تحدثت البطلة صفية اسحق في حوار شامل مع (حريات) في مكانها الآمن وفسرت فيه أسباب اختفائها المؤقت ، وكشفت عن الضغوط التي تتعرض لها أسرتها ، وأبدت تصميماً هائلاً وعزيمة على مواصلة النضال من أجل التغيير . والى مضارب الحوار : أين صفية إسحق الآن ولماذا هذا الاختفاء المفاجيء عن الأنظار؟ أستميحك عذراً لتقبل إجابتي، ليس من المهم أين مكاني الجغرافي لأنه سؤال يهم فقط الأجهزة الأمنية وبحثها الجاري عني، بما فيها الضغوط وإرهاب كل من يقدم لي يد المساعدة. المهم في تقديري هو أين مساهمتي وإستمراري فيما كنت أقوم به بقدراتي المحدودة في الوقوف ضد الظلم الممارس من قبل السلطات في السودان، وهو المشروع الذي آمنت به وبسببه تعرضت لتلك الجريمة التي لم اتعافى منها كليا حتي الآن. أقول للشعب السوداني الصامد على الظلم والانتهاكات بانني أضطررت للإختفاء قسرياً في مكان آمن حتى أأمن سلامة جسدي ونفسي، وحتي لا تطالني الأجهزة الأمنية وتعاقبني للمرة الثانية بعد أن فضحتها على الملأ. آثرت الإختفاء لأمان نفسي اولاً ولترتيب مساهماتي في الحياه العامة، بما فيها مواصلة إجراءات التقاضي ضد المجرمين، ورد الصاع صاعين بأساليب أطهر وانبل وأقوى من اساليبهم القائمة على الإرهاب والقمع والفبركات. على المستوى العام أنشط حالياً في مواصلة مشروع التغيير الذي يقوده الشباب السوداني والذي انطلق ولن يتوقف، بما استطيع من إسهام. وأغتنم هذه الفرصة لمناشدة كل النشطاء والمنظمات الحقوقية للتضامن ووقوف ذات الوقفة القوية التي تمت معي من أجل اطلاق سراح الناشطة الدارفورية حواء عبدالله التي أعتقلت في الفاشر هذا الشهر ومورس تجاهها التشهير غير اللائق اخلاقيا من قبل الامن، وأخاف عليها ان يطالها ما هو أسواء مما حدث معي. على المستوى الشخصي فأنا اتعافى تدريجياً خلال الأشهر الماضية وكلي قوة وإرادة لتندمل جراحي والامي الجسدية والنفسية، كما أعمل على تطوير معارفي وقدراتي لمواصلة العمل في الدفاع عن حقوق من تعرض للإرهاب والإنتهاكات مثلي. هناك ملاحظات حول توقفك عن اتباعك للإجراءات القانونية ، وأن إعلام المؤتمر الوطني الرسمي يتهمك بالهروب بعدما وضح ضعف موقفك القانوني، ماهو تعليقك ؟ هذا غير صحيح على الإطلاق، فإعلام السلطة والأجهزة الأمنية في السودان في وادي، والواقع شيء آخر، وطبعاً لهم مصلحة في إثارة هذا التشويش والمعلومات الخطأ. بدوري اتبعت وشرعت في كافة الإجراءات القانونية وفقاً للطرق الصحيحة بمتابعة المحامين ونشطاء حقوق الإنسان في السودان، حيث تحصلت على عريضة من النيابة العامة بإجراء الفحص الطبي وتوجهت الى مستشفى بحري الحكومي لتكملة الإجراءات وقمت بفتح بلاغ وفقاً لعريضة النيابة ووثيقة الكشف الطبي بقسم شرطة بحري. وأثناء قيامي بهذه الإجراءات ظللت أتعرض لضغوط أمنية ونفسية رهيبة، لم تقتصر عليَّ فقط، إنما طالت أسرتي وأصدقائي، حيث تلقيت تهديداً رسمياً من وكيل النيابة بمنطقة الخرطوم بحري وأمرني بالتوقف من مواصلة الإجراءات القانونية، ذات الشي مارسه رئيس قسم الشرطة فقد ظل يضع العقبات الرهيبة متجاوزاً لصلاحياته لإثنائى عن فتح البلاغ ضد الأجهزة الأمنية، والتي عملت على مطاردتي ومطاردة من كان يقدمون يد العون لي في تلك الأمسية. