراع بين مؤسستي الرئاسة ووزارة الخارجية بدأ مبكراً، منذ ظهور الفريق طه عثمان على سطح المشهد السياسي، حينما اصطحب شيخ الأمين إلى الإمارات ليفتح له مساراً دبلوماسياً جديداً بعدما بلغت العلاقة بين الخرطوم وأبوظبي حد التجمد، ثم تمدد القصر حتى بلغ الأمر أن كان قطع العلاقات مع إيران تم باتصال هاتفي من القصر. لكن الأمر ازداد احتداماً قبيل وعقب القرار الأمريكي برفع العقوبات عن السودان وتصارع مؤسستي الرئاسة والخارجية في من صاحب القدح المعلى في قرار رفع العقوبات والذي برز على إثره في تلك الفترة صوت أعلى للدبلوماسية الرئاسية. مؤتمر السفراء الذي انعقد مؤخراً بالخرطوم، ركز خطاب الرئيس بشكل لافت على دور الدبلوماسية الرئاسية، بل أن ما تسرب من معلومات أن القصر ألغى الخطاب الذي قدمه وزير الداخلية ليقدمه الرئيس خلال المؤتمر واستبدله بخطاب آخر ركز فيه على دور الدبلوماسية الرئاسية. جريرة غندور الكبرى أنه ضمن وعلى رأس فريق قاد الحوار مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وانتهى إلى رفع العقوبات، لكن ما تبع ذلك من نقاش مع نائب وزير الخارجية الأمريكية، حول مستقبل السودان في 2020م. مجموعة أمريكا لم تعد محل ثقة، وزيارة البشير إلى موسكو وإعلانه من هناك موقف جديد كان ضافياً، ذهبت المجموعة مع الريح، ابتداء بمحمد عطا ثم عماد عدوي وأخيراً غندور، ولم يتبق إلا بكري حسن صالح والذي سُحبت صلاحياته – على قلتها- واستبدلت بمجالس رئاسية. التيار