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل قامت الأجهزة الأمنية عن قصد ونية مبيته بتسريب تقرير الفحص الطبي ويومية التحري الخاصة بإجراءاتي القانونية– بغض النظر عن فرضيتي التزوير أو الصحة – حيث أن الطبيعي والقانوني ضمان سرية وخصوصية هذه المعلومات والوثائق، بدلاً عن تسريبها لوسائل الإعلام بلا أدنى وازع اخلاقي أو مهني أو قانوني، وهذه الحادثة علمت انها سابقة في تاريخ السودان العدلي. ومن هنا أطلب من وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الصحة فتح تحقيق في كيفية تسريب ونشر مثل هذه الوثائق السرية والضرر الذي طالني من ذلك، وإن كنت مقدماً أشك في قيام مثل هذا التحقيق . أختم اجابتي هنا انه نتيجة لهذه التراكمات والعقبات والإرهاب توصلت إلى خلاصة مفادها انعدام سيادة وإحترام القانون في السودان، وهو مطية وأداة فقط للأجهزة الأمنية ، وان الأمن يتحكم في كل الأشياء، فكيف يُطلب مني مقاضاة الأجهزة الأمنية في حين أن الشرطة والقضاء والنيابة وأجهزة الدولة كلها أوجه مشتركة تُسخر لعمل جهاز الأمن. هل يعني ذلك ان قضيتك في مواجهة الأجهزة الأمنية توقفت عن السير في مسارها القانوني، وأن اختفاءك كما وصفتيه كان نتيجة أو تعبير عن توقف هذه الإجراءات؟ كما اسلفت القول بأنني شرعت وقمت بكافة الإجراءات القانونية المطلوبة مني لبدء القضية، وتفاجأت بكم الموانع والعقبات الأمنية ضد السير الطبيعي للقضية ضد الأجهزة الأمنية، وعلمت ان هنالك حالات كثيرة مشابهه لحالتي في مواجهة الأجهزة الأمنية ووجهت بذات العراقيل والإرهاب. لكنني أقول أنا مواصلة في إجراءاتي القانونية، ليس فقط داخل السودان بل توجد بوابات وطرق أخرى شرعت فيها لمواصلة خطوات التقاضي، على سبيل المثال تابعنا في مطلع مايو الجاري إجتماع اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان في غامبيا، والمحكمة الافريقية وهما إحدى الآليات التي سأشكو من خلالها الحكومة السودانية. جاء في وسائل الإعلام أن اسرتك قامت بفتح بلاغات في مواجهة قادة سياسيين وناشطين في حقوق الإنسان بدعوى إختطافك بعد زيارتهم للتضامن مع اسرتك بالخرطوم، وبدورك لم تنفي أو تثبتي صحة ذلك، بماذا تردي ؟ سبق وان قلت بوضوح من قبل في مقابلة مع قناة الحرة بعد أسبوع من الحادثة بأن اسرتي بسيطة مثلها وملايين الأسر السودانية (المغلوبة على أمرها)، وأقول أيضاً بوضوح ايضاً أن هناك ضغوطات رهيبة (ترغيب وترهيب) طالت أسرتي ومعارفي واصدقائي، ونتيجة لتلك الأساليب الأمنية المضللة، فقد نجحت لبعض الوقت الأجهزة الأمنية في اثارة البلبلة والتشويش لدي أسرتي، ولكن قد إنكشف غطاء الكذب والإرهاب الآن، ولعل أسوأ موقف أن تكون محاصرا أمنياً وأسرياً ونفسياً. أنا على اتصال مستمر باسرتي وتكشفت لهم كافة الحقائق وهم الان أكثر طمأنينة وأقل خوفاً. إختفائي ووجودي في مكان آمن ساعد في تخفيف الضغوط والخوف، كما ساهم في توحيد مواقف الأسرة والناشطين المحليين والسياسيين الديمقراطيين، بل المتضامنين على مستوى العالم وهذه نتيجة إيجابية. وأقولها بصوت عالي، أن الأجهزة الأمنية نتيجة لخوفها هي من قامت بالضغوط والترهيب وفتح البلاغات في مواجهة قادة العمل العام ممن تفهم وتألم لما حصل معي . وليس من المستغرب أن نسمع غداً عن محاكمة للأستاذ عبد المنعم الجاك أو الدكتورة مريم الصادق او الدكتورة إحسان فقيري أو غيرهم ممن وقف معي، لما أملاه عليهم ضميرهم وواجبهم المهني في الوقوف معي في محنتي والوقوف مع ملايين الضحايا في كشف إنتهاكات حقوق الإنسان. ببساطة تحاول الأجهزة الأمنية لوي عنق الحقيقة لتجعل من المدافعين عن حقوق الإنسان مجرمين، بينما هي من تمارس الإجرام علناً، وتسعى لهدم ماتبقى من المنظمات والقوى الفاعلة في السودان، وخير مثال لذلك ما يواجهه الأن من مضايقات ومؤامرات الصحفي فايز السليك والذي اكن له تقدير خاص ايام رئاسته لصحيفة أجراس الحرية لإفراده لملفات كاملة حول الجريمة التي تعرضت لها. وهو ما ينطبق ايضاً على صحيفة حريات والتي لم يجد قادتها مثل الاستاذ الحاج وراق غير المنافي للوقوف بجانب الحق ومناصرة الضحايا، واشكر صحيفة حريات هنا لتغطيتها المثابرة والدقيقة لحادثتي. في التاسع والعشرين من مايو الجاري سيتم تقديم الكاتب الصحفي الدكتور عمر القراي للمحاكمة على خلفية ما كتبه بشأن حادثتك، ماهو موقفك مما يتعرض له، خاصة وانه انطلقت في بعض الوسائط الإعلامية السودانية حملة للتضامن معه ؟ القضية الحالية المرفوعة في مواجهة الدكتور عمر القراي هي قضية رأي عام وقضية سياسية دون شك، ومخطيء من يتصور أو يصورها بأنها قضيتي الشخصية. ولعل دكتور القراي إنطلق من ذلك الإطار، كنت ومازلت من بين المداومين على قراءة مقالاته، والمستمعين لندواته العامة بمركز الخاتم عدلان بالخرطوم، دون أن تجمعني أدنى معرفة شخصية به، ولم أندهش عندما قرأت ما سطره حول حادثتي وغيري من النساء، فهو الموقف المتوقع منه ومن صناع الرأى المدافعين عن الحقيقة وحقوق الإنسان. وبالمناسبة محاكمة الدكتور القراي ليست الوحيدة فمعظم من سطر حرفاً ووقف بجانبي في الصحافة السودانية تعرض للتحقيق والإستدعاء من الأجهزة الامنية وفتحت بلاغات في مواجهتهم من أمثال الأستاذ فيصل محمد صالح وغيرهم. باختصار، كتابة الدكتور عمر القراي عن حادثتي هي استمرار لكتاباته الكثيرة ولوقوفه المستمر الى جانب الحق والعدالة وقد سعدت جداً بإنطلاق حملة التضامن ضد محاكمته، وحزنت في الوقت نفسه لإختفائي الآن الذي سيحول دون حضوري والتضامن معه ضد محاكمته. وموقفي هنا ليس لموقف ذاتي شخصي لانه كتب عني، بل كان سيكون موقفي كناشطة مدنية أسوة بالآخرين والأخريات مثلما كنت اشارك في تظاهرات سابقة، ولم لم أكن صفية أسحق لقدت حملة التضامن امام المحكمة مع دكتور القراي. اين إسهام شباب التغيير في الشارع السوداني، ولماذا حدث تراجع في حركات الإحتجاجات في السودان؟ وهل صحيح أن ماحدث لك أخافهم، وبصفة خاصة الناشطات ؟ الإغتصاب كوسيلة وجريمة استخدمت ووثقت بالآف الحالات في دارفور دون محاسبة وعدالة حتي الآن وما زالت المقاومة مستمرة هنالك. واستخدم الإغتصاب كوسيلة تعذيب ضد المناضلين والمناضلات منذ الإنقلاب العسكري في 1989. العديد من الناس واجهوا تلك الجرائم بشجاعة وفضحوا الأجهزة الأمنية وواصلوا طريق النضال، بالإضافة الى آخرين آثروا الصمت، ومنهم من إكتفى بإخطار المقربين اليه، وعلى الرغم من ذلك ظلت حركات الاحتجاج والتظاهرات مستمرة في مواجهة الظلم والقهر، مما يعني ان الأجهزة الأمنية لن تخيفنا ولن تتمكن من إيقاف مشروع التغيير، بما فيه تقديم كل الجناة الى العدالة شاؤوا أم أبوا. التضامن الذي حدث معي مثلما أعطاني قوة وعزز من إرادتي ومنعتي هو قوة دفع لكسر حواجز الخوف، وكلما تزداد الأجهزة الأمنية في بطشها وقهرا كلما يزداد الغضب وإرادة التغيير وسط الناس، وخير مثال لذلك ما يحدث الآن في مصر وتونس واليمن وسوريا. تعليق أخير؟ أتقدم بشكري الخاص لكم في صحيفة (حريات)، وبدوري أشعر بإمتنان تجاه أسرتي وملايين الأسر السودانية، أشيد بالتضامن المحلي والإقليمي والعالمي معي، وأطلب من منظمات المجتمع المدني والناشطين في حقوق الإنسان العمل بمثابرة للكشف عن الإنتهاكات الخفية والأخطر في السودان، وإمتناني الخاص للصحافة المحلية على الرغم من محنتها والرقابة والضغوط الامنية، إضافة للمواقع الالكترونية على سبيل المثال لا الحصر موقع التواصل الإجتماعي (الفيسبوك) وغيرها من وسائل الاعلام العالمية لمجهودها ونشرها للحقائق حول حادثتي، وأقول للناشطين الشباب في السودان ان يواصلوا النضال فالطريق شائك ووعر، لكننا سنبلغ نهاياته وأهدافنا لا محال، وللأجهزة الأمنية بأن يوم الحساب آت لا محال .